عن أي حوار يتحدثون؟

2024.09.14 | 06:46 دمشق

654
+A
حجم الخط
-A

بعد أن تم الإعلان في بغداد مؤخرًا، عبر مستشار مهم في الحكومة العراقية، أن جهة ما من ضمن المعارضة السورية قد طلبت من حكومة العراق التدخل كوسيط من أجل فتح باب الحوار مع النظام السوري. ثم قيل بعدها إنه جرى توبيخ المستشار الذي أعلن عن ذلك، حيث رأوا أنه لا ضرورة لهذا الإعلان حتى لا يتم إحراج الجهة التي طلبت هذا الأمر. وبعدها أعلن الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة عدم علمه بذلك، ثم براءته من أي طلب للحوار مع النظام السوري عبر الحكومة العراقية في هذا السياق أو ضمن تلك الحيثيات.

لكن القراءة الموضوعية لمثل هكذا تصريحات أو أخبار توضح أنه لا يوجد دخان بدون نار، وأن هناك بعض أطراف المعارضة السورية التي كانت بالفعل خلال الشهرين الماضيين في زيارات متتابعة إلى بغداد، وقد أجرت لقاءات واسعة مع مسؤولين عراقيين.

النظام السوري لم ولن يقتنع بأي حوار مع المعارضة، وهو لا يقبل إلا أن تكون المعارضة تشكيلات مدجنة وتابعة وخلبية، وغير فاعلة.

صحيح أن المعارضة الرسمية السورية، بما فيها قيادة حزب (الإخوان المسلمين) الممثل في الائتلاف، نفت أن من زار بغداد قام بذلك عبر تنسيق مع المعارضة، أو أنه يمثل أحد مكونات الائتلاف. إلا أن واقع حالات التطبيع الجارية في المنطقة، والهرولة العربية والإقليمية، بما فيها التركية، نحو تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد، يشير إلى أن الأمور ماضية في هذا الاتجاه، وقد باتت قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز المتوقع مع نهايات شهر أيلول/سبتمبر الحالي، كما سبق وأعلنت صحف مقربة من النظام في دمشق.

ومع ذلك، فإن هذه المسألة تأخذنا نحو إعادة تقييم فكرة الحوار بحد ذاتها، وطرح الأسئلة التالية: متى كان نظام بشار الأسد أو نظام والده من قبله، حافظ الأسد، يقبل بالحوار مع المعارضة؟ وهل يمكن أن تتغير رؤية النظام السوري تجاه مجمل تلوينات المعارضة السورية، التي يعتبرها إرهابية وفق توصيفه، وهو لا يؤمن بالتعاطي معها إلا من خلال الحل الأمني والعسكري؟ وهو ما أثبتته السنوات الماضية، حيث لم يتقدم النظام خطوة واحدة في جميع الاجتماعات المكوكية للجنة الدستورية الثمانية. هذا النظام الاستبدادي لم يتوافق مع المعارضة على فقرة واحدة أو مادة في الدستور المفترض.

النظام السوري لم ولن يقتنع بأي حوار مع المعارضة، وهو لا يقبل إلا أن تكون المعارضة تشكيلات مدجنة وتابعة وخلبية، وغير فاعلة. ولا يرضى أبدًا باقتسام السلطة معها، لأنه يعتقد جازمًا أن سلطته وآلة قمعه وسطوته الأمنية ما زالت مدعومة روسيًا وإيرانيًا، كما أنها مقبولة أميركيًا وإسرائيليًا، باعتبار أن النظام الأسدي هو الوحيد الذي يحمي ما يسمى بالأمن القومي الإسرائيلي.

كما أنه ما برح يستفيد من دوره الوظيفي، الذي يستمر في أدائه بفاعلية وارتهان كلي، منذ تولي بشار الأسد السلطة خلفًا لوالده.

لقد قُدِّم للنظام الأسدي الدعم منذ البداية، سواء من الشرق أو الغرب، وذلك بناءً على قناعة أن لا نظام سياسي آخر في سوريا يمكن أن يؤدي هذا الدور كما يؤديه نظام الأسد. وما حدث مؤخرًا من عرقلة توقيع قانون منع التطبيع الأميركي من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن يعد مكافأة للنظام على صمته تجاه ما يجري للشعب الفلسطيني في قطاع غزة من حرب إبادة.

المعارضة السورية، التي لم تدرك بعد ماهية النظام الفاشي الذي تناهضه، ولا تعرف كيف تواجهه أو تتعلم من التجارب السابقة، لهي بائسة وغارقة في الفشل.

إذاً، أيها المعارضون أو من ذهب إلى بغداد، متمنين على نظام العملية السياسية العراقية التابع لإيران والإدارة الأميركية أن يتوسط من أجل حوار ما مع النظام السوري، نقول لكم: عن أي حوار تتحدثون؟ وهل من عاقل ما زال يؤمن بأن نظام المقتلة الأسدية، نظام الإبادة بالكيماوي والبراميل، يمكن أن يدخل في حوار جدي مع المعارضة؟ وإذا كنتم تدركون ذلك، فلماذا التوسط لدى حكومة تابعة لطهران للدخول في حوار مع القتلة من آل الأسد، وأدواتهم التشبيحية وميليشياتهم التابعة للحرس الثوري الإيراني؟ الأولى بكم أن تظلوا على إصراركم القانوني المعولم عبر الولوج في الحل السياسي وفق القرارات الأممية ذات الصلة وبرعاية دولية، وليس من خلال رعاية إيرانية أو روسية.

إن المعارضة السورية، التي لم تدرك بعد ماهية النظام الفاشي الذي تناهضه، ولا تعرف كيف تواجهه أو تتعلم من التجارب السابقة، لهي بائسة وغارقة في الفشل. وما عليها سوى الإعلان عن استقالتها والاعتراف بأخطائها، والتراجع عن غاياتها ووسائلها المصلحية. فدماء شهداء سوريا ومعتقليها أهم بكثير من هذه التحركات التي لا تمت إلى العقلانية السياسية بصلة. وما تزال هذه المعارضة المتخبطة في متاهات العمل اليومي، غير واعية لدورها المفترض والمنوط بها أمام واقع الاستنقاع السوري الصعب. هي تغيب في الحضور وتحضر في الغياب، وتعجز عن إيجاد حلول لإشكالات السوريين، أو الاعتراف بالأخطاء، بزعم أنها ما زالت على صواب، ضمن حالة من الأوهام التي تعتريها. هي بعيدة كل البعد عن الصوابية السياسية الممكنة والمتاحة، وتعيد إنتاج نفسها وفق الأسس الانتفاعية التي اعتادت عليها، مما يجعلها بعيدة عن آمال وأحلام السوريين وتطلعاتهم.