روسيا الحائرة بين توريط الغرب وإنقاذ الأسد

2024.08.14 | 05:59 دمشق

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - المصدر: الإنترنت
+A
حجم الخط
-A

منذ تدخلها في سوريا، خريف عام 2015، لم تنقذ روسيا نظام الأسد من السقوط فحسب بل كان لهذه الخطوة العسكرية أهدافاً جيوسياسية أُخرى لدى الرئيس فلاديمير بوتين، الذي وجد في المشهد السوري سلّماً للصعود إلى مسرح الفاعلين الدوليين واستعادة صورة روسيا القوية التي هزّها الغرب كثيراً، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، نهاية مطلع التسعينيات.

روسيا تنظر إلى سوريا باعتبارها غنيمة جيوسياسية في شرق أوسط، يبدو اليوم أكثر اضطراباً، كما أنّه مقبل على تغييرات في معادلات وقواعد الاستقرار، التي أرسيت قبل عقود.

واليوم وبعد نحو تسع سنوات على وجودها العسكري في سوريا، تجد موسكو نفسها وصية على مآلات النظام وتحركاته ومناوراته السياسية في سبيل استعادة علاقاته وتجديد ذاته بعد أن استقرت موازين القوى الداخلية لصالحه بشكل أو بآخر.

لكن أكثر ما يثير قلق الكرملين هو العلاقة الوجودية بين نظام الأسد وإيران، التي حوّلت الجغرافية السورية إلى معسكرات لميليشياتها وشاركت "الأسد" في مؤسساته العسكرية والسياسية والبرلمانية، وبالتالي في قراره، وتنظر إليه باعتباره ذراعاً سوريّاً من أذرع محورها المتفرّع في العراق ولبنان واليمن.

جاء طوفان الأقصى محدثاً أكبر هزّة للإقليم، تداعت معها أعمدة الاستقرار ومعادلات التوازن بين الفاعلين، إلى أن وصلت الأمور بعد أكثر من عشرة أشهر إلى وقوف إيران ومحورها وجهاً لوجه أمام إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة

جاء طوفان الأقصى محدثاً أكبر هزّة للإقليم، تداعت معها أعمدة الاستقرار ومعادلات التوازن بين الفاعلين، إلى أن وصلت الأمور بعد أكثر من عشرة أشهر إلى وقوف إيران ومحورها وجهاً لوجه أمام إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة.

نقطة نظام حاسمة كتبتها إسرائيل باغتيال الرجل الثاني في حزب الله فؤاد شكر، وكذلك اتهامها باعتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية في طهران، لتتسارع الدبلوماسية العالمية وخصوصاً الأميركية لمنع سقوط المنطقة في هاوية الحرب.

لكن موسكو قد تكون معنية كثيراً بما يجري، فمن جهة هي تخشى على حليفها نظام الأسد ونفوذها المرتبط به من أي ضربات ارتدادية لهذه الحرب، ومن جهة آخرى قد يكون الاضطراب في هذه البقعة من العالم سبيلاً لإلهاء الغرب والولايات المتحدة عمّا يجري في أوكرانيا، لتكتسب بعض من حرية الحركة هناك.

واليوم تسلك روسيا في الشرق الأوسط طريقين أحدهما قد يُنظر له على أنه تصعيد خلفي للأحداث عبّر عنه وصول عضو مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو، قبل أيام، إلى طهران حاملاً معه موافقة موسكو على تزويد طهران بأنظمة دفاعية متطورة في هذا التوقيت الحرج مع إسرائيل والمفتوح على سيناريوهات خطيرة، وكأن زعيم الكرملين يُشجّع حليفته على خيار المواجهة وعدم الهدوء.

يُضاف إلى ذلك تقريراً لـ موقع "ميدل إيست آي"، تحدّث عن وجود مستشارين من الاستخبارات العسكرية الروسية في اليمن لمساعدة الحوثيين في استهداف السفن التجارية بالبحر الأحمر.

لكن في سوريا والتي بدأت تشهد جغرافيتها أولى بوادر التوتر بين طهران والولايات المتحدة بانتظار ساعة الصفر للرد الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية، قد يبدو السلوك الروسي مختلف نوعاً ما، حيث تتجه موسكو للعب دور مهدئ للتوترات ومخمّد للنيران، فقد دخلت على خط الوساطة بين النظام و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مؤخراً، بعد مواجهات عسكرية بين الأخيرة وقوات العشائر، اتهمت فيها "قسد" والنظام وإيران بافتعالها.

فموسكو تعي جيداً أنّ أي فعل غير محسوب للنظام وطهران لخلط الأوراق ورفع سقف المفاوضات المحتملة مع الولايات المتحدة الساعية لضبط المنطقة ومنعها من الانزلاق في الحرب، قد يعود بالضرر على النظام بالذات، وسيُعامل كما إيران بالقوة أيضاً.

روسيا اليوم تسعى إلى إخراج النظام السوري كالشعرة من عجين المواجهة والاضطراب بين إيران وإسرائيل، وفي الوقت نفسه، فإنّ عينها أيضاً على توريط واشنطن في وحل منطقة الشرق الأوسط الذي بدأ يتشكّل..

وفي السياق ذاته أورد موقع تلفزيون سوريا تقريراً يتحدّث عن تكليف الرئيس الروسي لعضو مجلس الأمن القومي سيرغي شويغو بإجراء اتصالات مع الجانب الإيراني والنظام السوري، بهدف التأكيد على تحييد الأراضي السورية عن التصعيد، وكذلك أفاد التقرير بأنّ بوتين نصح "الأسد" بترك مسافة واضحة بينه وبين إيران، لأنّ روسيا بحسب ما يتوفر لديها من معلومات ومعطيات تعتقد بأن أميركا وإسرائيل وبريطانيا لديها توجّه حقيقي لتوجيه ضربات مؤلمة لنفوذ إيران في مختلف الساحات، ولذا يجب على "الأسد" أن يقدم مصالح سوريا على الرغبات الإيرانية.

إذاً روسيا اليوم تسعى إلى إخراج النظام السوري كالشعرة من عجين المواجهة والاضطراب بين إيران وإسرائيل، وفي الوقت نفسه، فإنّ عينها أيضاً على توريط واشنطن في وحل منطقة الشرق الأوسط الذي بدأ يتشكّل، وهذا ما جعل بوتين يبدو وكأنّه يسير في المنطقة خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء حائراً كيف سيُحافظ على غنيمته من الضياع.