في نتائج البحث عبر محرك "غوغل"، يظهر ضمن موقع جريدة الأخبار التابعة لإيران/حزب الله عنوان: "خليل الحية: «حماس» حسمت قرارها الداخلي بالعودة إلى دمشق". لكن رابط العنوان يحيل إلى نص المقابلة مع نائب رئيس "حماس" في قطاع غزة ومسؤول العلاقات العربية في الحركة، خليل الحيّة، بعنوان مختلف هو "خليل الحية: المقاومة جاهزة لخوض «سيف القدس2» وأكثر". ويخلو النص، المنشور بتاريخ 28 حزيران/يونيو الماضي، من أي ذكر لدمشق أو سوريا، وبالتالي من تصريح الحية الذي تم تداوله من قبل أغلب وسائل الإعلام العربية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي باعتباره مقتبساً من تلك المقابلة، بأنه "جرى نقاش داخلي وخارجي على مستوى حركة حماس من أجل حسم النقاش المتعلق باستعادة العلاقات مع سوريا، وبخلاصة النقاشات التي شاركت فيها قيادات وكوادر ومؤثرون، وحتى المعتقلون داخل السجون، تم إقرار السعي من أجل استعادة العلاقة مع دمشق".
لا يبدو مفهوماً بشكل قاطع سبب حذف هذا الجزء من المقابلة، ولاسيما أنه يؤكد ما كانت قد نقلته وكالة "رويترز" قبل أسبوع من ذلك فقط عن مسؤول في "حماس" أيضاً، ربما يكون الحية ذاته، بشأن عقد الحركة عدة لقاءات "رفيعة المستوى" مع مسؤولي نظام الأسد لإعادة العلاقات بين الطرفين. وهو ما لم تنفه "حماس" كما لم تنف تصريحات الحية اللاحقة. فيما يظل الأهم زيارة رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية ووفد من الحركة، لرمز الإجرام الإيراني الطائفي بحق السوريين، حسن نصر الله، في لبنان الشهر الماضي.
مع ذلك، تضمن تصريح الحية تفصيلاً مهماً، وهو أن قرار "حماس" بالعودة إلى حضن الأسد كان بموافقة أو توافق قيادات وكوادر ومؤثرين في الحركة، وحتى معتقلين لها في السجون (قاصداً السجون الإسرائيلية طبعاً، حيث يمكن للسجناء، من دون التقليل من ألم معاناتهم، التواصل مع الخارج والدراسة لنيل درجات جامعية، بخلاف سجون الأسد التي يتم التسامح مع تحولها إلى مسالخ بشرية بادعاء "المقاومة والممانعة"). إذ في ذلك إشارة ربما إلى عدم وجود انقسام أو تباين بين تيار يحيى السنوار ومحمود الزهار الإيراني وبين سواه من تيارات داخل الحركة. فهل جاء الحذف ليؤكد وجود هكذا انقسام أو تباين؟ من غير الممكن الجزم، خصوصاً مع عدم ظهور أصوات معارضة، وبما يبقي إعلان وحدة الموقف صحيحاً.
"حماس" وسواها، وباسم أي قضية عادلة كانت، لا تسبغ الشرعية على الثورة السورية أو تنزعها عنها بناء على مواقف هؤلاء من نظام بشار الأسد وحلفائه
لكن ذلك لا يجب أن يستدعي غضباً أو إدانة من السوريين المتشبثين بحقهم في الحرية والكرامة، بل الشكر لـ"حماس". فهي بقرارها الموحد الجلوس في حضن القتلة، تحرر السوريين بشكل تام من ابتزاز قومجي أو إسلاموي طالما تم إشهاره سلاحاً في وجه أي مطالب بالحد الأدنى من الإصلاح، ناهيك عن التغيير، في سوريا.
بداية، فإن "حماس" وسواها، وباسم أي قضية عادلة كانت، لا تسبغ الشرعية على الثورة السورية أو تنزعها عنها بناء على مواقف هؤلاء من نظام بشار الأسد وحلفائه، بل العكس تماماً. إذ بعد مئات آلاف القتلى ومئات آلاف المعتقليين والمخفين قسرياً وملايين اللاجئين والنازحين السوريين بسبب إجرام الأسد وحزب الله وإيران ثم روسيا، فإن الثورة السورية هي من صارت معياراً لا يقبل الجدل بشأن مبدئية أي دولة أو حركة، ولاسيما من تتخذ أو تتدعي اتخاذ فلسطين بوصلتها. ذلك أن التقتيل والتهجير والتغيير الديمغرافي الطائفي الأسدي-الإيراني في سوريا تحاكي، في أحسن الأحوال، الاستراتيجية الإجرامية الإسرائيلية في فلسطين، بل وتفوقها فجوراً وسرعة. هكذا، لم تعد مقبولة تلك الجرأة التي شهدناها طوال عقود مضت في التشكيك في وطنية وعروبة السوريين المعارضين لبشار الأسد، والتي لا يعرف سبب حقيقي لها سوى التشبيح المستتر بالعروبة والقضايا القومية-الإسلامية، لاسيما القضية الفلسطينية.
