تقول الرياضيات إن أقصر مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم الواصل بينهما، فهل كان اجتماع غازي عنتاب يكثّف هذه الحالة؟ وهل كان هذا الاجتماع، الذي ضمّ قوى الثورة والمعارضة برعاية الحليف الضامن التركي، والذي جرى في الثالث من شهر أيلول الجاري، لبحث مستوى العلاقات بين هذه القوى بعضها مع بعض، ومستوى العلاقات بينها مجتمعة مع حليفها الضامن؟ أم كان لمرحلة انعطاف جديدة سيشهدها الشمال المحرر؟
البيان الختامي الذي صدر في نهاية هذا الاجتماع، الذي استمر قرابة أربع ساعات، حمل على متنه سبعة محاور وتوصيتين. أهم المحاور والرئيسي الأساسي فيها كان يتعلق بتعميق دور الائتلاف الوطني كقيادة سياسية لقوى الثورة والمعارضة من خلال وجوده على الأرض في الداخل المحرر.
أما المحور الثاني فيتعلق بتمكين الحكومة المؤقتة لتلعب دورها في إدارة شؤون المحرر الخدمية والاقتصادية والاجتماعية بصورة عامة.
المهمة الداخلية والأساسية لهذا الاجتماع هي تغيير الواقع الحالي، وهذا الحال لن يتغيّر بإطلاق أمنيات على شكل شعارات، مثل حوكمة هذه المناطق سياسيًا، ومثل تمكين الحكومة المؤقتة على الأرض.
أما المهمة الخارجية فهي الضغط على المجتمع الدولي لتنفيذ القرار 2254. وهذا لن يتمّ من دون أن تشكل قوى الثورة والمعارضة بكل طيفها قوة حشد شعبي للحاضنتين الشعبية والثورية. هذا الحشد يحتاج إلى برنامج أولويات واضح وصريح، وأهم ما فيه هو تمكين الائتلاف الوطني السوري من ممارسة حوكمة سياسية تعبر عن جوهر كفاح الثورة السورية، والمتمثل في حده الأدنى بتنفيذ القرار 2254.
التمكينان (السياسي والحكومي) يحتاجان دون مواربة إلى دور من الحليف الضامن التركي، فهذا الحليف موجود على أرض هذه المناطق، ويجب أن يكون من أولويات وجوده نصرة القضية السورية في الانتقال السياسي.
التمكينان الأساسيان (السياسي وإدارة شؤون المحرر) لا يمكن تنفيذهما على الأرض من دون فعالية حقيقية وملموسة من جهة الحليف الضامن التركي. هذه الفعالية لا تزال في حدودها الدنيا، ولعل حسابات الحليف الضامن السياسية لا تزال ذات نمطية غير تدخلية فاعلة في مساعدة قوى الثورة والمعارضة على تأطير عملها، ووضع برنامج عملها الخارجي والداخلي، وهذا دون مبالغة يجب أن ينطلق من خلال ركيزتين يدرك قيمتهما الحليف التركي.
الركيزة الأولى تعتمد على وحدة القرار السياسي للحاضنتين الثورية والشعبية، وهذه الوحدة يمثلها الائتلاف الوطني السوري باعتباره تمثيلًا تعترف به الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. أما محاولة خلق بديل سياسي عن الائتلاف، فلن تؤدي إلا إلى مزيد من تشتيت الجهد الثوري في دفع عربة تنفيذ القرار 2254.
الركيزة الثانية تتمثل بتمكين الحكومة المؤقتة المنبثقة عن الائتلاف الوطني كي تقوم بواجبها في إدارة شؤون الداخل المحرر أمنيًا واقتصاديًا وخدميًا بما يساعد على تطوير الوضع العام في هذه المناطق لتصير مناطق استقرار.
التمكينان (السياسي والحكومي) يحتاجان دون مواربة إلى دور من الحليف الضامن التركي، فهذا الحليف موجود على أرض هذه المناطق، ويجب أن يكون من أولويات وجوده نصرة القضية السورية في الانتقال السياسي.
