أعادت وفاة النائب التركي من حزب السعادة المعارض، حسن بيتماز، قبل أسبوعين، الضوء مجدداً إلى تعاطي الأحزاب التركية من حكومة ومعارضة مع القضية الفلسطينية، وما يجري في قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ظل بيتماز يتحدث لمدة 22 دقيقة منتصف كانون الأول/ديسمبر على منصة البرلمان التركي، قبل أن يقع على الأرض مغمياً عليه بعد أن كانت كلماته الأخيرة في انتقاد موقف الحكومة التركية إزاء ما يجري في غزة.
"حتى لو نجوتم من عذاب الضمير، فلن تنجوا من عذاب التاريخ، ولو نجوتم من عذاب التاريخ فلن تنجوا من عذاب الله"، هذه آخر كلمات بيتماز.
موقف الأحزاب الإسلامية من الحرب على غزة
حزب السعادة هو حزب إسلامي يميني محافظ، ويتقاسم مع العدالة والتنمية الحاكم الخطاب الديني في بعض قضايا السياسة الخارجية، لا سيما قضية فلسطين، لكنه يختلف معه في جلّ المسائل الداخلية والخارجية، وهو ما دفع السعادة للتحالف مع حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
يطالب حزب السعادة الحكومة بخطوات أكثر جرأة أو بالأحرى بخطوات عملية على الأرض ضد إسرائيل، وليس مجرد خطابات هجومية ضد الاحتلال أو رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو.
اللافت أن حزب "الرفاه من جديد" الذي دعم الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الأخيرة، يتفق مع خصمه "السعادة" في ذلك، ويطالب بخطوات عملية، مستشهداً بما قامت به ماليزيا من إغلاق موانئها أمام جميع السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي.
رئيس حزب الرفاه محمد فاتح أربكان نجل الراحل نجم الدين أربكان، أشاد بما فعلته ماليزيا في منشور له عبر "إكس"، وقال: "شعبنا العزيز ينتظر مثل هذه الخطوات من حكومتنا. فالصهيونية لا تفهم بالكلمات بل بالقوة والفعل".
يمكن القول إن معركة طوفان الأقصى أعادت الأمور إلى نصابها، وأطّرت التحالفات الانتخابية وأبرزت حدودها الموضوعة في الأصل، كما أنها بالمناسبة أوضحت جليّاً أن أنقرة أخطأت جداً حينما عادت لتطبيع العلاقات مع حكومة نتنياهو المتطرفة قبل طوفان الأقصى بوقت قصير للغاية، والتي سبقها لقاء بين أردوغان ونتنياهو.
لقد وضع طوفان الأقصى سقفاً للتطبيع بين تركيا وإسرائيل، لا سيما في ظل وجود حكومتي أردوغان في أنقرة ونتنياهو في تل أبيب، فحتى ولو كان في السياسة كل شيء ممكن إلا أن عودة العلاقات بين هاتين الحكومتين غير ممكن.
لم تكن طوفان الأقصى مفاجأة في هذا السياق، بل صفعة لإعادة التفكير والتدقيق بالتطبيع الإسرائيلي الأخير والذي ولد ميتاً، حيث اضطر أردوغان لإعلان سحب السفير التركي من تل أبيب بعد نحو شهر من عملية طوفان الأقصى وسط ضغط شعبي واحتجاجات متواصلة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فلم تصدر قرارات أو توجيهات رسمية بمقاطعة البضائع أو الشركات الإسرائيلية، أو التشجيع على عدم تصدير البضائع إلى إسرائيل، أو اتخاذ خطوات تقيد دعم الغرب لإسرائيل اقتصادياً وعسكرياً.
هذه الحالة أزعجت الأحزاب الإسلامية سواء المتحالفة مع الحكومة أو المعارضة لها، وجعلتها غير راضية بشكل كامل عن الموقف الرسمي إلى الآن.
