في كتابه الشهير الذي تناول سيرة حافظ الأسد، وصف باتريك سيل تعيين رفعت الأسد عام 1984 كنائب لرئيس الجمهورية بأنه "تكسير رتبة". وكان سيل محقاً، إذ لا قيمة مضافة لهذا المنصب إن لم يكن شاغله يتمتع بنفوذ أمني وعسكري قوي في دولة "نظام الأسد".
أما بالنسبة لوزراء الخارجية الذين "ارتقوا" إلى هذا الموقع، فقد كانت الحصيلة تقليص أدوارهم في السياسة الخارجية للنظام، مع استخدام خبراتهم ومروحة علاقاتهم في حالات وملفات محددة فقط.
ورغم ذلك، بقي منصب نائب رئيس الجمهورية يكتسب قوة رمزية، بفعل البند الدستوري الذي يخوّل نائب الرئيس صلاحية إدارة الدولة في حال عجز الرئيس، ولو بشكل مؤقت. وهذا ما دفع بعض نواب الرئيس في حقبة آل الأسد إلى الظن أنهم قريبون من كرسي الحكم، أو أنهم يملكون قوة نافذة تُضطر الرئيس إلى مراعاتها. حدث ذلك مع رفعت الأسد وعبد الحليم خدام، وبشكل مختلف مع فاروق الشرع. لكننا نستبعد أن يقع فيصل المقداد في الفخ نفسه؛ إذ إن مسيرته المهنية، التي لا تميّزها الكثير من الإنجازات، وقدراته الكاريزمية المتواضعة، لا تمنحه مقومات طموح بهذا الحجم. ومع ذلك، لا يمكننا الجزم بما قد تقوله الأقدار.
منصب الوزير يمنح نفوذاً أكبر على السياسة الخارجية للبلاد، بحكم نشاطاته اليومية الدبلوماسية والإدارية ولقاءاته مع المسؤولين العرب والأجانب في الداخل والخارج.
لنبدأ بالقول إنه بدافع من القوة الرمزية التي يحملها منصب نائب الرئيس في "سوريا الأسد"، يخطئ الكثيرون في تقدير القوة الحقيقية لمن يحتل هذا المنصب. مثال ذلك توصيف جريدة "زمان" التركية لتعيين فيصل المقداد نائباً للرئيس بأنه مكافأة له على احتجاجه ضد تركيا. وأشارت الصحيفة إلى حادثة وقعت في 10 آب/أغسطس الفائت، حينما احتج وزير الخارجية السابق، المقداد، على كلمة نظيره التركي هاكان فيدان في مجلس وزراء الخارجية العرب، بمغادرته هو والوفد المرافق له للاجتماع، الذي دعيت إليه تركيا للمرة الأولى منذ 13 عاماً.
لكن، وكما وصف سيل هذا الترفيع بأنه "تكسير رتبة" في حالة رفعت الأسد، فإن الأمر ينطبق على حالة وزير الخارجية "المرفّع".
فمنصب الوزير يمنح نفوذاً أكبر على السياسة الخارجية للبلاد، بحكم نشاطاته اليومية الدبلوماسية والإدارية ولقاءاته مع المسؤولين العرب والأجانب في الداخل والخارج. أما موقعه كنائب للرئيس فيقصر نشاطاته على ملفات محددة يُكلفه بها الرئيس. وهذا ما حدث مع خدام والشرع بعد "ترفيعهما" إلى منصب نائب الرئيس.
