قلق إيراني من عمليات التطبيع مع نظام الأسد.. أسباب وتداعيات وتوازنات دولية

2024.07.11 | 06:51 دمشق

54444443
+A
حجم الخط
-A

شهدت العلاقة بين إيران ونظام الأسد في السنوات الأخيرة توترات متزايدة نتيجة عدة مؤشرات على صُعد مختلفة. من بين هذه المؤشرات كانت محاولات النظام السوري الانفتاح على الدول العربية ورغبته في الابتعاد عن النفوذ الإيراني. إذ شكلت المبادرة العربية نقطة توتر أساسية عندما دعت إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، حيث اعتبرتها إيران تهديداً لمصالحها الاستراتيجية، وذلك بالتزامن مع تجاهل نظام الأسد لهجمات إسرائيل على مواقع إيرانية، وعدم دعمه لعملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة حماس، كل ذلك زاد من استياء إيران. في سياق هذه التوترات، تأتي محاولات إعادة العلاقات بين تركيا والنظام السوري لتضيف بعدًا جديدًا ومعقدًا للوضع، حيث تحمل هذه المحاولات جوانب إيجابية وسلبية بالنسبة لإيران.

محاولات فاشلة لتعويم نظام الأسد

بدأت هذه التوترات مع بداية تطبيع النظام مع الدول العربية وظهور رغبته بالخروج من العباءة الإيرانية والعودة إلى المحافل الدولية، وذلك بمساعدة الحليف الروسي الذي كان عراباً ومروجاً للنظام. ونلحظ دوره الكبير حالياً في محاولة عودة العلاقات بين نظام الأسد وتركيا.

بالنسبة للمبادرة العربية، أبدت إيران موقفًا معقدًا تجاه الأخيرة لحل الأزمة السورية. أهم النقاط التي زادت من التوتر بين إيران ونظام الأسد نتيجة المبادرة كانت شعور إيران بتهديد على وجودها العسكري، حيث إن إحدى النقاط الرئيسية في المبادرة العربية هي الدعوة للحد من النفوذ الإيراني في سوريا واتخاذ إجراءات للحد من تأثير الميليشيات المدعومة من إيران.

اعتبرت إيران هذه المطالب تهديداً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية ومحاولة لعزل إيران وتقليل نفوذها في المنطقة. وبالتالي لا شك أنه كان لإيران دور كبير في فشل هذه المبادرة التي لم تحقق أي من أهدافها ونتج عنها أيضاً توترات جديدة بين النظام والدول العربية، وظهرت بشكل جلي في القمة العربية الأخيرة حيث لم يُسمح لبشار الأسد بإلقاء كلمة.

يحاول نظام الأسد تفادي هذا التهديد بتحييد النفوذ الإيراني عبر تنفيذ مطالب إسرائيلية تشمل استعادة السيطرة على المناطق الحدودية.

السابع من أكتوبر: طوفان التوتر بين الأسد وحليفه الإيراني

بعد أن استطاعت إيران بشكل أو بأخر عرقلة المبادرة العربية؛ شهدت العلاقة نوعاً من الهدوء لغاية 7 أكتوبر. في هذا التاريخ، عاد التوتر بسبب تجاهل النظام لهجمات إسرائيل على السفارة الإيرانية في دمشق وعلى مواقع تابعة للميليشيات الإيرانية في دمشق وحلب، حيث أثار هذا التجاهل شكوكاً إيرانية حول احتمال تورط النظام في تسريب معلومات حساسة عن المواقع المستهدفة. 

أحد الأسباب الأخرى للتوتر كان عدم دعم نظام الأسد لعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس ضد المستوطنات الإسرائيلية الواقعة على حدود القطاع المحاصر.

هذه المواقف زادت من انزعاج إيران، التي بدأت تشك في وجود تنسيق غير مباشر بين  نظام الأسد وإسرائيل. حيث تحدثت تقارير عديدة عن أن هدف النظام السوري من هذا التنسيق غير المباشر كان ضمان بقائه في السلطة وتجنب أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد سوريا، في ضوء استمرار وتوسع الوجود الإيراني في المنطقة، وهو ما يعتبر تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي.

ويحاول نظام الأسد تفادي هذا التهديد بتحييد النفوذ الإيراني عبر تنفيذ مطالب إسرائيلية تشمل استعادة السيطرة على المناطق الحدودية وإخراج القوات والميليشيات الإيرانية منها. غير أن التوغل الإيراني في  جيش النظام، خصوصاً في الفرقة الرابعة المتمركزة في الجنوب، عرقل تحقيق هذه المطالب.