ماذا عن الأحزاب القومية؟
أكبر الأحزاب القومية فعلياً هو "الحركة القومية" وهو الحليف الأقرب للعدالة والتنمية منذ 2016، ولم يتردد في دعمه والاتفاق معه في التفاصيل الكبيرة والصغيرة، بخلاف مثلاً شكل التحالفات الهزيلة التي لم تتمكن أحزاب المعارضة من الحفاظ عليها لما بعد الانتخابات بيوم واحد.
بالنسبة للحركة القومية فإن موقفه من الحرب على غزة هو موقف العدالة والتنمية، دون أن يختلف معه أو يزاود عليه، ولا يمكن القول إن هذا الموقف يأتي بحكم التحالف الموجود بين الحزبين واللذين يستعدان للتعاون معاً في الانتخابات المحلية 2024.
موقف الحركة القومية نابع من هوية الحزب المتصالحة مع الدين بل وتقدس قيمه ومقدساته كما تنظر باحترام واعتزاز لتاريخ تركيا منذ ما قبل السلجوقية وصولاً إلى تأسيس الجمهورية.
بخلاف حزب "الجيد" وهو كذلك حزب قومي لكنه أقرب للجمهوريين في التعامل مع الدين والتاريخ لا سيما الحقبة العثمانية، وكلا الحزبين أي الجيد والشعب الجمهوري يحملان نفس النظرة تقريباً للماضي القريب من كراهية عمياء للقيم الإسلامية والعرب والثقافة الشرقية عموماً.
ولذلك فإن تعاملهم مع القضية الفلسطينية وما يجري في غزة بين بين، بمعنى أنه يحمل طابعاً غربياً يغض نظره عن أصل مشكلة القضية وينظر لحماس على أنها حركة إرهابية بالجملة، ويعتبر أن المشكلة بدأت يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومن جهة أخرى نرى إدانة واضحة لجرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين.
على سبيل المثال، مسؤولو الحزبين دانوا حركةَ حماس ووصفوا ما قامت به بأنه وحشي، قبل أن تأتي عدة تقارير من الإعلام العبري ذاته تشير إلى أن قضايا مثل قتل الأطفال الرضّع وقطع الرؤوس وقتل المدنيين بشكل عشوائي "غير دقيقة" وليس كل ما يُحكى صحيحاً.
وبما أن الحديث عن الأحزاب القومية فلا بد من تعكير صفو القارئ بالإشارة إلى حزب "الظفر/النصر" المتطرف بقيادة اليميني المتطرف أوميت أوزداغ، الذي أخذ وسم الاستحقاق بانعدام الضمير من خلال تأسيس حزبه على حساب معاداة السوريين والمهاجرين وجميع الضعفاء الذين رمت بهم الأقدار إلى تركيا.
حزب النصر يمثل ذروة التماهي مع أكثر المتطرفين الصهاينة في العالم الغربي لا نقول إنه يتماهى مع الغرب، فهذا ظلم لإسبانيا وبلجيكا والعديد من المسؤولين والنواب والوزراء الأوروبيين الذين أثبتوا أنهم إنسانيون قبل كل شيء، بل إن أوزداغ وحزبه يعتنقون الصهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم، برأي كثير من الأتراك.
وحتى على اعتبار القومية، فإن موقف حزب الحركة القومية وإلى حدّ لا بأس به حزب الجيد، يجعل من حزب النصر نكرة في عالم القومية، فهو لا يمتّ إلى القيم التركية بصلة، ولا يشبه حتى الأتراك الذين اعترفوا بقيام إسرائيل حينما كانت البلاد قائمة على سياسة التغريب واتباع المدنية الغربية من أجل التطور والتقدم.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى البيان المشترك الذي وقعت عليه جميع الأحزاب التركية في تشرين الأول/أكتوبر، ودانت فيه الاعتداءات الإسرائيلية على غزة.
هذا البيان كان إشارة إلى أن الغالبية في الشارع التركي متعاطفة مع القضية الفلسطينية وترفض جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وأن الجزء الأكبر منها يطالب بخطوات عملية في هذا الصدد وعدم الاكتفاء بالخطاب فقط.