في العراق الجديد... مظاهرات لا يمكن إيقافها!

2022.10.08 | 06:12 دمشق

في العراق الجديد... مظاهرات لا يمكن إيقافها!
+A
حجم الخط
-A

هنالك العديد من سبل وطرق الرفض، أو التأييد لسياسات الدول والحكومات في عالمنا المعاصر، ومنها البيانات والمؤتمرات والندوات والبرامج التلفزيونية والمواقع الإلكترونية والمظاهرات التي تعتبر من أهمها وأخطرها!

وتُعد المظاهرات جزءاً من تاريخ العراق الحديث، وبالذات خلال السنوات التي سبقت بناء الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي (ثورة العشرين) ضد الاحتلال البريطاني.

وقد استمرت المظاهرات كواحدة من أهم الأدوات الضاغطة في العهد الملكي 1921 – 1958، وكانت مظاهرات داخلية إصلاحية (وطنية) وخارجية (قومية) تتعلق بالأحداث القومية وبالذات القضية الفلسطينية.

وبعد مجيء الحكم الجمهوري بدأت القبضة الحديدية تبرز تدريجيا وتحسب المظاهرات حالة تمرد علني، مما جعل ينبوع المظاهرات يجف شيئا فشيئا!

ومع الغزو الأميركي للعراق (2003) وبداية الحديث عن الديمقراطية وحرية التعبير (المادة 38 من دستور 2005) عادت من جديد المظاهرات لتكون الأداة السلمية الفاعلة لتغيير الحالة الخربة التي خلفتها القوات الأجنبية المحتلة والقوى الموالية لها من المؤيدين للاحتلال والمالكين للسلاح.

ونحاول هنا الإشارة إلى بعض أهم المظاهرات التي نظمت في العراق بعد العام 2003.

كانت المظاهرة الأولى في الفلوجة غربي العراق (نيسان/ أبريل 2003)، مظاهرة عفوية ونابعة من الرفض الديني والعرفي لتصرفات الاحتلال وذلك بعد استقرار قوات الاحتلال بمدرسة مجاورة للمنازل بحي نزال.

وقد خرج الأهالي بمظاهرات رافضة للثكنة العسكرية بين المنازل، وواجهتها قوات الاحتلال بقسوة خلفت أكثر من عشرين شهيدا وعشرات الجرحى.

وتلتها بعد أربعة أشهر مظاهرات في مدينة الصدر، وبمدينة الحمزة في محافظة الديوانية الجنوبية (2011)، ومنطقة الحسينية شرقي بغداد للاحتجاج على تدهور الخدمات وتردي أحوال الناس!

يمكن عدّ المظاهرات التي أطلق عليها (الربيع العراقي) بأنها الأبرز، وقد انطلقت في 25 شباط/ فبراير 2011، وكانت مظاهرات مشحونة بأجواء (الربيع العربي)

ويمكن القول إن المظاهرة الثانية الكبيرة كانت في شباط/ فبراير 2011 وشملت العديد من المدن وشارك فيها أكثر من خمسة آلاف من وجهاء المجتمع بمدن الأنبار وديالى والموصل والعمارة وغيرها وكانت تدعو لتحسين الواقع العام في البلاد.

ويمكن عدّ المظاهرات التي أطلق عليها (الربيع العراقي) بأنها الأبرز، وقد انطلقت في 25 شباط/ فبراير 2011، وكانت مظاهرات مشحونة بأجواء (الربيع العربي) التي قلبت الطاولة في العديد من الدول العربية، وقد سيطر المحتجون حينها على العديد من المقار الحكومية في البصرة والأنبار والموصل وواسط وكركوك وغيرها.

أما في العاصمة بغداد فقد أغلقت حكومة نوري المالكي جسر الجمهورية لقطع طريق المتظاهرين ومنعهم من الوصول للمنطقة الخضراء المحصنة، في حين فتحت قوات الأمن نيران أسلحتها على المتظاهرين العزل، وكانت الحصيلة أكثر من عشرين شهيدا ومئات الجرحى!

ويمكننا القول إن مظاهرات يوم 25 كانون الأول/ ديسمبر 2012 هي المظاهرات الأكبر بعد العام 2003، وكانت مطالب المتظاهرين واضحة ودقيقة، وتتعلق بتهميش حكومة المالكي لأبناء تلك المحافظات في مؤسسات الدولة المختلفة ونقص الخدمات!

وتجاهلت حكومة المالكي مطالب الجماهير، وأمرت قوات الجيش في نيسان/ أبريل 2013 باقتحام خيام المتظاهرين في الحويجة بمحافظة كركوك وقتلت أكثر من 50 متظاهرا، وهنالك من يقول إنها سحقت أكثر من مئة شهيد!

ثم صارت المظاهرات تتجدد صيفيا ببغداد ومدن الجنوب، منذ 2013، احتجاجا على تردي الطاقة الكهربائية، ويمكن تسميتها (المظاهرات الموسمية) لكونها تنظم طوال فصل الصيف حصرا!

وبقيت (المظاهرات الموسمية) لأكثر من أربع سنوات، ولكن مسار المظاهرات الجماهيرية تغير مرة ثانية في شباط/ فبراير 2017 بخروج الآلاف من أتباع مقتدى الصدر للمطالبة بتعديل قانون الانتخابات، وتغيير مجلس مفوضية الانتخابات، والابتعاد عن المحاصصة السياسية.

