تحولات مهام وأهداف مسار أستانة

2023.06.25 | 05:48 دمشق

آخر تحديث: 25.06.2023 | 05:48 دمشق

تحولات مهام وأهداف مسار أستانة
+A
حجم الخط
-A

عادت كازاخستان عن قرارها إنهاء احتضان مسار أستانة، واعتبار الجولة 20 هي الأخيرة التي تستضيفها، لتعلن استعدادها للنظر في إمكانية استئناف محادثات المسار "كبادرة حسن نية"، مشترطة تقديم الأطراف المشاركة طلباً جماعياً لمواصلة المفاوضات في مدينة أستانة، التي تخلصت مؤخراً من اسم "نور سلطان"، الذي فرضه عليها حاكم كازاخستان السابق، نور سلطان نزارباييف.

لا يعني الاستعداد الكازاخي لإعادة النظر في القرار سوى استدراك دبلوماسي، غايته التخفيف من وقعه على الدول المشاركة في مسار أستانة، وخاصة روسيا، لأن حيثيات القرار تكمن في رغبة كازاخستان عدم الانخراط في مواقف مشتركة مع روسيا، وذلك في ظل المتغيرات الدولية التي حملها الغزو الروسي لأوكرانيا، ومحاولة الساسة في كازاخستان النأي بأنفسهم، أو على الأقل اتخاذ موقف أقرب إلى الحياد حياله.

اللافت هو أن القرار الكازاخستاني بالتوقف عن استضافة جولات جديدة من الاجتماعات، جاء بعد أن استضافت أستانة 20 جولة على مدى أكثر من 6 سنوات، وترافق مع دعوة نائب وزير الخارجية الكازاخستاني، كانات توميش، إلى إنهاء المحادثات الثلاثية، بين كل من روسيا وتركيا وإيران، بحجة أن "هدفها قد تحقق"، لكنها لم تلق قبول الساسة الروس، حيث لم يخف مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، عدم موافقته بلاده على القرار الكازاخستاني، معتبراً أن "قرار كازاخستان بتأجيل الاجتماعات بشأن سوريا من أستانة جاء كمفاجأة لكل من روسيا وإيران وتركيا"، مع تأكيده على أن "صيغة أستانة كانت ناجحة، وستستمر، وأكدت حيويتها ونجاعتها". والأهم هو أنها "ليست مرتبطة بمكان معين"، لذا فإن ما تغير هو المكان الذي كانت تجري فيه الاجتماعات، أو بالأحرى "الساحة" التي كان يجتمع فيها اللاعبون، كي يشاركوا في اللعبة وفق القواعد الروسية، وبالتالي، لن يكون صعباً تحديد ّساحة جديدة لمواصلة اللعب الروسي مع كل من اللاعبين التركي والإيراني، وإشراك نظام الأسد، وذلك بعد أن طرأ تغير، حوّل مسار الاجتماعات الثلاثية إلى اجتماعات رباعية، ما يعني تولي مهمة جديدة، تتمحور في استكمال مسار التقارب التركي مع نظام الأسد، لذلك أكد البيان الختامي لهذه الجولة على مواصلة المباحثات المتعلقة بتطبيع علاقات تركيا ونظام الأسد، والدفع بها "على أساس حسن النية، وحسن الجوار، من أجل مكافحة الإرهاب".

ليس صحيحاً أن مسار أستانة جرى تشييده بوصفه منصة تفاوض تكميلية لمسار جنيف التفاوضي، وأن الهدف منه انحصر في حلّ مهام عملية محددة لإنهاء الصراع