نصرة قضية الثورة السورية تركيًا، نعتقد بضرورة أن ترتكز على تحقيق محورين رئيسيين: الحوكمة السياسية وتمكين الحكومة المؤقتة، وهذان هما صمام الأمان لعبور هذه المرحلة نحو حلٍ سياسي شامل في البلاد.
إن من حق الحليف التركي أن تكون حدوده الطويلة مع سوريا آمنة، فتركيا تحتاج إلى إنهاء ما تتعرض له من تهديدات يمثلها تنظيم PKK وذراعه السورية PYD.
كما أن تركيا تحتاج أيضًا إلى استقرار الوضع السياسي على أراضي جارتها الجنوبية "سوريا"، وهذا الاستقرار، في ظل الصراع على سوريا وفيها، لن يحدث دون حلٍ سياسي تؤمن به تركيا، ونقصد مطالبتها بتنفيذ القرار الدولي 2254.
استقرار سوريا لن يتمّ دون انتقال سياسي تضمنه قرارات الأمم المتحدة. وبالتالي، لن يفيد تشغيل الطريقين m4 وm5، لأن تشغيلهما يتعارض مع العقوبات الأميركية المنصوص عليها في قرارات الكونغرس الأميركي. وقد صرح بجوهر هذا المعنى الناطق باسم البيت الأبيض الأميركي حين قال: إن فتح معبر "أبو الزندين" ينتهك العقوبات المفروضة على نظام الأسد، وإن الولايات المتحدة لن تسمح بانتهاكها.
الحوكمة السياسية والتمكين الحكومي يعنيان باختصار تطوير الوضع المعيشي والاقتصادي والاستقرار الأمني، وهذا يلغي عبء وجود اللاجئين السوريين من المعادلات السياسية الداخلية التركية
إن مصلحة الحليف التركي تتمثل في ضرورة مساعدة قوى الثورة والمعارضة على تحقيق استقرار الشمال السوري المحرر، دون السماح لمن يوحي بأنه يضرب بسيفها، وهدفه المحافظة على امتيازاته الفئوية والشخصية على حساب الشعب في مناطق الشمال السوري.
مساعدة الحليف التركي لقوى الثورة والمعارضة في تحقيق التمكين السياسي وتمكين الحكومة المؤقتة ضرورة قصوى لمنع استمرار الفصائلية وما ينتج عن ذلك من فوضى من حين إلى آخر. وإن تحقيق الاستقرار في الشمال السوري، من خلال حوكمة الائتلاف السياسية له، ومن خلال تمكين الحكومة في إدارة شؤونه، يساعد على عودة أكبر نسبة من اللاجئين السوريين في تركيا إلى هذه المناطق.
الحوكمة السياسية والتمكين الحكومي يعنيان باختصار تطوير الوضع المعيشي والاقتصادي والاستقرار الأمني، وهذا يلغي عبء وجود اللاجئين السوريين من المعادلات السياسية الداخلية التركية، ويفرغ حالة العنصرية التي مارسها قليلون تدفع بهم قوى سياسية تركية لتحقيق مكاسب على حساب معاناة اللاجئين السوريين.
الحليف الضامن التركي معني بخلق شروط التمكينين السياسي والحكومي، وإن عدم فعالية دوره في المساعدة على توفير ذلك لا يمكن أن يندرج ضمن مفهوم حياديته العامة. فما دامت تركيا معنية بتنفيذ القرار 2254، فهي معنية بدفع عربة استقرار الشمال السوري أمنيًا واقتصاديًا، لأن ذلك يسمح لها بصورة غير مباشرة بسحق القوى الإرهابية المهددة لاستقرار سوريا واستقرار تركيا.
السوريون في الشمال المحرر وفي كل مناطق لجوئهم في العالم ينتظرون من حليفهم التركي المساعدة في خلق الاستقرار الشامل في الشمال السوري. هذا الاستقرار يحتاج بصراحة إلى قوى لها مصلحة في حمله بما يخدم الاقتراب من الحل السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية. هذه القوى يمثلها الائتلاف الوطني وباقي مؤسسات قوى الثورة. كذلك لا يمكن أن تكون هناك فائدة في هيمنة الفصائلية على حساب وحدة الجيش الوطني، وفرض صيغ تتعارض مع الحصار المطبق على نظام الأسد.