منذ انطلاق الثورة السورية، تعرّض الشعب السوري لمجموعة من الانتهاكات الجسيمة لحقوقه من قبل النظام السوري، ومن بين هذه الانتهاكات يبرز انتهاك حق الملكية كواحدٍ من هذه الانتهاكات. حيث قام النظام السوري بسلوكيات تُعدُّ تجسيدًا للانتهاكات المنظَّمة لهذا الحق، وسط إطار من التشريعات التي تُجيز مثل هذه التجاوزات بشكل مثير للقلق. يتطلّع هذا المقال إلى استكشاف جوانب انتهاك حق الملكية في السياق السوري، بالإضافة إلى بحث السبل التي يمكن من خلالها تصحيح هذه الأوضاع واستعادة الحقوق المسلوبة للأفراد.
يتكفل القانون الدولي بحق الملكية ويُلزم الدول بحمايته واحترامه، سواء في السلم أو في النزاعات المسلحة، كما نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته السابعة عشرة على احترام حق الملكية وعدم جواز الاعتداء على هذا الحق، وقد جاء فيه: "لا يجوز حرمان أحد من ملكيته تعسفاً".
وقد أسهم هذا الإعلان في تعزيز الاعتراف الدولي بأهمية احترام حق الملكية وواجب الدول في الحفاظ عليه وعدم التعرض لأموال المعارضين أو أملاكهم، وهو ما تجلى في القوانين الدولية والوطنية وحتى في دساتير الدول المختلفة.
في سياق القانون السوري، أتى الدستور السوري عام 2012 المعمول به في مناطق النظام ضامناً وحامياً لحق الملكية حيث نص في المادة الخامسة عشرة على: "الملكية الخاصة من جماعية وفردية، مصانة وفق الأسس الآتية:
1. المصادرة العامة في الأموال ممنوعة.
· لا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون.
· لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم.
· تجوز المصادرة الخاصة لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون لقاء تعويض عادل.
2. يجب أن يكون التعويض معادلاً للقيمة الحقيقية للملكية.
"لكن هذه المادة بقيت حبراً على ورق مثلها مثل كثير من مواد الدستور السوري والقوانين السورية، فقد عانى الشعب السوري خلال الثورة من انتهاكات متعددة لحق الملكية، بما في ذلك تدمير الممتلكات والأعيان المدنية وطرد السكان من منازلهم، ومنع النازحين من العودة إلى ممتلكاتهم، كل ذلك بشكل يتنافى مع القوانين الوطنية والدولية ويعتبر انتهاكًا لحقوق الإنسان.
يجب تبني برامج العدالة الانتقالية لإعادة الأملاك لأصحابها الحقيقيين وتقديم التعويض العادل للمتضررين.
ومن أبرز الأمثلة على هذه الانتهاكات هو قانون رقم 10 لعام 2018 الذي حاول النظام السوري من خلاله الاستيلاء على عقارات المعارضين لها، وقد لقي هذا القانون ردود فعل حقوقية ودولية كبيرة بينت انتهاكه للحق في الملكية ومخالفته للمعايير الدولية والوطنية المتبعة في سوريا.
ونتيجة لهذا القانون أصدرت اللجان الأمنية في عدة محافظات قرارات تنص على الاستيلاء على الأراضي الزراعية كتطبيق عملي للقانون رقم 10 ومثال ذلك قرار اللجنة الأمنية في حماة بالإعلان عن مزاد بتاريخ 5 تموز 2021 لاستئجار الأراضي التي لم يستطع أصحابها إثبات ملكيتها أو غياب أصحابها.
وفي 21 آب 2021، أصدرت اللجنة الأمنية قرارًا آخر بالاستيلاء على محاصيل الأراضي المزروعة بالزيتون بالإضافة إلى تأجير الأراضي الزراعية السليخ.
في إدلب، أعلنت الأمانة العامة للمحافظة في 29 أيلول 2022 عن ثلاثة مزادات علنية تشمل أراضي زراعية في الريف، وتعود معظم هذه الأراضي إلى النازحين.
ووفقاً لمؤسسات حقوقية، تم الإعلان عن ما لا يقل عن 22 مزادًا علنيًا في محافظة حماة و 88 قرية في إدلب، شملت مساحة تقدر بنحو 400 ألف دونم.
ومن بين الممارسات التي يقوم بها النظام السوري والتي تنطوي على انتهاك حق الملكية هو ما تقوم به محكمة الإرهاب من تجاهل كل مبادئ المحاكمة العادلة ومصادرة أموال المتهمين بشكل غيابي، بحيث أصبحت هذه المحكمة سيفاً مصلتاً على رقاب السوريين وأموالهم.
ويجب في هذا السياق تبني برامج العدالة الانتقالية لإعادة الأملاك لأصحابها الحقيقيين وتقديم التعويض العادل للمتضررين، فضلاً عن إلغاء كل التسجيلات العقارية وتسجيلات الملكية التي تمت بشكل غير قانوني.
تحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان يمثل أساساً لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا.
وعلى المجتمع المحلي أن يتحلى بالمسؤولية ويمتنع عن المشاركة في أي عملية تنتهك حق الملكية من شراء أو استئجار الأملاك المصادرة بما يخالف القواعد القانونية، كذلك يتعين على المنظمات غير الحكومية أن تكون حذرة من الانخراط في أي نشاط يمس حق الملكية، لتفادي المساءلة الدولية.
في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب السوري، يبقى حق الملكية من أبرز الحقوق التي تتعرّض للاستغلال والانتهاك.
ومع ذلك، فإن هذه المعاناة لن تبقى دومًا، فبرامج العدالة الانتقالية والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان يمكن أن يفتحا الباب أمام إعادة بناء المجتمع السوري على أسس قانونية وعادلة. إن تحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان يمثل أساساً لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا، وهو الهدف الذي يجب أن يسعى الجميع لتحقيقه بكل جهد وتفان.