رفض فتح معبر أبو الزندين والسيطرة على أجزاء من كورسك.. رؤية أميركية واحدة

2024.08.29 | 06:38 دمشق

آخر تحديث: 29.08.2024 | 06:38 دمشق

2466666666666
+A
حجم الخط
-A

في السابع عشر من شهر تموز المنصرم من العام الجاري، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: "إن الولايات المتحدة لا تدعم جهود تركيا لتطبيع العلاقات مع النظام السوري".

على أساس هذا الموقف الرسمي الأميركي، التقى مسؤول في السفارة الأميركية في تركيا مؤخرًا برئيس الحكومة السورية المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى. وكانت لهجة المسؤول الأميركي تصعيدية حيال فتح معبر أبو الزندين مع نظام الأسد، حيث أبلغ مصطفى أن "فتح المعبر المذكور يتجاوز العقوبات الغربية على نظام الأسد".

الرفض الأميركي الصريح لفتح معبر أبو الزندين ترافق عمليًا مع دعم واسع بالسلاح والعتاد لقوات النخبة الأوكرانية، التي تمكنت خلال أيام قليلة من احتلال أراضٍ في مقاطعة كورسك الروسية على امتداد 56 كم وعمق مقداره 28 كم داخل الحدود الروسية، وبمساحة 1568 كم² حتى تاريخ التاسع عشر من شهر أغسطس/آب الجاري.

والسؤال الرئيسي هنا هو: ما هي محددات الدور الأميركي في هذين الحدثين؟

بدايةً، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأميركية غير راضية عن العلاقات التركية الروسية فيما يتعلق بالقضية السورية. فهذه العلاقات تصل إلى حدّ التنسيق فيما يتعلق بالموقف مما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تتلقى الدعم العسكري باستمرار من الولايات المتحدة، وهو أمر يزيد من غضب الحكومة التركية، إذ ترى في هذا الدعم الواسع لميليشيا تصنفها أميركا ذاتها بأنها إرهابية تهديدًا لأمنها القومي.

الأمر الثاني، تعتبر الولايات المتحدة أن فتح معبر "أبو الزندين" هو منح نظام الأسد الفرصة لتجاوز العقوبات الغربية عليه، نتيجة عدم انصياعه لتنفيذ القرار الدولي 2254 الصادر نهاية عام 2015. وهذا يعني وفق المنظور الأميركي والغربي مساعدة نظام الأسد على الالتفاف على العقوبات، ومساعدته على عدم الانخراط في مفاوضات جنيف على أساس القرار الدولي المشار إليه.

إن الولايات المتحدة الأميركية، التي أعلنت مرارًا أنها ضد التطبيع السياسي مع نظام الأسد، تريد وفق سياستها أن ترتّب أوراق بؤر الصراع في منطقة الشرق الأوسط بما يخدم استراتيجيتها اللاحقة، ونقصد هنا مواجهة التمدّد الصيني في العالم، ومنع الصين من التحوّل إلى قطب مهدد للقطب الأميركي الأوحد حاليًا.

الأميركيون يريدون من سياستهم غير المكتملة حيال ملف الصراع في سوريا تنفيذ رؤيتهم الخاصة باستراتيجيتهم اللاحقة، والتي تقوم على تخليص سوريا من وضعها الحالي وترتيب الحل السياسي وفق القرار الدولي.

وفق هذا المنظور، يمكن فهم اللقاء بين مسؤول أميركي يعمل في سفارة الولايات المتحدة بأنقرة ورئيس الحكومة السورية المؤقتة، حيث أُبلغ الأخير بأن حكومته لا تعمل على ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في الشمال السوري، على خلفية ما جرى من أحداث في مدينة الباب، وبأنها بموافقتها على فتح "معبر أبو الزندين"، إنما تنتهك العقوبات الغربية على نظام الأسد، وبأن هذه السياسة لا تخدم الضغوطات والحصار المفروض عليه، وبالتالي لا تخدم القضية السورية.

