يعتقد بعض هواة التاريخ بأنَّ أدولف هتلر وصل إلى منصب المستشار، وهو منصب يعادل رئيس الوزراء في الأنظمة البرلمانية، بطريقة ديمقراطية، بمعنى أنه تخطى انتخابات عامة حصل فيها على أغلبية تتيح له الوصول إلى المنصب، ولكن الواقع لم يكن كذلك تماماً، فقد حلَّت ظروف محلية ودولية صاغت تاريخ الحزب النازي، ولعبت الدور الأكبر في اندفاع هذا الحزب وزعيمه نحو الصفوف الأولى، فلم تكن مبادئ هذا الحزب وتطلعاته هي ما جذب أصوات الناخبين، بقدر ما كان طرحه الديماغوجي واعتماده على هندسة انتخابية فعالة قام بها خبراء في حياكة الدسائس والكذب..
كانت ألمانيا أو ما سمي جمهورية فايمار مربوطة بمعاهدة فرساي التي وقِّعت بعد الهزيمة الألمانية في الحرب العالمية الأولى، وفرضت هذه المعاهدة على فايمار شروطا في منتهى القسوة والإهانة، فضلا عن غرامات مالية فاحشة، ولكن ما فجر الغضب الألماني هو تحميلها منفردة تهمة إشعال الحرب والتسبب بكل الدمار الذي حدث، الأمر الذي لم يقبله الألمان ولكن أجبروا على التوقيع عليه.
وكمعظم الحركات الإيديولوجية التي تكون ردات الفعل أساسية في تكوينها وخاصة عندما يتدخل فيها عنصر قومي، نشأ حزب العمال الاشتراكي القومي، وهو يعتنق فكرة قومية شديدة العصبية راقت لكثير من المتطرفين، ووجدوا فيها ما يمكن أن يزيل عنهم عار الهزيمة، ومنهم عريف في الجيش النمساوي نال وسام الصليب الحديدي لشجاعته يدعى أدولف هتلر! الذي تمكن من التسلل إلى زعامة الحزب بما أظهره من تفانٍ وقوة في سبيل فكرته القومية وهو لا بد لديه قدرة خطابية مذهلة، قادرة على جذب الجماهير، ولكن القوة الاجتماعية المحافظة وقفت في وجه مثل هذا الحزب، ونظر إليه الألمان بعين الشك، ومُنع من النشاط السياسي حتى عام 1928، حيث شارك بانتخابات جمهورية فايمار الفدرالية لأول مرة وكانت المفاجأة التي صعقت حتى زعيم هذا الحزب نفسه هي فوز الحزب بما يتجاوز 800 ألف صوت و12 مقعدا في الرايخستاج.
أسقط الاقتصاد الحكومة فدُعيَ إلى انتخابات جديدة في سبتمبر 1930، وفي هذه الانتخابات حلّق الحزب مرة جديدة واستطاع أن يحصل على أكثر من ستة ملايين صوت، وأكثر من 18%
أسس الحزب ذراعاً عسكرية جمعت كلَّ بلطجية وشبيحة فايمار، وكان منهم خريجو سجون ورجال عصابات، ووقف على رأس قوات العاصفة شخص عنيف وشاذ يدعى إرنست روهم، أسهمت هذه الميليشيا في ترويع أعداء الحزب بتنظيم مسيرات ليلية، تحمل المشاعل والأعلام النازية الضخمة، وترتدي لباساً موحداً عرفت به، لونه بني فسميت كتيبة القمصان البنية، كان مرتدو القمصان البنية يحمون الاجتماعات الشعبية التي يخطب فيها هتلر ويجبرون الناس على الحضور، أو يسهمون في تخريب اجتماعات الأحزاب الأخرى، وكانت مساهمتهم العنيفة حاسمة في الحصول على المقاعد الاثني عشر في انتخابات 1928. أسكرت النتيجة الحزب وزعيمه، وزادت من نشاط أعضائه الدعائي العنيف، وجاءت أزمة الاقتصاد العالمي عام 1929 وهو عام الكساد العام الذي جعل ثلث القوى العاملة في جمهورية فايمار بلا عمل وبلا رواتب، وهنا ارتفعت آلة الحزب النازي الدعائية، وجهدُ القمصان البنية في الشوارع، لتحميل معاهدة فرساي المزيد من السخط، مع علو نغمة الاعتماد على الذات..
أسقط الاقتصاد الحكومة فدُعيَ إلى انتخابات جديدة في سبتمبر 1930، وفي هذه الانتخابات حلّق الحزب مرة جديدة واستطاع أن يحصل على أكثر من ستة ملايين صوت، وأكثر من 18% والأهم من ذلك حلوله في المركز الثاني بمئة وسبعة مقاعد خلف الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وجاء الحزب الشيوعي في المركز الثالث، وقد استطاع هذا الآخر أن يتقدم من المركز الرابع الذي كان عليه في الانتخابات السابقة. سنحت الظروف الاقتصادية للحزبين الشيوعي والنازي للصعود أكثر، ولكن الحزب النازي صاحب الذراع العسكرية عرف أن المنافسة قادمة من الشيوعيين على وجه الخصوص فوجه نضاله نحوهم.