منذ أن أعلن رئيس البرلمان الفنزويلي، خوان غوايدو، نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، أضاف بذلك أزمة جديدة إلى الأزمات التي تعاني منها بلاده، لتبدأ مرحلة أخرى من مراحل الصراعات والتجاذبات الدولية.
أزمة فنزويلا التي انفجرت فجأة، تتجه نحو نفق مظلم في ظل غياب أي حل سياسي على المدى المنظور، حيث إنها أخذت أبعادا دولية، لاسيما بوجود أطراف خارجية بدأت تدخل على الخط، وتحدد موقفها بدعم طرف دون آخر، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر في بعض المواقف.
أعلنت كل من موسكو وأنقرة وإيران ودمشق دعمها للرئيس نيكولاس مادورو، كرئيس شرعي، بالإضافة إلى كوبا والمكسيك، في حين دعمت الولايات المتحدة الأميركية بقوة، مع حلفائها من بعض دول أميركا اللاتينية وبعض الدول العربية بشكل حذر، خوان غوايدو.
كان لافتا عدم تأخر الولايات المتحدة بدعم زعيم المعارضة الفنزويلي غوايدو، حيث أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بيانا اعتبر فيه مادورو رئيسا غير شرعي، وأضاف "أن الجمعية الوطنية برئاسة غوايدو هي الهيئة الشرعية الوحيدة لحكومة انتخبها الشعب الفنزويلي وفق الأصول".
تنظر أميركا إلى هذا البلد الغني بالثروات، وصاحب الاقتصاد المنهار باهتمام بالغ، لأوجه عدة، و لاسيما في المجالات السياسية والاقتصادية، ناهيك عن الأهمية الاقتصادية التي تتمتع بها من ثروات باطنية ضخمة، لذلك نجد هناك إرادة ورغبة قوية لدى الساسة في البيت الأبيض بوجود حكومة فنزويلية موالية لها.
أزمة فنزويلا التي انفجرت فجأة، تتجه نحو نفق مظلم في ظل غياب أي حل سياسي على المدى المنظور، حيث إنها أخذت أبعادا دولية
تتصدر فنزويلا قائمة أكبر احتياطيات نفطية في العالم، وتحتل واشنطن المركز الأول ضمن قوائم المشترين للمنتجات النفطية، حيث بلغ مقدار الاستيراد ما يقارب 750 ألف برميل يوميا في اليوم الواحد خلال عام 2017، بالتالي أي هزة عنيفة سياسية أو اقتصادية لهذا البلد، سوف تلقي بظلالها على الولايات المتحدة الأميركية.
يضاف إلى ذلك، أن الصراع المشتعل على السلطة، قد يولد أزمات ونتائج كارثية أخرى، ليس على فنزويلا فحسب، بل قد يشمل الدول الأخرى ذات القرب الجغرافي، لاسيما أن التقارير الدولية كانت تشير في ازدياد ملحوظ إلى نسبة اللاجئين الفنزويلين القادمين إلى الولايات المتحدة الأميركية، خلال السنتين الماضيتين.
كما أن الصراع المتصاعد بين الأطراف قد يأخذ منحى آخر، مما قد يفتح الباب على مصراعيه أمام مافيات السلاح والمخدرات لتنشط بشكل أكبر، لاسيما أن هذه الجماعات تمتلك التأثير والنفوذ الكبير في دول أميركا اللاتينية، وبالتأكيد واشنطن لن تكون بمأمن، عمَّا سيجري في فنزويلا وينتقل إلى دول مجاورة لها مع مرور الوقت.
لطالما تميزت الولايات المتحدة الأميركية باللعب على كسر القواعد، وتحويل العدو إلى حليف، وتحويل الحليف إلى عدو، واستطاعت أن تجيد ببراعة عمليات الابتزاز السياسي ضد حلفائها وأعدائها في آن معا في العديد من القضايا، وتمثل ذلك في ابتزار روسيا وتركيا والدول الخليجية وغيرهم في قضايا تمس أمنهم القومي.
كما توجهت بعد أحداث 11 من سبتمبر (أيلول) إلى دول آسيا الوسطى، التي تعد المعقل السوفياتي الخلفي لموسكو، لتستثمر وجودها العسكري في أفغانستان، وحجة محاربة الإرهاب ضد هذه الدول، وتخلط الأوراق على اللاعبين التقليدين في هذه المنطقة.
في هذا السياق، صرح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، في وقت سابق، قائلا " إن مادورو هو الرئيس الشرعي لفنزويلا، وشجب اغتصاب السلطة من جانب المعارضة". وأضاف"نعتبر محاولة اغتصاب السلطة في فنزويلا، بمثابة انتهاك للقانون الدولي".
المؤكد أن الكرملين لم ينس القواعد العسكرية الأميركية الموجودة في بعض دول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى خلق بؤر توتر لروسيا في الدول السوفياتية السابقة
المؤكد أن الكرملين لم ينس القواعد العسكرية الأميركية الموجودة في بعض دول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى خلق بؤر توتر لروسيا في الدول السوفياتية السابقة، بالتحريض تارة، أو إغرائها بالدعم الذي لم تفعله تارة أخرى، وتركتهم لمصيرهم أمام القوة العسكرية الروسية، كما حصل في أوكرانيا وجورجيا.
كما تعمل على ابتزاز تركيا وسوريا بحزب الاتحاد الديمقراطي "ي ب ك"، الذراع السوري لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية، الذي يسيطر على أراض واسعة ذات غالبية عربية تشمل أهم مقدرات سوريا للطاقة، بالإضافة إلى التهديد المستمر للأمن القومي التركي والعربي السوري في آن معا.
العديد من الدول وجدت أزمة فنزويلا، فرصة ملائمة لمحاولة الانتقام من الولايات المتحدة على العديد من الملفات التي كانت تستنزف قوتهم العسكرية والاقتصادية، من خلال البؤر والتوترات التي تفتعلها أو التي تحاول الاستفادة منها بطريقة ما.
طريقة المواجهة التي يزداد سعارها بين المؤيدين والمعارضين لمادورو, تدفعنا إلى التفكير، هل سوف نرى في الأيام القادمة قواعد عسكرية روسية أو غيرها في فنزويلا ،من الدول الحليفة للرئيس الحالي مادورو؟