بات الإخوة العرب المقيمون والمغتربون، وحتى اللاجئون منهم، على حدٍ سواء، سواء في الأميركيتين، أو في أوروبا، وغيرها، يتساءلون عن فحوى ما يجري على الساحة العربية اليوم من حقيقة الأحداث التي تتصاعد وبصورةٍ مرعبة، يوماً بعد آخر.
ومن يقرأ، وبعمق، واقع هذه الأحداث والتساؤلات، يدرك تماماً مدى أحقيتهم في طرح أمثال هذه التساؤلات التي صارت بمثابة أحجية لم يدرك بعضهم محاورها وما ترمي إليه، لا سيما أن الواقع الراهن صار يشكل سيلاً من الأسئلة، ما يعيبها هو بقاؤها مهمّشة، بحاجة إلى إجابة ترضي الأطراف جميعاً.
إن مجمل التساؤلات التي يخزّنها العقل العربي، يلفّها الكثير من الغموض، مع أن ما هو واضح اليوم يظهر خطاً بيانياً لمصير مأساوي لغالبية الدول العربية، والمواطن فيها يُعد جزءاً لا يتجزأ منها.. وهذا كلّه ألب المواطن العربي المقيم على أرض الولايات المتحدة، ودفعه لطرح العديد من الأسئلة التي تبحث عن حلول شافية، بدلاً من العقم الذي أصابها في الصميم!
ومن جملة هذه التساؤلات ما يصبُّ في محور الأخبار، والتحليلات وتكهّناتها، والاستطلاعات وتنوع المقالات، وإبداء الرأي حول ما يحدث على الساحة العربية، وما يمكن البحث عنه، وإلقاء الضوء عليه، وهو: ماذا بعد ظهور مجمل هذه الأحداث، والصور التي تتزاحم محطات التلفزة العربية، بأقنيتها المتنوّعة المعروفة، وغيرها، أضف إلى ما ينشر على صفحات الجرائد من مانشيتات مثيرة ومرعبة، بألوان شتى، وذات مغزى سوقي أريد من خلاله توجيه القارئ العربي إلى صور بيانية لم يعد في الواقع تثير اهتمامه، لكثرة ما نشر وإن كانت بحاجة إلى الكتابة عنها وتعريتها، وتوضيح ما يحدث للقارئ الكريم، أينما وكيفما وجد، وإن تجاوز كتابنا وصحفيينا سلّم الكثير من الأولويات في الطرح، وتغييب جانب من المشاهدات، والحديث عن هذه المعضلة التي حلّت بالأمة العربية عمّا سواها، إلا أنَّ تحليلات هؤلاء الكتّاب، برأيي، أخذت طابع الابتعاد كليةً عن قول الحقيقة، كما يجب أن تكون، غير متناسين في الوقت نفسه أنَّ هناك بعض الصحفيين ممن نحترم آراءهم، بل إنهم، وهذه حقيقة، يضعون النقاط فوق الحروف وبتجرد بعيد عن إرضاء عَمرو أو زيد من الناس.
ولا يمكن أن ننكر في هذا الاتجاه، ما يتناوله وبصدق وموضوعية، وجرأة صحفية من قبل بعض الصحفيين، والإبقاء على عدد منهم الذين لا نشك في قدراتهم وإمكانياتهم، وصدق ما يكتبون، وتوقهم إلى الإقلاع بهذا الواقع المرير الذي يُعاني سيلاً من الأوجاع والأوهام، والترّهات التي بحاجة إلى تقشيرها كي يَسهل هضمها، ناهيك بأوهام ما زالت تصطاد في الماء العكر، وهنا لبّ المعضلة!
ويذهب كتاب وصحفيو رأي آخرون، في قراءة ما يحدث اليوم، بالأمس، سواء في سوريا، أو في العراق، إلى منحى آخر، وبحسب مزاجية الكاتب، وهذا ما يؤسف له!
وفي هذا لم يَعد يعرف القارئ إلى أي صحيفة، أو عن أي محطة تلفزيونية يبحث ويشاهد ويتابع ما تبثّه من برامج، وما هي حقيقة كل هذه التحليلات، لهؤلاء الكتاب والإعلاميين الذين يمطرونا يومياً بكم هائل من المقالات المدبجة؟!
والسؤال: ما السرّ وراء هذا التسابق نحو نشر هذا الحجم من المقالات بطعم أو بلا طعم؟
هل السبب مادي، وإلا ما معنى ازدياد هذا العدد من الكتّاب الذين قفز تعدادهم، بين ليلة وضحاها، بالمئات، ويدلون بآرائهم، مهما كانت بعيداً عن الواقع المعاش، أم أن الهدف هو إشهار الاسم، والإسهام في تحفيز المواطن وفرش الطريق أمامه، حتى يقف على قدميه، بعيداً عن أي مكسب مادي، فأي شهرة صحفية يبحثون في ظل تزييف الحقائق وتضخيمها!
وفي المقابل، نلحظ أنَّ نشر المقالات الصحفية غير العادية، وبكثافة، وفي مختلف الصحف العربية التي تصدر يومياً، بصورة خاصة في بريطانيا، الحاضن الأكبر لكبرى الصحف المعروفة، والتي صارت أشهر من نار على علم، أضف إلى الكتاب والصحفيين الذين باتوا يشمّرون عن سواعدهم، ويستعرضون رؤيتهم بحسب أمزجتهم الشخصية، ومع ذلك نقول، إنه من حق هؤلاء الكتاب، أياً كانت خبراتهم ومواقعهم ومسؤولياتهم، من حقهم الإدلاء بدلوهم، وتناول ما يحلو لهم من موضوعات تصاغ يومياً، مشيرين إلى واقع متردٍ بغيض!
ما نريده من زملائنا الكتّاب وصحفيينا، أقلّها، مراعاة مشاعر قارئ اللغة العربية، وتوضيح ما يجري من أحداث، بموضوعية، بعيداً عن تضخيمها وتصويرها بصورة مرعبة، علاوة على دمج ما يحدث بصحة الممارسة الواقعية للمواطن الذي يشكو آلام كثيرة، ويعاني في الوقت ذاته من عوز وفقر مدقع، وتشرّد وضياع وبؤس وموت ودمار، لم يخلص منه أحد. قلة فقط ممن ساعدتهم ظروفهم وإمكانياتهم المادية على النزوح أو الهرب والاغتراب، حتى تمكنوا من إعاشة أسرهم وإنقاذ أهليهم، ويظل صاحب القلم هو الأسمى في نقل الحقيقة التي نريدها أن تجسّد واقعاً حقيقياً ليعيشها المواطن كما هي، لا كما يريدونها أن تكون.