خطاب الأسد يضع هيبة القانون الدولي على المحك.. أي حلول ممكنة؟

2024.11.20 | 06:11 دمشق

14
+A
حجم الخط
-A

"يجب ألا نكون كمن يتحدث عن اللص بلغة القانون ومع المجرم بلغة الأخلاق ومع السفاح بلغة الإنسانية".

هذه الكلمات المثالية لم تصدر عن خبير قانوني أو ناشط حقوقي أو مدافع عن حقوق الإنسان، بل كانت جزءاً من خطاب بشار الأسد الذي ألقاه على مسامع العالم، بمن فيهم ضحايا نظامه وذووهم، في اجتماع القمة العربية والإسلامية الذي انعقد في الرياض يوم الإثنين الموافق 11 من تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

كان من الطبيعي أن يتناول السوريون وغيرهم هذا الخطاب بالنقد والسخرية وما بينهما من وسائل إفراغ الغضب، إذ يبدو مظهر بشار الأسد وهو يحاضر في الحقوق والإنسانية مفارقة صارخة، وهو الذي يرأس نظاماً متهماً بارتكاب أفظع انتهاكات حقوق الإنسان خلال 13 سنة، وما يزال. هذه الانتهاكات كانت مستمرة حتى في الوقت الذي كان فيه الأسد يلقي خطابه، وما زالت مستمرة حتى هذا التاريخ وستبقى ما دام مرتكبوها طلقاء.

مختبر سوريا أخرج للعالم مجرمين بهيئة منظري قانون وإنسانية

طوال الثلاث عشرة سنة الماضية، بعد اندلاع أولى الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الأسد، وثقت العديد من الانتهاكات التي ارتكبها هذا النظام بحق المناهضين لحكمه. اتسعت هذه الانتهاكات وازدادت حدتها وشدتها وتنوعها مع اتساع رقعة الحراك الشعبي وتحوله لاحقاً بفعل القمع المتزايد إلى نزاع مسلح. ولو أردنا أن ننظم قائمة بالجرائم المرتكبة فلن نجد حقاً من حقوق الإنسان إلا وقد أمعن نظام الأسد في انتهاكه، بل هناك جرائم كان هذا النظام سباقاً في ابتداعها وارتكابها.

وحتى هذه اللحظة، تُشير تقارير حقوقية محلية ودولية إلى استمرار نظام الأسد في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. حيث وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها لعام 2024 استمرار الانتهاكات، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والتعذيب، والعنف الجنسي، كما أشارت إلى القيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع، واستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية.

وفي شباط/فبراير 2024، أصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرًا يُبرز تعرض العائدين إلى سوريا لانتهاكات جسيمة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والاختفاء القسري، وحذّرت المفوضية من المخاطر التي يواجهها اللاجئون العائدون إلى البلاد.

يفتقر القانون الدولي لوجود هيئة تنفيذية مركزية قادرة على فرض الامتثال لقواعده وإيقاع العقاب على المخالف.

قانون دولي قاصر: ما السبب؟

عادة، تعتبر مسألة التكييف القانوني للأفعال الجرمية المرتكبة من أصعب التحديات التي تواجه الجهات القانونية والقضائية، لأنها تتطلب تحليلاً للأفعال المرتكبة وإحاطة بكامل ظروفها وملابساتها من جهة، وتتطلب من جهة أخرى معرفة واسعة وفهماً عميقاً للنصوص القانونية، وذلك لأجل إسقاط الوصف القانوني الدقيق على الفعل المرتكب وصولاً لإيقاع الحكم العادل على مرتكبه. لكن في القانون الدولي، نجد أنفسنا أمام تحدٍ سابق على مشكلة التكييف القانوني، حيث تبرز مسألة إلزامية القوانين الدولية، ما يطرح تساؤلاً حول مدى فعالية هذه القوانين.

المساواة في السيادة بين الدول!

هو المبدأ المعمول به في القانون الدولي، ما يعني أن كل دولة تتمتع بالسيادة الكاملة داخل حدودها وبالحرية المطلقة في اختيار سياستها الداخلية والخارجية، وتقف على قدم المساواة مع باقي الدول ضمن المجموعة الدولية. فلا فضل ولا امتياز لدولة على أخرى، ولا واجبات ولا التزامات إلا تلك التي تقبلها الدولة وتلتزم بها طواعية. لهذا نجد أن مسألة إلزامية القانون الدولي (بشقيه العرفي والمقنن) هي مسألة محكومة بعدة عوامل، وتواجه عدة تحديات.

الدولة، التي تعد صاحبة سيادة كاملة، تمارس، في كثير من الأحيان، انتقائية الالتزام. فتختار الالتزام بالقواعد الدولية التي تتماشى مع مصالحها وسياستها، وتتجاهل تلك التي تتعارض معها. وحتى لو قبلت الدولة بالقواعد الدولية، فإن سيادتها تتيح لها تفسير هذه الالتزامات بمرونة. لذلك نجد أن الدول تعتمد أحياناً تفسيرات ذاتية للاتفاقات الدولية تتناسب مع سياستها ومصالحها، حتى لو أدى هذا التفسير إلى تحريف معاني الاتفاقيات والالتزامات المترتبة عليها.

