نتابع عن كثب التحركات الأخيرة حول إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، والاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب، والذي نتج عنه الموافقة المشروطة بالسماح لوفود النظام السوري حضور اجتماعات الجامعة، حيث ستبدأ أعمال القمة العربية العادية الـ 32 والتي تستضيفها المملكة العربية السعودية في 19 مايو/أيار المقبل.
لطالما كانت الجامعة العربية حريصة على وحدة الصف العربي، مع محاولاتها لإيقاف كافة أشكال العنف في سوريا وتأمين عودة آمنة للاجئين، في ظل تعنت النظام وعدم التفاته لمقترحات الدول العربية التي طالبته بإيقاف قمع المدنيين والرضوخ لحل سياسي يلبي طموح السوريين، غير أن النظام لم يكتف بتجاهلها، بل استمر في تصعيد سياسته القمعية، مما أدى إلى تجميد عضويته في الجامعة العربية حتى التوصل إلى حل سياسي يوقف معاناة السوريين. في حين يستمر الشعب السوري في ثورته، وفاءً لتضحيات أبنائه، وتحقيقاً لمطالبه بالحرية والكرامة والعدالة.
يتساءل السوريون، هل زالت تلك الأسباب التي أدت إلى إيقاف عضوية النظام من الجامعة العربية؟ وهل من الممكن للنظام أي يكون جاداً في تحقيق العملية السياسية التي يطمحون لها؟
واليوم، وبعد 12 عاماً من الثورة في سوريا، لا يوجد أي تغير إيجابي في موقف هذا النظام وحلفائه، بل زادت عمليات القتل والتهجير، وارتفعت وتيرة الانتهاكات بحق السوريين، وامتدت إلى الدول المجاورة عبر شحنات المخدرات الهائلة التي يصدرها بشكل يومي. إن هذا النظام فقد شرعيته بالمطلق أمام الشعب السوري. فهو الذي قتل ما يقارب النصف مليون مواطن سوري، وآلاف الأبرياء الذين لقوا حتفهم بسبب التعذيب في سجونه، إضافة إلى تشريد أكثر من نصف الشعب السوري، والدمار الهائل الذي خلفته عملياته العسكرية الإجرامية ضد السوريين. لقد صدرت عدة تقارير عن الأمم المتحدة ومنظماتها تثبتت مسؤولية النظام بشكل دامغ عن الهجمات الكيميائية في سوريا، إلى جانب مئات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً الذين ما زال نظام الأسد يخفي مصيرهم حتى اليوم. يأتي هذا القرار تزامناً مع الذكرى الأولى للكشف عن مجزرة التضامن الوحشية على مستوى العالم والتي ارتكبت بحق مواطنين سوريين أبرياء من قبل قوات النظام، ولاقت استهجاناً من العالم أجمع، ولا يزال منتهكو هذه الجريمة في وظائفهم اليومية ضمن هيكلية النظام بدون أي محاسبة أو مساءلة.
لهذا كله، يتساءل السوريون، هل زالت تلك الأسباب التي أدت إلى إيقاف عضوية النظام من الجامعة العربية؟ وهل من الممكن للنظام أي يكون جاداً في تحقيق العملية السياسية التي يطمحون لها؟
لم تتوقف محاولات الدول العربية منذ سنوات عدة في سبيل تحقيق مخرج آمن للأزمة السورية يرضي جميع الأطراف ويلبي طموحات السوريين، ويوقف شلال الدم الذي تسبب به النظام في سوريا، لكنه ما برح يناور شيئا فشيئا في محاولاته لكسب الوقت مع استمراره بعملياته العسكرية ضد المدن والبلدات السورية، والتي حاول من خلالها ثني السوريين عن مطالبهم.
