تثير قضية اللاجئين السوريين في الدانمارك وأوضاع اللاجئين السوريين الواصلين لليونان تساؤلات جوهرية عن معنى وسبب الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان التي يتعرض لها اللاجئون في كلا الدولتين الأوربيتين وهما من الدول التي تبنت الشرعة الدولية لحقوق الانسان ووقعتا على اتفاقية حقوق اللاجئين وملحقاتها كحال كل دول الاتحاد الأوربي الذي شنّف آذاننا بقيم حقوق الانسان وقوانينها.
في الدانمارك اتخذت السلطات إجراءات ألغت بموجبها إقامات ما يزيد عن 380 لاجئ سوري بزعم أن مناطق سكناهم الأصلية في سوريا (دمشق وريفها) صارت مناطق آمنة ويمكنهم العودة إليها (!) منتهكة بذلك نص المادة 33 من اتفاقية حقوق اللاجئين الموقعة عليها والتي تنص على (( لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا أو ترده بأية صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية )) .
حكومة الدانمارك مسحت حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين بحذائها عندما ألغت إقامات لاجئين سوريين فيها وافترضت إمكانية عودتهم لدمشق لكونها من وجهة نظرها صارت آمنة ، وكأن مجرد توقف حالة الصراع المسلح وحده فيها يجعلها آمنه دون الأخذ بالاعتبار وجود سلطة تبطش بالمجتمع ارتكبت آلاف جرائم الحرب بحق شعبها واعتقلت وغيّبت في سجونها مئات آلاف السوريين وقتلت عشرات الآلاف من المعتقلين تحت التعذيب وأعدمت آلافا أخرى بموجب محاكمات صورية لا تتوفر على أي من شروط المحاكمات العادلة ، بل حتى إنها اعتقلت وقتلت لاجئين سوريين أعيدوا من لبنان قسرا باعتراف أحد وزراء الحكومة اللبنانية وكذلك اعتقلت وقتلت أولئك الذين عقدوا تسويات أمنية معها بضمانات روسية ... كل هذه المعطيات والتقارير الدولية عن جرائم النظام ألا تستحق من السلطات الدانماركية إجراء مراجعات لقرارها لكونه متعلق بحياة بشر تدور بين الوجود والعدم ؟؟؟ .
معيب ومشين موقف تلك الحكومة العنصري تجاه قضايا اللاجئين ومشين أكثر ذلك التعنت غير المفهوم وغير المبرر رغم رأي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وتقييمها للوضع في سوريا من أنه غير آمن وغير مهيأ لعودة آمنة للاجئين وكذلك مناشدات المفوضية الأوروبية بهذا الشأن إلا أنها ما تزال ممعنة في إجراءاتها التي تقتضي حاليا – وبعد إلغاء إقامات هؤلاء اللاجئين – وضعهم في معازل بشرية تسمى " مراكز ترحيل" ربما تدوم إقامتهم فيها لسنوات ريثما تتمكن هذه الحكومة العنصرية من ترحيلهم إلى دمشق.. وهذا الأمر يلقي على كاهل المنظمات الحقوقية الدولية والأوروبية والسورية الموجودة بأوروبا عبء ومسؤولية التصدي القانوني – القضائي لهذه الإجراءات والطعن بها واللجوء للقضاء الإداري سعيا لإبطال قرار الحكومة بهذا الشأن، بل واللجوء لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية إن اقتضى الأمر ذلك لما تنطوي عليه هذه الإجراءات من انتهاك لكل المواثيق والاتفاقيات الحقوقية ذات الصلة.
وعلى المقلب الآخر.. في اليونان وإضافة للحالة المزرية لأوضاع اللاجئين السوريين الواصلين إلى برها والمحشورين في مخيمات لا تتوفر على الشروط الإنسانية في أدنى حدودها ، فإنها أيضا تتخذ إجراءات قضائية بحق العديد منهم بزعم قيامهم بتهريب البشر لمجرد أنها افترضت أن عملية قيادة الطوف الهوائي ( البلم ) الذي يستقلونه يعتبر جريمة اتجار بالبشر (!) حيث صدر مؤخرا حكم قضائي على لاجئ سوري يقضي بحبسه 52 عاما وتغريمه 240.000 يورو (!) بتهمة دخول الأراضي اليونانية بشكل غير شرعي ومساعدة آخرين على دخول البلاد بشكل غير شرعي أيضا وهو ليس الحكم الأول في هذا السياق على أي حال .
إن قيام حكومة أثينا باتخاذ الإجراءات القضائية وسيلة للضغط على طالبي اللجوء رغم مخالفة تلك الإجراءات للقوانين وللاتفاقيات الدولية يعتبر انتهاكا وخرقا فاضحا لشرعة حقوق الانسان ولاتفاقية حقوق اللاجئين فالحكومة اليونانية تحاكم طالبي اللجوء على دخولهم " غير المشروع" خلافا لما نصّت عليه المادة 31 من اتفاقية حقوق اللاجئين ((تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائية (على طالبي اللجوء) بسبب دخولهم أو وجودهم غير القانوني ......)).
وعلى الرغم من تدخل منظمات حقوقية يونانية وأوروبية وتفنيدها ادعاءات حكومة أثينا وإظهار بطلان مزاعمها ومخالفة ما تتخذه من إجراءات بحق اللاجئين لالتزاماتها القانونية المتعلقة بمواثيق حقوق الانسان واتفاقية حقوق اللاجئين إلا أن الحكومة اليونانية ماتزال متعنتة وماضية في سياساتها وإجراءاتها القضائية ضد اللاجئين مايوجب على المنظمات الحقوقية السورية الموجودة في أوروبا وبالتعاون مع المؤسسات الحقوقية الدولية تصعيد الحراك القضائي باتجاه محكمة حقوق الإنسان الأوروبية كملاذ أخير تلمسا لفرصة تنقذ هؤلاء اللاجئين من فك الافتراس ( القانوني ) الذي توظفه أثينا للحد من موجات اللجوء .
هذه السياسة العنصرية المتبعة من بعض الحكومات الأوربية تجاه اللاجئين تلمسا لبعض المكاسب السياسية والانتخابية المحدودة والطارئة، لا تنطوي على انتهاك لحقوق هؤلاء اللاجئين فحسب وإنما هي أيضا تقويض لمنظومة قانونية وقيمية أسست عليها تلك الدول ومارستها لعقود طويلة حتى صارت جزءا من منظومتها القيمية المجتمعية وهو مسلك ستدفع ثمنه تلك المجتمعات على المدى البعيد.. ذلك أن قيام الدعاة والرعاة بانتهاك ما يبشرون به وما يدعون غيرهم إليه، يفقد دعواتهم قيمتها ويجعلها محض هراء ويطفىء منارات التبشير العالمي بحقوق الإنسان .