في السابع من شباط الماضي، هاجمت مجموعة من قوات النظام السوري ومرتزقة روس ثكنة عسكرية أمريكية قرب نهر الفرات في شرق سوريا، واندلعت اشتباكات بين الطرفين، انتهت بتدخل الطائرات الأمريكية وقتل قرابة 300 من عناصر قوات الأسد والمرتزقة الروس، وإصابة عنصر كردي موالٍ للقوات الأمريكية.
أنكرت الحكومة الروسية في ذلك الحين، أي صلة بينها وبين المرتزقة الروس هؤلاء، في حين أكدت الاستخبارات الأمريكية انتماءهم لمجموعة "واغنر" المرتزقة الروسية، التي تُعرف بصلتها الوثيقة بالكريملين، وتنسيقها مع القوات الروسية في سوريا، فقد سيطرت في الماضي على حقول نفط وغاز لصالح قوات الأسد.
ورغم تنصل الروس من علاقتهم بهؤلاء المرتزقة، فقد بدأوا منذ نهاية المعركة المذكورة، بمهاجمة مقاتلات وطائرات من دون طيار أمريكية من خلال آليات الاعتراض الإلكتروني. في تأكيد على عدم التنسيق نسبيًا بين البلدين، وتضارب المصالح والتحركات في سوريا.
على عكس ذلك، قبل أيام، خرج ترمب وبوتين من قمة هلسينكي بتصريحات مفادها أن التوترات السياسية لم تحُل دون تعاون جيشي البلدين في سوريا، الذي وصفه بوتين بأنه "أول عمل مشترك ناجح"، وهلّل له ترمب بقوله: "جيشانا يعملان معًا بشكل جيد جدًا، إننا ننسق في سوريا وأماكن أخرى... وقد تفاهم جيشانا أكثر من تفاهم سياسيينا".
شهد كانون الأول 2017 حوادث اقتراب خطيرة لمقاتلات روسية من نظيرتها الأمريكية في شرق سوريا، كادت إحداها أن تؤدي إلى تصادم مباشر، الأمر الذي وصفته الولايات المتحدة بالانتهاكات الروسية المتكررة
هذه التصريحات بدت صادمة لقائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي جوزيف فوتيل، الذي تحفّظ على التعاون العسكري الأمريكي الروسي في سوريا، في ردّة فعل أكثر منطقية من حديث بوتين وترمب عن شراكة عسكرية بين البلدين في سوريا.
وكانت ردة الفعل المتوقعة من متحدث الجيش الروسي إيغور كوناشينكو، الذي وصف تردد فوتيل بأنه "عدم اعتراف بمصداقية الرئيس الأمريكي"، وقال إنه يقوض الأساس القانوني للوجود الأمريكي في روسيا، محذرا من أنه في عدم استعداد القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط للعمل مع روسيا، فإن عليها أن تسحب قواتها بسرعة من سوريا.
من المعروف أن التنسيق بين هيئة الأركان المشتركة الأمريكية بقيادة الجنرال جوزيف دانفورد، ونظيرتها الروسية بقيادة فاليري غيراسيموف، يتمحور حول تجنب الاشتباك بين قوات البلدين في سوريا. وقد تحدث الطرفان هاتفيا أكثر من عشر مرات في العام الماضي، والتقيا في شباط 2017 في العاصمة الأذرية باكو، وفي آذار 2017 في أنطاليا التركية، وفي هلسينكي مؤخرًا على هامش لقاء ترمب وبوتين.
ورغم تأسيس قيادتي الجيشين خطًا ساخنًا خاصًا بمنع حدوث اصطدام جوي، يتصل من خلاله يوميًا ضابط من سلاح الجو الأمريكي من قاعدة العديد في قطر بضابط روسي في قاعدة حميميم باللاذقية غرب سوريا بهدف فض الاشتباك المحتمل بين الطرفين في سوريا، إلا أن هذه الاتصالات لم تترجم دائمًا إلى تعاون فعلي.
فقد شهد كانون الأول 2017 حوادث اقتراب خطيرة لمقاتلات روسية من نظيرتها الأمريكية في شرق سوريا، كادت إحداها أن تؤدي إلى تصادم مباشر، الأمر الذي وصفته الولايات المتحدة بالانتهاكات الروسية المتكررة لاتفاقية إبقاء مقاتلات البلدين على مسارات منفصلة في طلعاتها الجوية التي تهاجم من خلالها آخر جيوب تنظيم الدولة (داعش).
.أشارت صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن القيادتين العسكريتين الأمريكية والروسية، اتفقتا على تحليق مقاتلات كل منهما في اتجاه معاكس على بعد 45 ميل من بعضهما على امتداد نهر الفرات، لتفادي الاصطدام في الأجواء
أشارت صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن القيادتين العسكريتين الأمريكية والروسية، اتفقتا على تحليق مقاتلات كل منهما في اتجاه معاكس على بعد 45 ميل من بعضهما على امتداد نهر الفرات، لتفادي الاصطدام في الأجواء المزدحمة بالطائرات في ذلك الحين، إلا أن الطائرات الروسية انتهكت هذا الاتفاق خمس مرات يوميًا على الأقل وفقًا للقادة الأمريكان الذين كانوا يوصلون الشكاوى من ذلك إلى نظرائهم يوميًا.
أكثر من ذلك، رغم إبلاغ الولايات المتحدة بنيتها ضرب قاعدة الشعيرات في حمص في نيسان 2017 بحجة انطلاق صواريخ نظام الأسد الذي ارتكب بها مجزرة بالأسلحة الكيميائية، منها، إلا أن روسيا وصفت الضربات بأنها مبنية على معلومات خاطئة وأعطت الأوامر لقواتها بأن تكون على أهبة الاستعداد لمواجهة القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا، فزادت دورياتها قرب القوات الأمريكية، وعززت دفاعات نظام الأسد الجوية بصواريخ متطورة. وردّت القوات الأمريكية باستخدام مقاتلات متقدّمة لضمان عدم مهاجمة الروس قواتها على الأرض.
آخر الوجوه المعلنة لفشل "التعاون" العسكري المزعوم هو اتفاق وقف التصعيد في جنوب غرب سوريا، الذي وقّعه ترمب وبوتين، وانتهكت روسيا كل سطر فيه بمشاركتها إلى جانب قوات الأسد بحملة عدوانية أدت إلى تسليم الثوار في ظل تخلي الأمريكان عن دعمهم ودعم الاتفاق.
ولكن، هناك تعاون عسكري آخر ربما يكون ترمب محقًا في وجوده بين أمريكا وروسيا في سوريا، وهو ترك الساحة للروس وحلفائهم محليًا لقتل المدنيين واستهداف المشافي والقوافل الإنسانية وتدمير الشجر والحجر، بكل الوسائل التدميرية "المشروعة منها وغير المشروعة" دوليًا من جهة، ومن جهة أخرى يملك الروس وقف أي تحرك دولي خجول بمجرد رفع مندوبهم في الأمم المتحدة يده عند التصويت دون حاجة حتى لقول كلمة "فيتو".