في يناير 1969 كلف الرئيس شارل حلو، رشيد كرامي بتشكيل حكومة، لكن الأخير اعتكف عن ممارسة مهامه الحكومية لأكثر من سبعة أشهر، وبدأ الحلف الثلاثي الذي يضم شخصيات مسيحية معروفة وهم ريمون إده وكميل شمعون وبيار الجميل، بالاهتزاز على وقع ما يحصل من صدام بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والقوى العسكرية النظامية اللبنانية، فتناثر الحلف وخفف بعض أعضائه من مطالبهم، ولكن حدة المطالبات التي قدمها ياسر عرفات ودعمها كمال جنبلاط، ظلت في مكانها، وشارك نظام البعث السوري في تطبيق ضغط على الحكم اللبناني الضعيف أساسا بإغلاق الحدود، وقد احتج بمرابطة قوات لبنانية تمنع تمرير السلاح إلى المقاومة الفلسطينية.
قويت الفصائل الفلسطينية المسلحة في الداخل اللبناني بدعم جانب مهم من سياسيي لبنان وخاصة كمال جنبلاط، ودعم آخر عبر الحدود قادم من سوريا، فقامت بعملية عسكرية في الشمال المتاخم للحدود معها، وسيطرت على كامل المخافر الحدودية الممتدة من قرية مشتى حسن في الشرق وصولا إلى العريضة في الغرب، مرورا بالدبوسية والعبودية، كما قامت قوات قادمة من البحر بالسيطرة على جميع المخافر في طرابلس، بما فيها مراكز الأمن العام والدرك اللبناني، بالإضافة إلى نقاط الشعبة الثانية، وكان الهدف من هذه العملية الضغط على الحكم اللبناني للقبول بالمطالب الفلسطينية، بعد تمكن الأخيرة من الوصول إلى أقاصي الشمال بمساعدة داخلية من كمال جنبلاط، ومساعدة عسكرية حاسمة عبر الحدود من الحكومة التي كان يسيطر عليها صلاح جديد في دمشق، وعلى مقربة منه وزارة الدفاع السورية وعلى رأسها حافظ الأسد، الذي أصبح في سوريا مركز قوة وتهديد لحكم الثنائي صلاح جديد ونور الدين الأتاسي.
ظهر الانقسام الطائفي اللبناني بشكل أكثر وضوحا عندما اجتمع إثر هذه الأحداث في دار الفتوى اللبنانية كل من الشيخ حسن خالد مفتي لبنان من الطائفة السنية، والإمام موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، والشيخ محمد أبو شقرا شيخ عقل من طائفة الموحدين الدروز، وانضم إلى الاجتماع سياسيون من ذات الطوائف: رشيد كرامي وصبري حمادة وحسين العويني وأحمد الداعوق وآخرون، حيث تمخض اجتماعهم عن مجموعة من المطالبات تدعم الموقف الفلسطيني وتدعم العمل الفدائي عبر الحدود وقرروا عدم الاشتراك في أي وزارة قبل أن تطبق هذه البنود.
شعر الرئيس شارل حلو بموقف حرج وهو يقود دولة بلا وزارة وتجهم عربي يحيق به وبجيشه، فاستفاقت فيه الشهابية القديمة التي تميزت بوجه عربي "زيادة عن اللزوم"، واتصل بالرئيس فؤاد شهاب طالبا منه نصيحة شهابية، فنصحه كما هو متوقع بطلب تدخل الرئيس جمال عبد الناصر، بما يجعل إسرائيل مشغولة على الدوام، بغض النظر عن وضع الحكم اللبناني الحائر والمشتت، فأرسل حلو قائد الجيش إميل البستاني إلى القاهرة للتفاوض، ووضع حدّ للفوضى التي تسود الوسط السياسي والشعبي، وهناك وقع البستاني، أو وجد نفسه مضطرا للتوقيع، على اتفاق يجعل الوجود الفلسطيني حرا في لبنان فيما سمي باتفاق القاهرة، الذي يسمح بتكوين جيش مسلح مستقل عن الدولة اللبنانية ويعمل في أراضيها بحرية في معظم المناطق.
شعر كمال جنبلاط بالنصر فأيد بشكل مطلق الاتفاق، وفي حماس جماعي حرص كميل شمعون وبيار الجميل على القرب من المسلمين، وكانت الانتخابات الرئاسية قد اقتربت، فأيدا على خجل الاتفاق، وساد هدوء حذر على كل الجبهات السياسية والاجتماعية والعسكرية، فقد كان اتفاق تهدئة، وأراد الجميع قطف ما يمكن من ثماره، وكان أولها نجاح كرامي في تشكيل حكومة بعد أن خلا لبنان من أي حكومة عبر مئة وخمسة عشر يوما متواصلة، ظل رجل وحيد خارج السرب الجماعي الذي وافق على اتفاق القاهرة، هو ريمون إده، فقد وقف من بين أعضاء الحلف الثلاثي رافضا وبشدة هذا الاتفاق واعتبره انتهاكا لسيادة لبنان، فأثناء عرضه على مجلس النواب كان النائب الوحيد الذي عارضه بقوة.
قَبِلَ معظم الساسة اللبنانيين هذا الاتفاق ولكل منهم أسبابه، بعضها انتخابي وبعضها طائفي وبعضها حزبي، ولم يخلُ بعضها من كيد سياسي، أما وطنيا فلم يكن هناك إلا الميثاق الذي تمت دحرجته هذه المرة لصالح الوجه العربي ليبدأ عهد شارل حلو شهابيا وينتهي أيضا بشكل شهابي مع ميل زائد نحو العروبة ممثلة بقضيتها المركزية فلسطين.