خروف العيد بين الشعيرة الدينية والدعابة الشعبية

2024.06.24 | 05:48 دمشق

آخر تحديث: 24.06.2024 | 07:25 دمشق

أضحية
+A
حجم الخط
-A

في منشور على "فيس بوك" يعلن أحدهم عن عثوره في إحدى وسائل النقل العامة على قطعة لحم لا تتجاوز الكيلو غرام، على أغلب الظنِّ نسيها صاحبها (صلاح) كما هو مكتوب على الورقة المرفقة مع قطعة اللحم، ويمهله مدة خمس عشرة دقيقة حتى يظهر مطالباً بحقه المشروع، ومن بعد هذه الدقائق سيكون مصير هذه القطعة الشواء الذي ستصل رائحته -كما يزعم الرجل مداعباً- إلى قبرص.

هذه القصة واحدة من قصص وفيديوهات ونكات متداولة بين الناس على أرض الواقع، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تحمل طابع الدعابة والمزاح فيما يتعلّق بخروف العيد، إذ تصوّر بعض الفيديوهات بشيء من المبالغة المقصودة كيف أنَّ الحصول على حصة واحدة من لحم عيد الأضحى بات صعب المنال، بل ومن رابع المستحيلات أيضاً.

يجلس صاحب البيت ملازماً منزله أربعة أيام العيد بلياليها، مُعْرضاً عن الزيارات العائلية وغير العائلية، منتظراً أن يطرق عليه الباب الطارق الميمون المنتظَر، حاملاً بيده ما يحقِّق أمله ويعوِّض انتظاره.

ونتساءل لماذا قد تتحوَّل مظاهر شعيرة دينية اجتماعية، المقصود منها في الأصل التقرُّب من الله تعالى من جهة والتشارك والتعاطف بين المسلمين من جهة أخرى إلى ظاهرة تحمل طابع الفكاهة والتندُّر؟ وهل تنتهك هذه الفكاهة حرمة المقدَّس حين يصطدم الهزلي بالجدّي؟

اعتاد بعض الناس أن يتخفَّفوا من عبء ضغوط الحياة المختلفة، ومن ظروفهم الصعبة، بتحويل طاقاتهم السلبية التي تتسبب لهم بالتوتر والقلق إلى طاقات إيجابية، تكون قادرة على الترويح عن النفس ونشر البهجة ورسم الابتسامة على الوجوه، بمعنى آخر استخدام التنفيس للحد من تصاعد المشاعر المؤذية، والتحرّر من الإرهاق النفسي والعاطفي، ويعود ذلك إلى الطبيعة البشرية، وقدرتها على استخدام الفكاهة والسخرية في التعامل مع المواقف المختلفة.

وبذلك لا يكون الهدف هو المساس بالمقدَّس والاستهانة به، إنَّما الهدف هو تحويل مسار نتائج المواقف من غير المقبول إلى المقبول نسبياً بعد إضفاء مسحة من الفكاهة عليه، فبعض الأشخاص الذين ينتمون إلى طبقات اجتماعية فقيرة، ولم يأكلوا اللحم منذ وقت طويل بسبب ظروف الحياة الاقتصادية المتردِّية باستمرار، يمكن أن يتحوَّلوا إلى محتوى لنكتة شعبية متداولة بين الناس في أيام عيد الأضحى، فهؤلاء الأشخاص ترفَّعوا وتعففوا عن اللحوم حين أصبحوا هم أنفسهم نباتيين، فيتحدَّثون من خلال فيديوهات منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل كوميدي عن المضار التي يسببها تناول لحم خروف العيد، لما يحتويه من كولسترول وشحوم تضر بجسم الإنسان وصحته.

وقد تكون هذه المناسبة فرصة لبروز الصراعات الطبقية في المجتمعات، ولا يعني ذلك أنَّ أضحية العيد سببٌ لترسيخ العداء بين الفقراء والأغنياء، بل على العكس تماماً، فهي فرصة لنشر المحبة والتسامح بين الناس، إنما نقصد أنَّ الممارسات المغلوطة في تطبيق تلك الشعيرة الدينية هي سبب مهم من أسباب هذا العداء الطبقي، إذ يتحايل بعض الأغنياء على النص الشرعي فيما يخص توزيع حصص لحم الأضحية، فيتبادل الأغنياء حصص الأضاحي فيما بينهم، لتوثيق العلاقات وتمتينها، والاحتفاظ بأكبر كمية من اللحم لأنفسهم، متجاهلين الغاية الأساسية من الأضحية، متناسين الفقراء الذين ينتظرون العيد بفارغ الصبر، ليتناولوا مع أبنائهم اللحم ولو مرة واحدة في السنة، فتُظهر الفيديوهات بعض الأغنياء وهم يضعون حصص الأضاحي كاملة في مجمِّداتهم الممتلئة بأكياس اللحم، ويدفعونها بقوة داخل المجمِّدة التي لم تعد تتسع، مع تضخيم المشهد والمبالغة فيه بشكل كوميدي، لإبداء السخرية من طمع الأغنياء، وإظهار فهمهم الخاطئ لتعاليم دينهم أو التفافهم حوله.

كذلك، تسعى الدعابات التي تتناول خروف العيد إلى إظهار سفرة طعام بعض الناس في أيام عيد الأضحى بمحتوياتها البسيطة الخالية من اللحوم، وصاحبها يشكو إلى الله الناس الذين ذبحوا خراف العيد ولم يتذكروه بحصة لحم واحدة بطريقة هزلية ساخرة، مع إجراء مقارنة غير متكافئة بين السفرتين، ناهيك عن الفيديوهات التي تنتشر في آخر أيام العيد، إذ يتحسَّر فيها أصحابها بشكل كوميدي على عدم حصولهم على قطعة ولو صغيرة من اللحم.

ولعل خروف عيد الأضحى قد نال من النكات ما دفع بعض علماء الدين إلى تحريم هذه النكات التي تتعرَّض بشكل سافر وصريح لحرمة شعائر الله التي أمر الله بتعظيمها ورَبَط هذا التعظيم بتقوى القلوب، ففي نكتة جاءت على لسان خروف العيد يقول ساخراً لصاحبه الذي يهمُّ بذبحه: (قبل ما تتشاطر علي روح اتشاطر على إسرائيل)، ففي ذلك خلط كبير بين تعاليم الدين وانتهاك غير مقبول، يمكن أن يتسبب بفهم الإسلام فهماً خاطئاً.

بناء على كلِّ ذلك علينا أن نكون حذرين في استخدام النكات المتعلِّقة بالشعائر الدينية أو العادات الاجتماعية المقدَّسة عند البشر عامة، إذ قد يؤدي استخدام النكات بشكل غير لائق أو مهين إلى الإساءة للدِّين، وانتشار الحساسية الدينية والثقافية، وقد يكون من الأفضل تجنُّب هذه النكات، مهما كانت الدوافع من ورائها، كما علينا أن نتذكر أنَّ الحرية الدينية واحترام الآخرين هما قيمتان أساسيتان في التعايش السلمي المتبادل بين الثقافات والديانات المختلفة.