حين يستخدم النظام عنوان الحرص على المجتمع

2024.09.30 | 05:38 دمشق

آخر تحديث: 30.09.2024 | 05:38 دمشق

535.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تشفع لـ شادي قاسو مقدم المحتوى الكوميدي على منصات التواصل الاجتماعي الصورة التي التقطها مع حافظ بشار الأسد، ولا المقاطع التي روّج فيها للنظام مستغلا شعبيته، فاعتقلته سلطات النظام السوري بعد عودته من مدينة إسطنبول مباشرة، بتهمة تقديم محتويات هابطة لا تليق بالمجتمع السوري.

الاعتقال جاء ضمن حملة لملم فيها رجال أمن مجموعةً من الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي٬ وتهمة "الهبوط" موجهة إلى مستوى المحتوى الذي يقدّمه هؤلاء، من دون ذكر أية تفصيلات أخرى٬ لتبقى التهمة عائمة وغامضة ويمكن أن يندرج تحتها أي مستخدِم لوسائل التواصل على الإنترنت، ولكن أمن النظام توجه إلى مجموعة محددة وفي ضربة واحدة زج سيئي الحظ ممن ألقي القبض عليهم في حين نجح آخرون بالفرار إلى لبنان وبلدان أخرى.

قد تختلف الأسباب الحقيقية خلف عمليات اعتقال من هذا النوع٬ منها انتقاد مقدم المحتوى للظروف المعيشية في الداخل٬ أو رغبة عنصر أمني صغير أو كبير في تغريم صاحب العدد الكبير من المتابعين٬ ليتقاسم معه ما يجنيه من عمل المنصات٬ لكن تبقى شعارات الحفاظ على عادات المجتمع وحماية الأخلاق العامة أداةً مستخدمة عند الحاجة هناك في دمشق وحمص واللاذقية إذ لا أحد يستطيع الاعتراض.

انتشرت مع بدايات تسلّح الحراك في سوريا، واتخاذ المسلحين طابعاً إسلامياً، صورةٌ معاكسة مغرقة في إظهار "التحرر" بثتها القنوات والمنصات التابعة للنظام، أعطت رسالة كانت مطلوبة حينها عن مدى "الانفتاح" الذي يعكسه الفن في سوريا، وهي من مستلزمات تسويق النظام لرسائله، حتى وصل الأمر إلى صناعة دراما جديدة لم يكن يعهدها المشاهد السوري سابقاً، فعُرضت مسلسلات بأجزاء عديدة أحياناً، قائمة على قصص الخيانة الزوجية مع الأقارب، والعلاقات المفتوحة على كل الجهات، مع التركيز على مشاهد مجتمعات الليل، وتكرار عبارات رخيصة تُستخدم في هذه الأوساط مغلّفة بالكلمات الفجة بشكلها الإباحي.. وكانت الغاية حينها عرض ما يوحي بأنه مجتمع متحرر يقوده النظام مقابل بديل متشدد دينياً، يشير إليه الموالون في وجه كل مطالب بالتغيير.

بعد أن هدأت جبهات القتال وخفت صوت المعارك عاد النظام إلى ثوب المحافظ اجتماعياً، وفي إعلان عن ذلك خرج بشار الأسد، عام 2020، ليهاجم أمام عدد من رجال الدين في مسجد العثمان بالعاصمة دمشق، حريات الغرب وما سماه "الليبرالية الحديثة"..

في تلك المدة قُتل الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في ظروف غامضة٬ وخرج بطريقة سلسلة كل رجل دين لا يتماشى خطابه كليا مع السلطة، وتقلّصت في حينها مساحة البرامج الدينية وتحول من يخطب على منابر المساجد لشكل أقرب للمهرج منه إلى رجل الدين، فتابعنا "شيوخا" يسردون قصصا غريبة كأنها من نسج الخيال مع محاولتهم الدائمة إثارة جو عام من الضحك.

لكن بعد أن هدأت جبهات القتال وخفت صوت المعارك عاد النظام إلى ثوب المحافظ اجتماعياً، وفي إعلان عن ذلك خرج بشار الأسد، عام 2020، ليهاجم أمام عدد من رجال الدين في مسجد العثمان بالعاصمة دمشق، حريات الغرب وما سماه "الليبرالية الحديثة" التي تهدف بحسب كلامه إلى تسويق الانحلال الأخلاقي بشكل كامل وفصل الإنسان عن أية قيم أو عقائد.

وأشاد بدور المؤسسة الدينية٬ وفق ارتدادة قوية باتجاه أحكام المجتمع ومؤسسات الدين التقليدية التي لطالما استخدمها هو ووالده من قبله، واختاروا بعناية شخوصها الذين عملوا مع النظام في توجيه المجتمع بحسب ما تحتاجه المرحلة.

تتردد اليوم أصوات علمانيين يهاجمون التيارات الإسلامية التي تناهض النظام، من دون أن يقف الداعي إلى التحرر عند دور المؤسسات الدينية الموالية التي أنشأتها وتمولها الدولة، فقد دعم حافظ الأسد منذ وصوله إلى الحكم رجال دين ومشايخ اختارهم لتعزيز شرعيته وبسط سلطته، وهم بدورهم مارسوا دور الوسيط بين الدولة والمجتمع، كما فعّل دور وزارة الأوقاف، وقدّم الدعم للمدارس الدينية، واستعمل وريثه بشار، الدين ورجاله أيضاً، وأوكل لهم ضبط المجتمع بالتشارك مع أجهزة الأمن والشرطة، مع تغيير مساحة تحرك كل جهاز وسطوته بحسب الظرف القائم.

والآن يقدّم النظام نفسه وعبر أجهزته القمعية ذاتها على أنه من حراس الفضيلة، فيلقي القبض على حفنة من صانعي المحتوى، والمناسبة هي "تنظيف" المجتمع ممن هم في الواقع ضحايا لنظام ذي توجهات متقلبة، والثابت لديه أن المسؤولين الكبار والصغار يستطيعون الحصول على تمويل إضافي على شكل عقوبة لأي شخص، خصوصاً إن كان عائداً من خارج البلاد ويبدو أن لديه في حسابه البنكي أرقاماً مغرية.