عهد جديد لأكبر حزب معارض في تركيا

بعد 13 عاماً من قيادة أكبر حزب معارض في تركيا، رحل كمال كليتشدار أوغلو المرشح الرئاسي السابق في انتخابات 2023، بعدما تمكن أوزغور أوزال وهو قيادي بارز في الحزب من الفوز في انتخابات داخلية بعد حصوله على أكثر الأصوات في الجولة الثانية التي عقدها المؤتمر السنوي للحزب.

جرى ذلك في 5 من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وقد حمل أهمية كبيرة لأن هذا الحدث يعتبر سابقة في تاريخ الشعب الجمهوري، من حيث رحيل رئيس الحزب عبر انتخابات المؤتمر العام، ومن ناحية أخرى تبرز الأهمية في شخص كليتشدار أوغلو نفسه.

من المعلوم أن كليتشدار أوغلو خسر الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام الرئيس رجب طيب أردوغان بفارق مريح في جولة الإعادة، كما تسبب بفقدان حزبه 33 مقعداً في البرلمان التركي لصالح أحزاب محافظة تحالف معها على أمل المساهمة في جذب الشريحة التي تصوت للعدالة والتنمية الحاكم.

لمحة سريعة عن أوزغور أوزال

أوزال دخل عالم السياسة متأخراً، حيث كان صيدلياً وكانت مهنته الرئيسية، إلى جانب أنه اختير ليكون نقيب صيادلة "مانيسا" أولاً، ثم نقيب الصيادلة الأتراك لاحقاً.

في 2009 أي قبل عام واحد من تسلم كليتشدار أوغلو زمام الشعب الجمهوري، دخل أوزال عالم السياسة "مصادفة" كما يقول، لكنه في 2011 أصبح نائباً في البرلمان ليبدأ مشواره السياسي عبر مناصب متتالية في حزب الشعب الجمهوري.

منذ دخوله السياسة حافظ أوزال على مقعده في البرلمان، وفي 2015 تولى منصب نائب رئيس الكتلة النيابية للحزب، وفي 2023 عقب الانتخابات أصبح رئيس الكتلة النيابية للحزب، قبل أن يفوز برئاسة الحزب في 5 تشرين الثاني.

يُعرف عن أوزال تمسكه بمبادئ الحزب اليسارية، ولذلك فهو لم يكن متحمساً للغاية للتحالف مع الأحزاب المحافظة ولا حتى اليمينية القومية مثل الجيد، بل ربما كان أقرب للتحالف مع حزب اليسار الأخضر (الشعوب الديمقراطي) الكردي، وهو ما انعكس بوضوح في خطابه بالمؤتمر العام الأخير.

أوزال والقضية السورية

من أبرز أوجه التناقض في فلسفة جل الأحزاب اليسارية في تركيا هو التصادم مع مبدأ الاعتراف بحقوق اللاجئين والمهاجرين ونبذ العداء/الكراهية لهم، ولقد أثبتت الحملة الانتخابية لمرشح الشعب الجمهوري للرئاسة كليتشدار أوغلو ذلك بوضوح.

بالمناسبة، لم تكن تلك الحملة مصدر إزعاج لأوزال الذي طالب بخطاب ترشحه لرئاسة الحزب بالتمسك بالمبادئ الديمقراطية، على العكس يعتبر أوزال من أبرز السياسيين الذين يثورون ضد المهاجرين وسياسة الهجرة، ويصف تركيا أنها بلد محتل من قبل اللاجئين، على غرار أوميت أوزداغ.

بالطبع ولكي لا نظلم الرجل، قال أكثر من مرة إنه ليس ضد اللاجئين أو المهاجرين، لكنه ضد الحكومة التي تحول البلد لمستودع مهاجرين، لكن مع ذلك التصريحات العدائية يمكن رؤيتها بوضوح في خطاب أوزال.

على غرار كليتشدار أوغلو، فإن أوزال يرى أن استقبال اللاجئين الفارين من النظام السوري في خضم سنوات الصراع كان خطأ، وأن التدخل بالسياسة الداخلية لسوريا هو سبب ذلك، دون التركيز ولو مرة واحدة من أصحاب هذا الخطاب على أن التعامل القمعي والدموي لنظام الأسد مع السوريين هو الذي دفع معظمهم للخروج من البلد في ظل انعدام أي أفق لرحيل هذا النظام.

من أبرز أوجه التناقض في فلسفة جل الأحزاب اليسارية في تركيا هو التصادم مع مبدأ الاعتراف بحقوق اللاجئين والمهاجرين ونبذ العداء/الكراهية لهم، ولقد أثبتت الحملة الانتخابية لمرشح الشعب الجمهوري للرئاسة كليتشدار أوغلو ذلك بوضوح

وفيما يتعلق بنظرة أوزال لمستقبل وجود السوريين، فهو يرى ضرورة إعادتهم إلى بلدهم في أقرب وقت بعد إعادة العلاقات مع النظام السوري، مما يوحي بأن فهم الحزب للقضية السورية مقتصر على جزئية مفادها أن التطبيع مع النظام هو الضامن لعودة السوريين، وكأنهم فروا إلى تركيا بسبب قطع العلاقات بينها وبين بلدهم.

