جرائم تخنق الحريّة

2024.08.21 | 07:59 دمشق

آخر تحديث: 21.08.2024 | 08:27 دمشق

3545454545454545454
+A
حجم الخط
-A

منذ 13 عاماً أطلق السوريون صيحاتهم الأولى المنادية بالحرية، وتعالت أهازيجهم في الساحات العامة التي امتلأت بالمتظاهرين السلميين الحالمين بدولة المواطنة والعدالة.

لقد وزّع الشباب والورود في الأحياء والأزقة للتعبير عن تلك المطالب والدعوة للمشاركة بها، لكن سرعان ما تصدى نظام الأسد لتلك التحركات السلمية والشعبية بالقمع وإطلاق الرصاص والاعتقال ولم يتورع عن استخدام شتى صنوف الإجرام تجاه الشعب السوري، بهدف إخماد صوته الثائر في وجه الظلم وآلة القمع. لقد عايش السوريون وعلى امتداد العقد الماضي العديد من المجازر، والقصف، والاعتقال، والتشريد. وتدمير مدنهم وقراهم، ولا تزال الانتهاكات مستمرة إلى يومنا هذا. ومن بين تلك الجرائم الوحشية، احتلت مجازر الأسلحة الكيميائية حيزاً خاصاً من اهتمام المجتمع الدولي. إذ يتذكر العالم بكل أسى صور الأطفال وهم يختنقون بغازات سامّة، وسط ذهول الأمهات، وعجز الكوادر الطبيّة من هول الفاجعة.

ففي مثل هذا اليوم في عام 2013، ارتكب النظام واحدة من جرائمه الكيميائية في منطقة الغوطة بريف دمشق والتي ارتقى ضحيتها قرابة 1500 شهيد، جلّهم من النساء والأطفال، و أصيب ما يزيد على ستة آلاف إنسان نتيجة لاستنشاق المواد القاتلة.

لقد بلغ تعداد الهجمات الكيميائية الموثقة في سوريا 217 هجوماً، وذلك منذ أول استخدام للأسلحة الكيميائية في ديسمبر 2012 وعلى مدى 8 سنوات كان نظام الأسد يستبيح فيها حرمة القانون الدولي.

ردود الفعل

لقد هزّت صور المجزرة العالم، حيث دانت العديد من الدول من بينها دولة قطر والولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا وغيرها من الدول والمنظمات الدولية الهجوم بشدة. كما أصدر مجلس الأمن الدولي عدة قرارات تدين استخدام الأسلحة الكيميائية، وأكدت التقارير الدولية، بما في ذلك تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، مسؤولية نظام الأسد عن عدة هجمات بالأسلحة الكيميائية، في حين استمر النظام بالإنكار.

وعلى الساحة الدولية حال "الفيتو" الروسي دون إدانة النظام أو محاسبته في مجلس الأمن الدولي، ونتيجة لذلك، كرر نظام الأسد - وبلا رادع - استخدام الأسلحة الكيماوية كواحدة من خياراته الفتاكة.

رغم هذا العدد الضخم من الهجمات الكيميائية الموثقة، والقرارات الدولية والبيانات ونتائج فرق التحقيق، إلا أن المجتمع الدولي لم يتمكن من ردع إجرام النظام.

لا عدالة بدون محاسبة

أخذت العديد من الدول الصديقة للشعب السوري على عاتقها مسؤولية الكشف عن المسؤولين عن تلك الهجمات، وملاحقة مرتكبيها والمسؤولين عنها. ولقد كانت دولة قطر دوماً في مقدمة الدول ذات المواقف الأخلاقية، والمتمسكة بالقانون الدولي، والمناصرة لحقوق الإنسان. فقد أكدت في مناسبات متعددة موقفها الثابت في مواجهة الجرائم ضد الإنسانية والمطالبة بتحقيق العدالة. ففي تعليق على تقرير لمنظمة حظر الأسلحة الكيمائية حول جرائم نظام الأسد، أوضحت دولة قطر في بيان صادر عن "وزارة الخارجية" أن هذا التقرير "كشف للعالم مجدّداً بشاعة ووحشية هذا النظام عديم الضمير والإنسانية"، والذي "ما زال مستمراً في سياسة المجازر المروّعة والأرض المحروقة والمدن المدمرة." كما أبدت الخارجية في تعليقها على هذه الجرائم "صدمة دولة قطر العميقة من هول هذه الجريمة المروعة التي هزت ضمير الإنسانية"، وأكدت أن "إفلات مجرمي الحرب في سوريا من العقاب أدى إلى استمرارهم في ارتكاب المزيد من الانتهاكات والفظائع، كما قوّض جهود تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا."