وفي منتصف العام 2018 جابت كافة مدن الجنوب (البصرة، وميسان، والناصرية، والنجف، وكربلاء، وواسط، والديوانية، والمثنى) مظاهرات كبرى، ربما يمكن وصفها بأنها الأعنف!

وقد هاجم المتظاهرون مقار الأحزاب الحاكمة، وواجهتهم حكومة حيدر العبادي بقبضة حديدية قاسية خلفت أكثر من 20 ضحية وأكثر من مئتي جريح!

وعادت المظاهرات ثانية ولكن هذه المرة من شباب العراق وكانت البداية في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2019 وعرفت بـ(مظاهرات تشرين)، وقد انطلقت في مرحلة حكم رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وشملت بغداد وكافة مدن الجنوب، وكانت احتجاجا على انتشار الفساد القانوني والإداري وتفشي البطالة والمخدرات وتهالك الأوضاع الاقتصادية، وطالب المتظاهرون بإسقاط حكومة عبد المهدي والدعوة لانتخابات مبكرة.

ولكن الشيء اللافت للنظر أن حكومة عبد المهدي استخدمت النيران المميتة والمخفية، ومنها القناصات، التي خلفت أكثر من 700 ضحية، وأكثر من 20 ألف جريح، ربعهم تقريبا أصيبوا بعاهات مستديمة، واعتقل المئات وبعضهم غيبوا ولم يعرف مصيرهم نهائيا!

وأهم ما حدث في تلك المظاهرات هو الهتافات المنددة بالتدخل الإيراني في الشؤون العراقية وإحراق العلم الإيراني.

هذه المظاهرات، وما أعقبها من مظاهرات فرعية، أجبرت حكومة عبد المهدي على تقديم استقالتها في 30 تشرين الأول/ نوفمبر 2019.

وقد حاولت حكومة مصطفى الكاظمي (البديلة لحكومة عبد المهدي) تطمين المتظاهرين بوعود كبيرة، ومنها التعيينات والخدمات وضبط السلاح، وبالحقيقة لم يتحقق أي شيء من ذلك بشكل واضح وملموس، وبقيت القوى المنفلتة تقتل وتغال وتغيّب الناشطين في المظاهرات.

ومن الأهمية بمكان ذكر مظاهرات التيار الصدري المتكررة، وبالذات تلك التي أعقبت مرحلة الانتخابات البرلمانية في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021 حيث دخل التيار بمناكفات مع القوى السياسية الأخرى وبالذات مع الإطار التنسيقي برئاسة المالكي، وقد استخدم التيار الشارع الشيعي (المظاهرات) كأداة لترهيب خصومه وإحراجهم.

واقتحم أنصار الصدر نهاية تموز/ يوليو 2022 بناية البرلمان احتجاجا على ترشيح الإطار التنسيقي لمحمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، وقد انسحبوا بعد ساعات بناء على طلب زعيمهم الصدر!

ليعودوا بعد ساعات لاقتحام الخضراء والاعتصام داخلها لأكثر من ثلاثة أسابيع، وفي يوم 30 آب/ أغسطس انسحب أنصار التيار من الخضراء بطلب من الصدر الذي قرر اعتزال العمل السياسي وذلك بعد مواجهات مسلحة بين سرايا السلام الصدرية وفصائل مسلحة تابعة للإطار قتل فيها العشرات!

وهكذا صارت تشرين شعارا للرفض الشعبي للواقع الدامي والمرير.

وتتجدد في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر سنويا ذكرى مظاهرات تشرين، وفي العام الحالي كانت مظاهرات تشرين غير واضحة المعالم، وربما، يمكن القول إنها كانت مظاهرات ضعيفة ومكسورة الجناح!

إن المظاهرات العراقية منذ العام 2003 وحتى اليوم جميعها خرجت بسبب الحالة السقيمة الموجودة في إدارة الدولة، وبالتالي لا يمكن إنهاء هذه المظاهرات بالقمع والترهيب

وخلال المظاهرات الأخيرة (الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي) في الناصرية جنوبي العراق حدثت أعمال حرق لبعض المباني التابعة لمبنى المحافظة، واعتقل على إثرها 36 شخصاً!

وأثبت المراحل الماضية أن مرحلة حكم عبد المهدي (2018-2019) ثم المالكي (2006 – 2014) كانت الأكثر دموية من حيث أعداد ضحايا المظاهرات.

إن المظاهرات العراقية منذ العام 2003 وحتى اليوم جميعها خرجت بسبب الحالة السقيمة الموجودة في إدارة الدولة، وبالتالي لا يمكن إنهاء هذه المظاهرات بالقمع والترهيب وإنما بالعمل على بناء الدولة، وتقديم الخدمات، والعدالة القانونية والسياسية والاجتماعية، وهذا ما يفتقر إليه العراق الآن، ولهذا أتصور أن المظاهرات ستتجدد، ولا يمكن للقيادات والأحزاب بمناهجها الحالية إقناع الجماهير بالكفّ عن المشاركة في المظاهرات الشعبية المقبلة!

إن الحقيقة الكبرى التي لا يمكن تغطيتها أن الحكومات المترهلة لا يمكنها تكميم أفواه الجماهير المُنهكة، ولهذا أعتقد بأن المظاهرات الشعبية العراقية ستعود ثانية، وستغير المعادلة العامة ليس على مستوى العراق فحسب بل على مستوى المنطقة!