كان أوزال راعياً رئيسياً لبرنامج الشعب الجمهوري الذي انطلق في 2019 بخصوص السوريين في تركيا، والذي يهدف إلى ضمان عودتهم إلى بلدهم في غضون عامين والتطبيع مع النظام السوري.

وبناء على ذلك، فإن التركيز على المبادئ اليسارية بخطاب أوزال وانتقاده الضمني للتحالف مع الأحزاب اليمينية التي تكون عادة متشددة حيال سياسة الهجرة والمهاجرين، لم ينعكس إطلاقاً على رؤيته لمشكلة اللجوء السوري في تركيا.

وهو كما يصف حركة حماس بأنها "إرهابية" فهو كذلك ينظر للسوريين الذين كانوا يقاتلون النظام السوري على أنهم إرهابيون وجهاديون كذلك، على غرار معظم ساسة الشعب الجمهوري.

ولذلك لا يوجد أي توقع حيال وجود رؤية جديدة لدى الشعب الجمهوري في التعامل مع القضية السورية على صعيد المستقبل.

انعكاس فوز أوزال على الداخل التركي

يتذكر المتابع للشأن التركي تحالف "الطاولة السداسية" الذي ضم خليطاً من الأحزاب المعارضة للحكومة والمعارضة لبعضها في الوقت ذاته، حيث تختلف الأيديولوجيات والهوية السياسية والأولويات كذلك، وانتهت بفشل ذريع جعل الحديث عن تحالف جديد ضرباً من إضاعة الوقت أو تكراراً لمحاولات فاشلة.

وهذا ما يمكن رؤيته في خطاب أوزال في المؤتمر الحزبي العام، فقد هيّأ لمسار جديد يعتمد على "التعاون" لا "التحالف"، ورأى أن قضية إنشاء تحالفات بين الأحزاب ليس الهدف أو الضرورة، بل يكفي وجود تعاون بين المعارضة ضد الحكومة، وفق رؤيته.

بل إن أوزال يرى أن التحالف بحد ذاته هو السبب الحقيقي وراء خسارة المعارضة للانتخابات الرئاسية، ويلخص ذلك بأن الخلط بين الأحزاب اليسارية واليمينية أفقد تلك الأحزاب هويتها وسياستها التي من المفترض أن تجسدها.

في هذا السياق، ليس من المتوقع أن ينشأ تحالف بين الشعب الجمهوري وحزب الجيد لخوض الانتخابات المحلية المقبلة في آذار/مارس 2024، وليس هذا بسبب تصريحات أوزال وحدها فقط، بل كذلك رئيسة حزب الجيد ميرال أكشنار تحمل نفس الرؤية، وقد همّت أكثر من مرة لمغادرة الطاولة السداسية سابقاً.

ونتيجة الاتهامات المتبادلة بين الحزبين بعد خسارة الانتخابات، فإن قضية نشوء تحالف جديد بينهما أمر مستبعد للغاية في الانتخابات المحلية، ونتائج تلك الانتخابات ستحدد بالتأكيد فيما لو كان هناك تحالف قد ينشأ في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي من المفترض أن تجري في 2028.

انعكاس فوز أوزال على الشعب الجمهوري

كان فوز أوزال بمنزلة بصيص أمل لشريحة واسعة من ناخبي الشعب الجمهوري، لا سيما في ظل الهزائم المتكررة التي مُني بها حزبهم في عهد كليتشدار أوغلو، ولقد كانت الانتخابات الأخيرة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ولو استمر كليتشدار أوغلو ولم يرحل فإن خسارة الحزب للانتخابات المحلية المقبلة ستكون شبه مؤكدة.

لكن رحيل كليتشدار أوغلو أعاد تنشيط دماء الحزب على الأقل، في ظل الخسارات المتتالية وأبرزها خسارة مقاعد برلمانية لصالح أحزاب محافظة يمينية.

ولذلك من الممكن القول إن فوز أوزال يعتبر نقطة إيجابية لصالح حزب الشعب الجمهوري، واستعادة ثقة ناخبيه به، ومن ناحية أخرى سيكون هذا الفوز بداية لعهد جديد في خريطة التحالفات المقبلة.

من المتوقع أن يكون أوزال أقرب للأكراد اليساريين في تركيا في مسألة التحالفات، لكن مهمته ستكون صعبة في محاولة جذب ما يلزمه لضمان الفوز في أي انتخابات مستقبلية، وهدفه سيكون شرائح اليمين القومي واليمين المحافظ، وهي مهمة صعبة للغاية، نظراً للحساسية الموجودة بين تيار اليسار الكردي، واليمين القومي/المحافظ، وهو أحد أهم النقاط التي تسبب بخسارة المعارضة مؤخراً.