إن دعم دولة قطر الشقيقة للشعب السوري في كافة المجالات الإنسانية والحقوقية والسياسية، كان له الأثر الإيجابي على حياة السوريين، وساهم في تخفيف معاناتهم الجمة عبر مختلف الصعوبات التي مرت بهم على مدى 13 عاماً، كما كانت دولة قطر صوتهم في مختلف المحافل الدولية والحقوقية، وأكدت على أنه لا سبيل للحل في سوريا إلا من خلال الالتزام بالحقوق، وضمان الحياة الكريمة والآمنة التي يستحقها الشعب السوري بعيداً عن الظلم والخوف، عبر تطبيق القرارات الأممية والدولية.

ورغم هذا العدد الضخم من الهجمات الكيميائية الموثقة، والقرارات الدولية والبيانات ونتائج فرق التحقيق، إلا أن المجتمع الدولي لم يتمكن من ردع إجرام النظام، إذ وثق تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان قيام النظام، باستمراره في استخدام الأسلحة الكيماوية بعد إصدار قرار مجلس الأمن رقم 2118، حيث شنّ أكثر من 168 هجوما على مناطق متعددة، وكان أسوأها هجوم خان شيخون العام 2017 والذي أدى إلى استشهاد 100 مدني في وقت واحد.

لجأ نظام الأسد إلى التمادي بجرائمه، وتصنيع السموم الكيميائية القاتلة، فإلى جانب الأسلحة الكيميائية، بات المسؤول الأول عن إنتاج وتصدير مخدر "الكبتاغون".

لن ننسى

إن محاسبة نظام الأسد على جرائمه ليست فقط واجباً تجاه الضحايا وأسرهم فحسب، بل هي أيضاً خطوة ضرورية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة ومنع تكرار مثل هذه الفظائع في المستقبل، ومنح الذرائع للمجرمين لارتكابها. حيث إن التقاعس عن المحاسبة يعزز ثقافة الإفلات من العقاب ويشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم.

فقد لجأ نظام الأسد إلى التمادي بجرائمه، وتصنيع السموم الكيميائية القاتلة، فإلى جانب الأسلحة الكيميائية، بات المسؤول الأول عن إنتاج وتصدير مخدر "الكبتاغون" الفتّاك، والتي أغرق بها المنطقة ودول الجوار بشكل ممنهج وخبيث، فتكون سبباً في هلاك الشباب، ناهيك عن الآثار الكارثية المترتبة عن انتشاره بين أفراد المجتمع.

الثورة مستمرة

عاماً بعد عام، سنعمل على إحياء هذه الذكرى وغيرها من المجازر التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري، والذي لم ولن يتوانى عن مطالبه بوطن حر وكريم، يحفظ للإنسان كرامته وحقوقه، مع إصراره على مواصلة الجهود لاجتثاث نظام الأسد الذي أمعن في الإجرام.

وها نحن نرى اليوم أهلنا في السويداء مازالوا مستمرين في مظاهراتهم السلمية بشكل دؤوب منذ أكثر من عام، متمسكين بروح الثورة السلمية ومطالبها المحقة، واحترام حقوق الإنسان، في مشهد يؤكد بأن "الشعب السوري توّاق للحرية بكل أطيافه، آملاً في إحياء بلادنا سوريا التي طالما كانت منارة للعلم والحضارة .

كما سيظل الشعب السوري وفياً لكل الدول الصديقة وفي مقدمتهم دولة قطر الشقيقة قيادة وحكومة وشعباً، وأحرار العالم، الذين مازالوا يعملون بصدق على مختلف الأصعدة لتحقيق العدالة للسوريين، وبناء عالم أفضل.