غضب رئيس كوريا الشمالية الديكتاتور الشاب "كيم يونغ أون" يوماً على بعض مسؤوليه ومنهم زوج عمته ووزير دفاعه وآخرون ممن كانوا يمسكون مناصب عليا في الدولة، فأعدمهم بطريقة مبتكرة، حيث قام بتجويع عشرة كلاب لبضعة أيام وقذف بأحد مسؤوليه بينهم ليأكلوا لحمه وعظمه، وأطلق على متهم آخر صاروخاً مضاداً للطائرات فتفتت جسده، بينما كان الرئيس الشاب يستمتع بالمشهد.
كانت تهمة أحدهم أنه لم يبد حزناً كافياً في ذكرى موت القائد المؤسس كيم إيل سونغ، أما تهمة الثاني فهي أنه لم يصفق كفاية في إحدى خطابات الديكتاتور الشاب، والتهم الأخرى لا تخرج عن هذا الإطار..
وعلى هذا النسق من أشكال الإعدامات مضى "يونغ أون" يزرع الرعب في قلوب الكوريين الشماليين الذين فهموا أن جوهر الحياة في بلدهم هو مديح الرئيس وتقديسه، ولا مهمة أخرى للمواطن بخلاف ذلك..
ومن الواضح أن نموذج "أون" هو ما يريد بشار الأسد اعتماده كمنهج ثابت في تعامله مع الشعب السوري، صحيح أن جرائمه خلال السنوات العشر السابقة لم تكن أقل وحشية، حيث أبدعت أجهزته الأمنية في ابتكار أنواع لا تعد ولا تحصى من وسائل القتل والتعذيب، إلا أنه فتن بأساليب زميله الكوري الشمالي الذي تفوق على المرجع الأهم والأستاذ الأكبر لبشار الأسد "جوزيف ستالين"، وعلى فلاديمير بوتين ذاته الذي أصبح إجرامه تقليدياً متكرراً.
يبحث بشار الأسد عن الحداثة والإبداع في عالم الإجرام، عن الجديد، عن طرق وأساليب غير مستهلكة، وعن مجرمين سبقوه في ابتداع أشكال جريمة مميزة، ولهذا لم يجد أمامه إلا الوريث الشاب "كيم يونغ أون" رئيس كوريا الشمالية ليعتمده مرجعية عليا تتخطى مرجعية بوتين والولي الفقيه معاً..
حتى وقت قريب، لم يكن لكوريا الشمالية تلك المساحة العريضة في إعلام النظام، رغم العلاقة التاريخية الأسرية التي امتدت منذ أيام الأسد الأب وكيم الجد، وتواصلت مع الأسد الابن وكيم الحفيد، والتي أسفرت عن تزويد كوريا الشمالية للأسد بجزء كبير من السلاح الكيماوي الذي استخدمه ضد السوريين كما تذكر الكثير من المراجع.
غير أن العلاقة بين الوريث بشار الأسد وصنوه وريث الحكم في كوريا الشمالية ازدادت متانة وترابطاً في الفترة الأخيرة، ليس فقط بسبب تشابه ظروف الوريثين الشخصية والعائلية والسياسية، وتشابه الطبيعة الإجرامية بينهما، ولا لأن نموذج كوريا الشمالية بات المثل الأعلى للأسد وخاصة على مستوى التعامل الأمني وفنون القمع المختلفة، بل لأن الأسد لم يعد يثق شديد الثقة بحليفيه التقليديين بوتين وخامنئي، فقد تفضي المساومات السياسية والمزادات الدولية إلى تخلي أحدهما أو كليهما عنه، ولا بد له من تجهيز البدائل استعداداً لأي سيناريو متوقع.
يبحث بشار الأسد عن الحداثة والإبداع في عالم الإجرام، عن الجديد، عن طرق وأساليب غير مستهلكة، وعن مجرمين سبقوه في ابتداع أشكال جريمة مميزة
ولهذا بات إعلام الأسد يبرز دور كوريا الشمالية المحوري في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وفي إيجاد التوازن الذي يضمن عدم انفراد "قوى الشر" بالدول الضعيفة، وإنهاء عصر القطب الواحد وخلق عالم متعدد الأقطاب لا تتحكم فيه أميركا.