كان هذا واضحاً منذ صدور إعلان دمشق العام 2005، عندما تمت مطالبة موقعي البيان ومؤيديه، وبما يشبه محاكم التفتيش، التأكيد على سوريتهم وعروبتهم، لكأنما آل الأسد هم من علموا السوريين العروبة، ولكأنما السوريون هم من أسقطوا الجولان وتنازلوا عن لواء إسكندرون، ونسقوا نقل السلاح الإسرائيلي لإيران إبان الحرب الإيرانية - العراقية فيما يعرف بقضية إيران - كونترا، وهم من وقعوا اتفاقية أوسلو وغيرها من اتفاقيات السلام مع إسرائيل! وبعد اندلاع الثورة السورية، وإضافة إلى محاكم التفتيش تلك، صار مطلوباً أيضاً من المعارضة تحرير هضبة الجولان السورية، فيما يتم التبرير لصمت بنادق النظام نصف قرن، تخللته مفاوضات معلنة وسرية مباشرة وغير مباشرة مع الإسرائيليين. فالسياسة المعلنة للأسد الصغير ومن قبله أبوه هو استعادة الجولان تفاوضاً. وهي سياسة محتفى بها من قبل شبيحة القضية والعروبة، لكنها دليل خيانة دامغ لو فكر بها أي من معارضي الأسد مجرد تفكير.
لا تجرؤ "حماس" على ادعاء أن مئات آلاف السوريين القتلى على يد نظام الأسد وحزب الله وميليشيات إيران وروسيا هم إرهابيون استحقوا القتل، وأن اللاجئين والنازحين السوريين كانوا فائضاً ديمغرافياً
والواقع أنه ما كان يجب يوماً أن نخضع لهكذا تشبيح وابتزاز. فهو منطلق من المقارنة بنظام آل الأسد، وبحيث يكون مطلب أصحابه، وبشكل جلي، ضمانات بأن تكون سوريا ما بعد الأسد مشابهة لسوريا الأسد في تعاملها مع الفلسطينيين مثلاً. وهو الأمر المستحيل إنسانياً وأخلاقياً وقانونياً. يكفي للتوضيح هنا إيراد ما يرويه إسحق رابين في مذكراته (الترجمة العربية) عن فترة الحرب الأهلية اللبنانية، حين يقول: "خـلال أشـهر قليلـة قتـل الســوريون عــدداً من الفدائيين يفوق عــدد الــذين قتلـوا في جميع الأعـمال الفدائية ضد إسرائيل وفي المواجهات التي وقعت بين الفدائيين والجيش الإسرائيلي وقد منعت إسرائيل القوات السـورية مـن التوجـه إلى جنوب الليطاني ولكنها دفعت ثمن ذلك غاليا: إذ أصبحت منطقـة جنوب لبنان ملجأ للفـدائيين الـذين فروا من بطش السوريين.. وكانت إحدى مفارقات الشرق الأوسط عندما وجد الفدائيون ألد أعداء إسرائيل الأمن في ظل القوة العسكرية الإسرائيلية التي ردعت السوريين". كما لا يمكن للسوريين في سوريا ما بعد الأسد أن ينفذوا أو يتواطؤوا في تنفيذ مجزرة مثل تل الزعتر، أو تدنيس اسم فلسطين بجعله اسماً لواحد من أقذر وأبشع فروع المخابرات، أو إعدام المدنيين الفلسطنيين والسوريين ميدانياً ورميهم في حفرة شبيهة بتلك التي في حي التضامن.
ربما لا تجرؤ "حماس" على ادعاء أن مئات آلاف السوريين القتلى على يد نظام الأسد وحزب الله ومليشيات إيران وروسيا هم إرهابيون استحقوا القتل، وأن اللاجئين والنازحين السوريين كانوا فائضاً ديمغرافياً. لكنها، وأسوة بالعالم أجمع، تقول لنا بشكل واضح، وبافتراض أعلى درجات حسن النية: "كل ينزع شوكه بيديه". وهو ما يجب على السوريين فعله بحق دونما التفات لمزايدات رخيصة وتشبيح قومجي إسلاموي، في سبيل استعادة وطنهم دولة لكل مواطنيها على اختلاف أعراقهم وأديانهم ولا أديانهم وطوائفهم، وليس سوريا الأسد.