الموقف الإيراني من التقارب التركي مع نظام الأسد

مع آخر المحاولات التي تقوم بها روسيا لإعادة تعويم نظام الأسد وإرجاعه إلى المحافل الدولية، كان الهدف هذه المرة هو تركيا، والتي تعتبر أهم وآخر الداعمين للمعارضة السورية، ويعيش على أراضيها 3.5 ملايين لاجئ سوري فروا من بطش وظلم نظام الأسد. تحمل عودة العلاقات التركية مع نظام الأسد العديد من التساؤلات حول إمكانية تحقيق هذا التقارب وإمكانية استجابة النظام لمطالب تركيا، خاصة بعد أن أخل نظام الأسد بكافة وعوده تجاه المبادرة العربية والتي كان مصيرها الفشل، خاصة مع مدى صعوبة المطالب التركية وأهمها تحييد قوات سوريا الديمقراطية واستعادة المناطق التي تسيطر عليها. إلا أن أهم التساؤلات هو الموقف الإيراني من احتمالية عودة العلاقات التركية مع نظام الأسد. بالرغم من ترحيب المسؤولين الإيرانيين بعودة العلاقات إلا أنها تحمل جوانب سلبية وإيجابية بالنسبة للموقف الإيراني.

يتضمن الجانب السلبي أولاً التخوف الإيراني من تقارب الأسد مع منافس إقليمي، وثانياً تصاعد دور الحليف الروسي في عملية تعويم النظام، وهذا يشعر إيران بضعف دورها تجاه النظام السوري الذي كان مقتصرًا على الدعم العسكري الذي يواجه اليوم حالة جمود أدت بالميليشيات الإيرانية إلى اللجوء إلى تهريب المخدرات والسلاح والبشر. أما من الناحية الإيجابية بالنسبة لإيران، فإن تحقيق مطالب النظام من هذا التقارب، وأهمها الانسحاب التركي من الأراضي السورية، سيشكل فرصة لملء الفراغ، باعتبار النظام غير قادر على تحمل أعباء المنطقة وضبطها أمنيًا وتأمين البنى التحتية. فبطبيعة الحال، ستكون فرصة مهمة للتوسع الإيراني خاصة في المناطق القريبة من نقاط تواجد ميليشياتها التي لطالما كانت مصدر تهديد على المنطقة. من ناحية أخرى، في حال استطاعت إيران أن تخلق لها مساحة ضمن هذا التقارب وتسهم في تسهيله، وحاليًا تعمل على ذلك من خلال دفع الحكومة العراقية بقيادة محمد شياع السوداني المقرب من إيران، ففي هذه الحالة قد يكون لإيران دور في هذا المسار وجزء منه، وستكون قادرة على إفشاله أو المضي به بما يخدم مصالحها. ومن ناحية أخرى أيضًا، في حال أخذت إيران دورًا في هذا التقارب، فقد نشهد تحالفًا ثلاثيًا جديدًا شبيهًا بأستانة، لكن على صعيد دولي وإقليمي.

النظام السوري اليوم ليس لديه الرفاهية للتخلي عن أي حليف، وخاصة الحليف الإيراني الذي استثمر كثيراً في دعم النظام على مدار السنوات.

الخلاصة

نهايةً، يشكل أي تقارب عربي، غربي، إقليمي أو دولي مع النظام السوري هاجساً كبيرًا لإيران، لأنه يهدد بخروج النظام من العباءة الإيرانية ويؤثر سلباً على مفهوم وحدة الساحات بين دول "محور المقاومة". إضافة إلى ذلك، تتسم العلاقة بين إيران وسوريا بتعقيدات جيوسياسية كبيرة. إيران ليست مجرد حليف عسكري، بل هي جزء لا يتجزأ من النسيج الأمني والاقتصادي والسياسي السوري.

وبالتالي، فإن أي محاولة من النظام للتخلي عن الدعم الإيراني قد تواجه بردود فعل سلبية من داخل النظام نفسه ومن القوى العسكرية والاقتصادية المدعومة من إيران.

ومع ذلك، فإن النظام السوري اليوم ليس لديه الرفاهية للتخلي عن أي حليف، وخاصة الحليف الإيراني الذي استثمر كثيراً في دعم النظام على مدار السنوات. ومع التحركات الدولية والإقليمية التي تسعى لتقليل النفوذ الإيراني في سوريا، ستظل طهران تسعى للحفاظ على مصالحها من خلال تعميق وجودها وتأمين مصالحها الاستراتيجية. من ناحية أخرى، ستظل دمشق تلعب على التوازنات الدولية والإقليمية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب وضمان بقائها، مع محاولة تفادي أي تصعيد مباشر مع حلفائها أو خصومها على حد سواء.