فقدت الثورة السورية كثيراً من أبنائها على مدى السنوات الطوال من التضحية والدماء، ومع كثرة أسماء الشهداء التي عبرت وتعبر في ذاكرة السوريين، يبقى اسم الشهيد الطفل حمزة الخطيب لامعاً وبشدّة إلى حد لا يمكن تجاهله أو نسيانه، وإن تساءلنا ما الذي ميّز حمزة عن سواه من أطفال قتلهم النظام المجرم، سنجد إضاءات كثيرة في حياة هذا الطفل، وفي رحيله أيضاً، فهو مختلف بسيرته التي عبقت في أرجاء العالم حاملاً للواء الثورة، ممثلاً لها، كرمزٍ للبطولة والنخوة والشجاعة، وأيضاً يَمثُلُ حمزة الخطيب دليلاً قاطعاً على وحشية النظام وبطشه وساديّته.
ولد حمزة الخطيب في بلدة الجيزة قرب درعا 24 أكتوبر 1997، ومن يعرف درعا يدرك أنها مدينة حملت قيم الأصالة والنخوة والشجاعة طابعاً خاصاً في نفوس أبنائها، وأما درعا في الثورة فحكاية أخرى عظيمة، منها انطلقت الشرارة الأولى للثوار، وقدمت أول شهيد في الثورة، ومنها اشتعلت المظاهرات الهادرة وما زالت مثابرة على ما بدأت به حتى اللحظة، وأما الأطفال في درعا فلم يقلّوا شجاعة عن الكبار، فكتاباتهم على جدران المدارس بإسقاط الدكتاتور كانت كفيلة أن تدب الخوف والرعب في أجهزة الأمن والمخابرات هناك، فقاموا باعتقال عدد منهم وتعذيبهم، وحين تجمع الأهالي لإنقاذهم، قوبلوا بالتهديدات البشعة من رؤساء الفرع ليتحول الغضب من الظلم الممارس إلى مظاهرات تهتف ضد النظام وتنادي بالحرية.
عاش حمزة الخطيب في بيئة من الصدق والوضوح ربّت في داخله إنساناً عظيماً منذ الصّغر، فكان قلبه متجهاً لخدمة الناس، وهاجسه مساعدة الفقراء والتخفيف عنهم، كما شاهد وتابع مجريات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا فتحركت مشاعر الثائر داخله وهو يبلغ 13 عاماً، وقد رأى بلدته كلها ثائرة، تماماً كما شاهد وحشية النظام وهو يجابه الناس العُزّل بالرصاص والدبابات، وكيف يشن الحصار عليهم وعلى أطفالهم في درعا ليكسر إرادتهم، لقد كانت مشاهدة الأطفال جائعين ومتعبين مؤلمة وقاسية إلى حد لا يُحتمل، كما كانت نظرة العزّة في عيون الآباء رغم الانكسار أكثر إيلاماً وقسوة، وقد كانت المُدن في بدايات الثورة تفزع لبعضها وهدفها تخفيف البطش وفك الحصار، وتلك أسمى معاني الإنسانية!
أن تبادر عائلات بأسرها لترفع القيد عن مدينة محاصرة، فذلك درسٌ للإنسانية في البطولة، وهكذا كانت عائلة حمزة وعائلات أخرى خرجوا جميعاً ليحموا درعا العزيزة بأرواحهم، فساروا قرابة 12 كلم باتجاه بلدة صيدا وهناك بدأ إطلاق النار على المتظاهرين، وسادت لحظات من الخوف والفزع، فارتقى منهم شهداء وهم يحاولون فك الحصار، واعتقلت قوات الأمن العشرات ممن أتوا وفي تلك الأثناء اختفى حمزة، ولم يجدوا له أثراً، لتسلّم جثة حمزة لأهله بعد مدة، وعليها آثار التعذيب الشديد.
بذل نظام الأسد كل ما يملك من حقد وبطش في تعذيب حمزة، ولم يترك وسيلة من وسائل التعذيب الجسدي إلا مارسها عليه، وكأنه شعر بضعفه ودونيّته أمام شجاعة ذلك الطفل وإنسانيته، وهو الذي خرج ليحمي أطفالاً من حقدهم، بينما خرجوا هم ليقتّلوا الشعب إنقاذاً لكرسي الأسد، ولذلك فبراءة حمزة أزعجتهم، وابتسامة حمزة كانت نغصت حياتهم، ووقفة حمزة الحرة لمساعدة الناس أوضحت مدى عبوديتهم وذلّهم، وقد ظنوا أن الخوف من مشاهدة جثة حمزة المعذبة