الأميركيون يريدون من سياستهم غير المكتملة حيال ملف الصراع في سوريا تنفيذ رؤيتهم الخاصة باستراتيجيتهم اللاحقة، والتي تقوم على تخليص سوريا من وضعها الحالي وترتيب الحل السياسي وفق القرار الدولي. لكن تنفيذ هذا القرار، والذي صدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي في حينه، يضرّ بمصالح دولتين دعمتا استمرار نظام الأسد في حربه ضدّ شعبه، وهما روسيا وإيران. وهاتان الدولتان لن تقفا مع الاستراتيجية الأميركية حيال مسألة مواجهة التمدد الاقتصادي والسياسي الصيني في العالم، بل على العكس من ذلك، هما أقرب سياسيًا إلى الصين من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

إن الدور الروسي النشط دبلوماسيًا وسياسيًا حيال دفع تركيا إلى تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد لن يخدم السياسة الأميركية. وهذا أمر يدركه الأتراك ويعملون على استثماره بصورة تكتيكية بما يخدم مصالح بلادهم. فالروس، الذين تتم عملية استنزافهم في حربهم على أوكرانيا، وجدوا أنفسهم أمام تهديد حقيقي بعد اختراق قوات النخبة الأوكرانية لحدودهم والسيطرة على مساحات من مقاطعة كورسك. وهذا يعني، مع مزيد من الدعم بالسلاح والذخائر والأموال، وضع روسيا أمام ضغوط عسكرية حقيقية، لدفعها باتجاه القبول بمفاوضات مع أوكرانيا دون أي اشتراطات مسبقة.

الدور الأميركي في مساندة أوكرانيا ضد الحرب الروسية على هذا البلد الآمن يهدف إلى منع الروس من فرض رؤاهم ومواقفهم على أوروبا الغربية، وتحديدًا استخدام الروس لسلاح الطاقة مع أوروبا الغربية، التي تعتمد بمقدار كبير على واردات الغاز الروسي. وهذه الرؤية هي إحدى الحلقات المسبقة التي تريد الولايات المتحدة الركون إلى استقرارها للتفرغ الاستراتيجي لمواجهة الصين.

إن المحددات السياسية للولايات المتحدة الأميركية حيال الملف السوري هي محددات لا تقرأ أبعد من المصالح الأميركية وحدها، وبالتالي لا تبدو استراتيجية الولايات المتحدة حيال هذا الملف كاستراتيجية متماسكة. فهي تتجاوز مصالح الشعب السوري، ويظهر ذلك في دعمها الواسع لما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي تمثّل في واقع الأمر مشروعًا عابرًا للوطنية السورية، وهو مشروع حزب العمال الكردستاني التركي الأصل، والمصنّف كميليشيا إرهابية.

إن انزعاج الولايات المتحدة الأميركية من التنسيق بين تركيا وروسيا في بعض مفاصل القضية السورية يستدعي منها مراجعة جادة لسياستها حيال تحالفها مع تركيا أولًا، ومراجعة موقفها من الملف السوري ثانيًا.

الولايات المتحدة تستخدم الصراع في سوريا لمصلحة ضبط القوى في المنطقة بما يخدم استراتيجيتها ومصالحها، لذلك يبدو دعمها لقوات "قسد" وكأنه تنفيذ خاص لسياستها بغض النظر عن مصالح بلدان وشعوب المنطقة.

إن تركيا الناهضة عبر مشروع تنميتها ترفض البقاء تحت عباءة المشروع الأميركي وفق محدداته الحالية، لأنها ترى في الدعم الأميركي لميليشيا مثل "قسد" شكلًا من أشكال تهديد الأمن القومي التركي واستنزافًا للدولة التركية لعرقلة تنفيذ مشروع تنميتها الكبير.

إن انزعاج الولايات المتحدة الأميركية من التنسيق بين تركيا وروسيا في بعض مفاصل القضية السورية يستدعي منها مراجعة جادة لسياستها حيال تحالفها مع تركيا أولًا، ومراجعة موقفها من الملف السوري ثانيًا. فهي لو ساندت الشعب السوري منذ البداية بالأفعال وليس بالتصريحات "الأوبامية"، لكان ملف الصراع السوري قد انتهى وفق محددات بيان جنيف 1.

إن سعي الولايات المتحدة الأميركية لإنهاء ملف الصراع السوري عبر عملية انتقال سياسي يشارك السوريون في إنجازها خارج قوى الاستبداد في بلادهم، لا يتم عبر استخدام تكتيك حرب المواقع والتصريحات السياسية والدبلوماسية، بل بانتهاج سياسة تنتصر لحق الشعب السوري وإنهاء مأساته. وهذا يتم عبر سياسة ضغط دولي حقيقي على تنفيذ القرار الدولي 2254، الذي تصرّ قوى الثورة والمعارضة السورية عليه، وتشاركها تركيا هذا الإصرار باعتباره المخرج الوحيد من حالة الجمود في ملف الصراع السوري.

بقي أن نقول إن الأميركيين لا يريدون للروس ولنظام الأسد ربح معركة الهرب من استحقاقات القرار 2254، وفي الوقت ذاته لا يريدون للروس ربح حربهم في أوكرانيا. ففي كلتا الحالتين، هناك هزيمة للمشروع الاستراتيجي الأميركي في هاتين الجبهتين.