أعلنت الإدارة الأميركية أن إحدى طائراتها المسيرة نفذت غارة في العاصمة الأفغانية كابل استهدفت أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة. يحمل هذا الحدث عدداً من الدلالات المهمة، يدور معظمها حول تراجع تنظيم القاعدة، وربما انهياره. مثَّلت مرحلة قيادة أيمن الظواهري لتنظيم القاعدة فترة انحسار تدريجي للتنظيم. فلم تنقطع الانتقادات لقيادة الظواهري منذ توليه القيادة خلفاً لأسامة بن لادن الذي اغتيل في باكستان في مايو/أيار عام ٢٠١١. معظم تلك الانتقادات أتت من محسوبين على القاعدة أو مقربين منها. وأغلب تلك الانتقادات حول تقدم الظواهري في العمر وعدم وضوح رؤيته الاستراتيجية وصعوبة التواصل معه وتأخر ظهور رسائله الصوتية والمكتوبة واحتواء تلك الرسائل على الكثير من المغالطات وغيرها الكثير.
نجح تنظيم داعش في استقطاب عدد كبير من المجاهدين من رصيد القاعدة وسرقة الشهرة والأضواء منها
في الدوائر الجهادية، يتم تحميل الظواهري مسؤولية في تراجع القاعدة، حيث إنه فشل في أن يلعب دوراً محسوساً في دول الربيع العربي، كما اهتزت صورته ومرجعيته بعد تحدي داعش له مباشرةً ورفض وساطته بينها وبين النصرة والفصائل الإسلامية في سوريا وقيام داعش بقتل الوسيط الذي انتدبه الظواهري، أي أبو خالد السوري. أيضاً، نجح تنظيم داعش في استقطاب عدد كبير من المجاهدين من رصيد القاعدة وسرقة الشهرة والأضواء منها. وكان من أسباب تراجع القاعدة مقتل بن لادن ومعظم قيادات الجيل الأول، وانحسار انتشارها الجغرافي للشريط الحدودي بين أفغانستان وباكستان، وتحول الرأي العام بعيداً عن القاعدة خاصة بعد عمليات إرهابية طالت أطفالاً في مدارسهم ومصلين في المساجد. بقي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الناشط في اليمن وحركة الشباب في الصومال وكلاهما منشغل بمعارك محلية، أما باقي ملحقات القاعدة، كتنظيم حراس الدين في سوريا مثلاً، فليس لهم ثقل استراتيجي أو حضور شعبي أو إعلامي يُذكر.
اليوم مع اغتيال أيمن الظواهري تُطوى صفحة تنظيم القاعدة بشكله الذي عرفناه. لم تنته التجربة الجهادية التي بدأها عبد الله عزام وتابعها بن لادن والظواهري لكنها تحولت في السنوات الأخيرة لشكلين مختلفين. الأول هو النموذج الطالباني/النصروي، والآخر هو النموذج الداعشي. رغم اختلافهما بالأدوات، كلا النموذجين يشترك بالسعي لإقامة مشروع سياسي دولتي، وهو النقص الأساسي الذي عانى منه تنظيم القاعدة طيلة الفترة الممتدة بين تحرير أفغانستان من السوفييت وبين تحول القاعدة في العراق إلى تنظيم الدولة الإسلامية. بقيت القاعدة لفترة طويلة متبنية لشعارات الجهاد العالمي والمقاومة الإسلامية واستمدت شرعيتها في أعين مريديها من سعيها لتحرير بلاد المسلمين. تنظيمياً، عملت القاعدة وفق نموذج الشبكة الممتدة جغرافياً وضعيفة الارتباط بالمركز وهو ما تمثَّل بمشروع أنصار الشريعة.
قد يكون لطالبان دور في تحديد مكان الظواهري، ففي السابق خسرت الحركة سلطتها وانخرطت بحرب مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي لا لشيء سوى علاقتها بالقاعدة
لكن مع انطلاق ثورات الربيع العربي لم تعد تلك الشعارات ولا الشكل التنظيمي كافية، فالصراع مع الأنظمة الحاكمة بات أكثر إلحاحاً من الجهاد المعولم والمواجهة المفتوحة مع الغرب. بات الناس أكثر انشغالاً بواقعهم القريب، بما فيه من تهجير وفقر ونقص في الخدمات نتيجة تخلخل سيطرة السلطات المركزية في عموم المشرق العربي واليمن والصومال وأفغانستان. تلك الحاجة العملية لمشروع سياسي إداري تلقفها تنظيم البغدادي فرفع شعار إقامة الدولة الإسلامية، وكذلك ما انفك قادة النصرة ومن بعدها هيئة تحرير الشام يتحدثون عن ضرورة إقامة كيان سني مستقل والتأسيس لنموذج إداري، وهو ما تجسّد عملياً بالتجربة المستمرة لحكومة الإنقاذ في إدلب. القيادة المركزية للقاعدة، ممثلة بالظواهري، لم يكن بمقدورها مواكبة تلك التغيرات، أولاً لبعدها عن مسرح النشاط الجهادي، وثانياً لضعف الشرعية الجهادية للظواهري وتحول منصبه لمجرد زعامة رمزية.
اغتيل الظواهري وسط كابل، بعد نحو عام من بسط طالبان سيطرتها على أفغانستان. قد يكون لطالبان دور في تحديد مكان الظواهري، ففي السابق خسرت الحركة سلطتها وانخرطت بحرب مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي لا لشيء سوى علاقتها بالقاعدة واستضافتها لابن لادن ومعسكراته. ربما تسعى طالبان اليوم لتثبيت حكمها والتخلص من تركة الماضي.