كما أشرنا سابقاً، يعود سبب هذا اللغط حول تقدير القوة الحقيقية لصاحب هذا المنصب إلى الدستور. فقد أبقى دستور 2012، الذي صاغه النظام بعيد الثورة، على دور نائب الرئيس كمسؤول عن الفترة الانتقالية في حال عجز الرئيس المؤقت أو الدائم. وتوضح ديباجة الدستور أن لرئيس الجمهورية أن يسمي نائباً له أو أكثر، ويفوضهم ببعض صلاحياته. وإذا حال مانع مؤقت دون متابعة رئيس الجمهورية لمهامه، أناب عنه نائب رئيس الجمهورية. ومن هذه الديباجة نفهم أن ذلك ينطبق على الحالات التي يملك فيها الرئيس القدرة على تكليف نائب محدد بممارسة المهام. أما في حال شغور منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن أداء مهامه، فيتولى مهامه مؤقتاً النائب الأول لرئيس الجمهورية لمدة لا تزيد عن تسعين يوماً، يتم خلالها إجراء انتخابات رئاسية جديدة. وفي حال شغور منصب الرئيس ولم يكن له نائب، يتولى مهامه مؤقتاً رئيس مجلس الوزراء لمدة لا تزيد عن تسعين يوماً، إلى حين إجراء انتخابات رئاسية جديدة.
من الصعب تصور المقداد في موقع الشرع أو حتى خدام. ما نعرفه الآن هو أن الترقية الحقيقية كانت من نصيب وزير الخارجية الجديد، بسام الصباغ.
بالعودة إلى خبر وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، نجد أن الأسد أصدر مرسوماً بتسمية فيصل المقداد نائباً له. لكن المرسوم لم يحدد ما إذا كان المقداد نائباً أول أم لا. فهناك نجاح العطار، وهي نائبة الرئيس. قد يقول البعض إن مهام المقداد بمتابعة تنفيذ السياسة الخارجية والإعلامية تجعله الأقرب لمنصب النائب الأول مقارنة بزميلته العطار، المكلفة بالشؤون الثقافية. لكن من الناحية الدستورية، لا يوجد ما يضبط هذا التوصيف. وهذا يختلف عمّا حدث في عام 2000، حين تولى عبد الحليم خدام إدارة المرحلة الانتقالية بعد وفاة الأسد الأب، خلال عملية توريث الحكم لابنه. وكان خدام نائباً أول للرئيس منذ عام 1984، إلى جانب رفعت الأسد كنائب ثانٍ – أقيل من منصبه عام 1998 – وزهير مشارقة كنائب ثالث – توفي عام 2006.
قد يستهجن البعض مناقشة دور الدستور في تحديد من سيدير المرحلة الانتقالية في سوريا إذا شَغُر منصب الرئيس. وهم محقون جزئياً في ذلك. ففي عام 2012، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تحليلاً علّق على غياب فاروق الشرع، نائب الرئيس حينها، عن خطاب بشار الأسد أمام مجلس الشعب الجديد بعد "انتخابات" تشريعية. إذ رافقت الأسد في خطابه نائبته نجاح العطار فقط.
علّقت "لوموند" بالقول: "لأن البروتوكول السوري تحكمه قوانين غير مكتوبة، فقد بدأ البعض يتحدث عن فرضية تقول إن أصحاب السلطة (الحقيقية) متضايقون من هذه الشخصية البارزة –الشرع– التي تمثل السلطة (الظاهرية) في سوريا". في ذلك الوقت، رفعت أحداث الثورة السورية من شأن فاروق الشرع وقدرته على التأثير بعد اتخاذه موقفاً غير متناغم مع موقف السلطة الأمني والعسكري. لكن ذلك الموقف هو ما أخرج الشرع من موقعه "الظاهري" كنائب للرئيس عام 2014.
في حالة فيصل المقداد، قد تلعب الظروف دورها، فيدير مرحلة انتقالية قصيرة الأجل لتوريث الحكم لصاحب السلطة "الحقيقية" في حال وفاة بشار الأسد. أو قد تتطور الأمور بشكل آخر، فيرتفع شأن المقداد وسط اضطرابات داخلية في السلطة. ومع ذلك، من الصعب تصور المقداد في موقع الشرع أو حتى خدام. ما نعرفه الآن هو أن الترقية الحقيقية كانت من نصيب وزير الخارجية الجديد، بسام الصباغ.