من جهة أخرى، يفتقر القانون الدولي لوجود هيئة تنفيذية مركزية قادرة على فرض الامتثال لقواعده وإيقاع العقاب على المخالف. أما العقوبات التي تفرضها المنظمات الدولية في حدود صلاحيتها، فتكون عادة غير كافية لردع الدول عن الانتهاكات، مثل العقوبات الاقتصادية وغيرها. في الوقت الذي نجد فيه أن الهيئات القضائية الدولية المعنية بتطبيق القانون الدولي، مثل محكمة الجنايات الدولية، حالها حال القواعد القانونية، خاضعة لسيادة الدول وقبولها بها.

على سبيل المثال، لم تصدّق سوريا حتى اليوم على نظام روما الأساسي الذي أُنشئت بموجبه محكمة الجنايات الدولية، ما يجعل هذه المحكمة غير مختصة بالنظر في انتهاكات النظام السوري للقوانين الدولية. وحتى لو صدّقت سوريا لاحقاً على نظام روما، فلن يكون لهذا التصديق أي أثر رجعي. وبهذا، يبقى أمام السوريين حل وحيد، هو الإحالة إلى المحكمة عن طريق مجلس الأمن. وهنا نصطدم بالسياسة وتحالفاتها، متمثلة بالفيتو الروسي والصيني، لذلك نجد أن العالم فشل حتى اليوم في إحالة الملف السوري ومرتكبي الجرائم في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، وفشل في محاسبة المجرمين، ولذلك وجدنا أنفسنا أمام كارثة إنسانية متمثلة بضياع حقوق ملايين الضحايا وبظهور مدرسة لمجرمين أفلتوا من العقاب فخرجوا يحاضرون بالحقوق والأخلاق والإنسانية!

الإفلات من العقاب لايمثل انتهاكا لحقوق الضحايا وتحديا كبيرًا للعدالة الدولية وتهديدا لقيم الإنسانية فحسب، بل إنه سيشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم الفظيعة وبالتالي سيؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة.

مقترحات لتعزيز القانون الدولي

لإصلاح منظومة القانون الدولي بحيث تصبح أكثر فعالية في تحقيق العدالة، يمكن للمجتمع الدولي اتخاذ عدة خطوات رئيسة تشمل تعزيز الشفافية والمساءلة، وتطوير آليات إنفاذ قوية، وضمان تمثيل أوسع للمجتمعات المتأثرة، وفيما يلي بعض المقترحات التي قد تساعد في هذا السياق:

- تعزيز آليات المساءلة: من الضروري توفير أدوات فعالة للمساءلة ومعاقبة المخالفين، مثل إنشاء محاكم دولية متخصصة تتمتع بسلطات ملزمة، وتطوير آليات تتيح للمحاكم الوطنية تطبيق القانون الدولي عند الضرورة.

- التقليل من تأثير المصالح السياسية: يجب الحد من التدخلات السياسية في النطاق القانوني الدولي، وذلك عبر تقليص حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، أو إيجاد آليات بديلة لحل النزاعات لا تعتمد على موافقة الدول الكبرى.

- تعزيز دور المنظمات الدولية: مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، ومنحها الصلاحيات والموارد اللازمة لمتابعة القضايا الدولية بشكل مستقل ودون تأثير من القوى الكبرى.

- تمثيل أفضل للمجتمعات المتأثرة: وذلك من خلال إشراك المجتمعات المتأثرة بالنزاعات أو الانتهاكات الدولية في عمليات صنع القرار الدولي، وضمان أن تكون قوانين العدالة الدولية شاملة وتعكس مصالح جميع الأطراف.

- إنشاء آليات إنفاذ قوية: من الضروري تطوير نظام إنفاذ فعّال لقرارات القانون الدولي، بحيث تكون الدول ملزمة باتباع القرارات الدولية دون استثناء.

- إصلاح مجلس الأمن الدولي: يمكن أن يتطلب ذلك إعادة تشكيل هيكل المجلس، ليكون أكثر تمثيلاً للدول النامية، وتوسيع نطاق المشاركة، بحيث تكون القرارات الدولية أكثر عدلاً.

- تشجيع التعاون الدولي في إنفاذ القرارات: يمكن للمجتمع الدولي تعزيز التعاون بين الدول لتنفيذ قرارات القانون الدولي، مثل تبادل المعلومات، والتنسيق في تطبيق العقوبات، وتقديم الدعم اللوجستي والمادي في حالات الحاجة

 

وعلى اعتبار أن الإفلات من العقاب لايمثل انتهاكا لحقوق الضحايا وتحدياً كبيراً للعدالة الدولية وتهديداً لقيم الإنسانية فحسب، بل إنه سيشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم الفظيعة وبالتالي سيؤدي إلى تفشي هذه الظاهرة، ولأن مسؤولية المجتمع الدولي لا تقتصر على معاقبة الجناة، بل تمتد إلى ضمان عدم تكرار الجرائم، وبناء مستقبل تسوده العدالة واحترام حقوق الإنسان، لذلك فإن تعزيز دور المؤسسات الدولية، وتفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية، وتشجيع التعاون الدولي بين الدول، هي خطوات ضرورية لضمان تحقيق العدالة.