إننا نعتقد أن هذا القرار لن يساهم في أي تقدم في العملية السياسية، والتي نؤمن بأنها الحل الأمثل لخلاص السوريين، ولن يقدم أي شيء في سبيل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة في سوريا على رأسها القرار 2254. ولا يمكن مكافأة الإجرام بالإعادة إلى طاولة الدول العربية، بل على العكس، سيكون هذا بمثابة ضوء أخضر لمزيد من الوحشية من قبل هذا النظام الذي لن يتغير سلوكه. إن التطبيع معه الآن يعني تجاهل جرائمه الوحشية وتمريرها بصمت، حيث لا يمكن صياغة الحلول على حساب العدالة وحقوق الإنسان.
بدورنا لن ننسى أن نثمن موقف دولة قطر الحريص على وحدة الصف العربي دائما، مع التزامها بالقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان، وقيمها الأخلاقية، وسعيها لتحقيق الحل السياسي في سوريا الذي يضمن مصالح الشعب السوري، الذي وقفت إلى جانبه دائما، وهذا ما جاء دائماً على لسان مسؤوليها، والذين أكدوا باستمرار على أن موقف قطر من التطبيع مع النظام السوري لم يتغير، ذلك الموقف الذي نثق به، والنابع من المبادئ والقيم الإنسانية التي انتهجتها دولة قطر خلال مسيرتها، ونعبر عن شكرنا في كل مناسبة تقف فيه إلى جانب الشعب السوري وقضيته المحقة حيث كانت الأقرب والأصدق مع قضيته، والأوفى في دعمه إنسانياً وحقوقياً وسياسياً. لقد سطرت قطر نماذج إنسانية فريدة، ولن ينسى الشعب السوري أبداً هذه المواقف الشجاعة، وستظل هذه المواقف حاضرة في القلوب والوجدان على امتداد الزمن.
وجود النظام السوري يعرقل أي استقرار في سوريا والمنطقة عموماً، ويساهم في تهديد الأمن ليس في سوريا فحسب، بل في كافة الدول المنطقة
إن نتائج هذا التطبيع ستنعكس على الصعيد الداخلي، حيث سيجد النظام السوري في مراجعة النظام العربي لسياساته إزاءه فرصة لتشديد قبضته على السوريين، بما فيه تعزيز سياساته لإيجاد ما يسمّيها سوريا المتجانسة، الأمر الذي يعني الاستمرار بسياسته من الاعتقالات إلى تغيير التركيبة الديمغرافية في سوريا. وما يتعلق بملف الكبتاغون، والذي يشكل مصدر تهديد للشباب في دول المنطقة، لا يبدو أن النظام جاد في أي تصرف يحد من إنتاجه أو تهريبه. كما ستبقى مشكلة اللاجئين السوريين مفتوحة، حيث كان وجود النظام السبب الرئيسي في تهجيرهم، وما زال يعتقل العائدين منهم. وبالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية الهشّة في سوريا، واستلاب العديد من اللاجئين من ممتلكاتهم، تبدو أنه لا عودة ممكنة في الوقت المنظور.
وختاماً نؤكد على أن وجود النظام السوري يعرقل أي استقرار في سوريا والمنطقة عموماً، ويساهم في تهديد الأمن ليس في سوريا فحسب، بل في كافة دول المنطقة، ونؤكد على مضي الشعب السوري في مسيرته نحو الحرية والعدالة، ورفض الظلم والاستبداد مع استحالة العودة إلى قمقم الخوف والترهيب، ونكرر مطالبنا للمجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته الأخلاقية أولا والسياسية والقانونية تجاه الشعب السوري وممارسة جميع أنواع الضغوط على هذا النظام، وعدم إعطائه فرصة لتحسين صورته أمام العالم. كما نطالب المجتمع الدولي بشكل واضح بأن يتخذ خطوات بشكل جدي من شأنها إلزام النظام بالعملية السياسية وتنفيذ القرارات الأممية التي تضمن وحدة وسلامة الأراضي السورية وعودة اللاجئين والكشف عن مصير المعتقلين، وتلبية مطالب الشعب السوري العادلة.