لم يأتِ ذكر للجنة الدستورية السورية المسخ، إلا على استحياء في البيان الختامي للجولة 20 من اجتماعات أستانة، وذلك بعد أن بات مجرد الإشارة إليها من طرف الروس يُعدّ إنجازاً بالنسبة للمعارضة السورية المسخ، التي اجتمعت مؤخراً في جنيف لتعلن استعدادها المجاني للتفاوض مع نظام الأسد على كل الملفات، لذا فهي سعيدة بإمكانية عقد الجولة التاسعة للجنة الدستورية خلال شهرين، ولا يهمها المكان الجديد أو الساحة الجديدة، سواء أكانت مسقط أو الكويت أو سواهما، طالما يضمن ذلك دور بعض شخصياتها في التنطع والظهور الإعلامي، كما ليس مهماً بالنسبة إليهم ذكر العملية السياسية وفقاً للقرار الأممي 2254، الذي كان غاية مسار أستانة الأساسية، ومعه اللجنة الدستورية التي اجترحها الساسة الروس، هي ضربه وإفراغه من محتواه، وبالتالي ضرب مسار جنيف التفاوضي الأممي.

ليس صحيحاً أن مسار أستانة جرى تشييده بوصفه منصة تفاوض تكميلية لمسار جنيف التفاوضي، وأن الهدف منه انحصر في حلّ مهام عملية محددة لإنهاء الصراع، فقد تمكن الروس بعد اجتراحهم هذا المسار، وبتواطؤ غربي، من تبريد الجبهات، ثم قضم "مناطق خفض التصعيد" واحدة بعد الأخرى، والإبقاء على إدلب كبؤرة تجميع للفصائل المتشددة والمهجرين قسرياً. كما تمكنوا من إنهاء مسار جنيف التفاوضي، الذي كانت ترعاه الأمم المتحدة، واستبدلوه بمسار أستانة الذي بات بديلاً وحيداً عنه. والأنكى من ذلك هو قبول أفراد وجهات في المعارضة السورية الانصياع لما تريده روسيا، والدخول في اللعبة الروسية القذرة، بوصفهم شهود زور، باعوا أنفسهم من أجل شرعنة مساراتها البديلة، تحت مختلف الحجج والذرائع، التي لا تحجب حقيقة أنهم قدموا خدمات لروسيا في سعيها لإعادة إنتاج نظام الأسد، وبقائها كقوة احتلال للأرض السورية، وأنهم جاهزون للذهاب معها إلى ساحات جديدة لاستكمال ما بدأته في أستانة، حتى وإن كانت تحت سيطرة نظام الأسد.

الجولة الـ 20 من أستانة جاءت بعد موجة تطبيع عربي، وبعد رعاية موسكو عدة اجتماعات أمنية وعسكرية وسياسية لتطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد، لذلك فإن ساسة الكرملين سيواصلون استثمار جنوح تركيا نحو التصالح مع نظام الأسد

كان متوقعاً أن يجري التركيز في أستانة على الاجتماعات الرباعية، وبشكل أكبر على خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد، ما يعني أن مسار أستانة طيّع، ويمكن تغييره وفق ما يريده الساسة الروس بالدرجة الأولى، وتستفيد منه تركيا وإيران ونظام الأسد، وبما يتناسب مع التغيرات التي طرأت مؤخراً، فالجولة الـ 20 من أستانة جاءت بعد موجة تطبيع عربي، وبعد رعاية موسكو عدة اجتماعات أمنية وعسكرية وسياسية لتطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد، لذلك فإن ساسة الكرملين سيواصلون استثمار جنوح تركيا نحو التصالح مع نظام الأسد على مختلف المستويات السياسية، خاصة في علاقتها مع الغرب عموماً، والولايات المتحدة بشكل خاص. لكن ذلك، لا يعني فتح أي أفق في الحل السياسي في سوريا، حيث إن خريطة الطريق التي جرى الترويج لها في اجتماعات أستانة، انحصرت بشكل أساسي في الجانب العسكري والأمني، عبر كلام عام حول تأسيس لجنة تنسيق عسكرية رباعية، تضم ممثلين عن وزارة دفاع كل من تركيا وروسيا وإيران ونظام الأسد، وتوكل إليها مهمة تنسيق التحركات الميدانية، ومتابعة عمليات مكافحة الإرهاب، ومواجهة التهديدات العابرة للحدود. إضافة إلى مسألة فتح المعابر التجارية بين مناطق سيطرة النظام وفصائل المعارضة التابعة لتركيا، والتي سبق أن تعثرت سابقاً.