يعترف إعلام النظام بالدور الروسي في هذا السياق، ولا ينسى أن ينوه إلى إيران كقوة إقليمية رديفة توظف إمكانياتها أيضاً في مواجهة القطب الأوحد وقوى الشر التي تديره، ولكن تركيزه على دور كوريا الشمالية في الفترة الأخيرة بات أمراً لافتاً، وخصوصاً بعد تلويح الرئيس الكوري باستعداده لإشعال حرب عالمية نووية، الأمر الذي يثلج صدر الأسد، فصديقه "أون" أكثر جنوناً من بوتين ولديه رغبة صادقة واستعداد تام بل وشهية مفتوحة لاستخدام النووي، الأمر الذي يتلاقى مع رغبة الأسد في زيادة خلط الأوراق وزيادة الفوضى العالمية التي يتعيّش الأسد ونظامه على فضلات خلافاتها، فكلما تضخمت مشكلات العالم تحولت قضية الأسد وإجرامه إلى قضية ثانوية أو قضية أقل أهمية، ولكن حرباً نووية ستجعل من جرائم الأسد قضية منسية تماماً، وتتبخر كل الأحلام في محاسبته.
النقطة الأهم التي تجذب الأسد لصديقه الكوري الشمالي هي رغبته في تكوين سلالة حاكمة وما تقتضيه هذه العملية من خبرات عملية لا يمتلكها إلا الوريث الحفيد.
وفي هذا السياق لجأ بشار الأسد في السنوات الأخيرة إلى إعادة هيكلة ما يعرف بالمكتب السري وإسناده إلى القصر الجمهوري، وكل الدلائل تشير إلى تبعيته لأسماء الأخرس بشكل مباشر، لأن مهمة المكتب السري توقفت عند جمع الأموال عن طريق ابتزاز التجار والرّشا والإتاوات وتكريسها في صندوق آل الأسد المالي، وهي خطوة أساسية على طريق "كورنة" سوريا، أي تحويلها إلى كوريا شمالية أخرى، تيمناً بالمكتب ٣٩ التابع للرئيس الكوري والذي يعد بيت ماله الأساسي ومصدر تمويل نزواته واليد الضاربة الباطشة في كوريا الشمالية.
أما الخطوة التالية التي يطمح الأسد إليها فهي محاولته الحصول على السلاح النووي من صديقه الديكتاتور الوريث، فبما أن امتلاك "أون" للسلاح النووي كان الوسيلة الأهم التي ضمنت حماية السلالة الحاكمة في كوريا الشمالية، فليس على الأسد إلا أن يقلد تلك التجربة لضمان نجاح مشروع السلالة الأسدية في سوريا، وهذا يمكن أن يحدث -كما يتخيل الأسد- عبر جنون "أون" وحماسته لأي فعل دموي واستعداده لدعمه، وبالتالي تزويده بمنظومة نووية من شأنها حماية السلالة الأسدية التي يسعى الأسد لتكريسها كطريقة حكم وحيدة في سوريا..
لقد تغيرت أهداف امتلاك الأسلحة النووية جذرياً وتحولت من رغبة الدول في حماية أرضها وحدودها ومواطنيها من التهديدات الخارجية وإقامة توازن رعب مع القوى المعادية، إلى حماية للذات والديكتاتوريات والإجرام والسلالات، وهو ما يسعى الأسد إليه من خلال حالة الغزل الصريح لكوريا الشمالية وقيادتها والتي بدأ في إعلانها على وسائل إعلامه المتعددة، ساعياً لتشكيل وحدة حال مع كوريا الشمالية التي يمكن لها أن تزوده بهذا السلاح بحكم العلاقة القوية التي تربط بين الوريثين -كما يظن الأسد-.
فضلاً عن ذلك، فإن الأسد ومكتبه السري يتعيشان على تجارة المخدرات والكبتاغون، الأمر الذي يثير لعاب رئيس كوريا الشمالية، ويفتح شهيته على مزيد من الدعم للأسد، وهكذا يمكن إسناد وظيفة أخرى للسلاح النووي، غير حماية الديكتاتوريات، وهي حماية جمهورية الكبتاغون، لتشكل عصابات تهريب المخدرات قوة ردع نووية لا يستطيع العالم حيالها فعل شيء، ولا سيما بوجود مجانين مسلحين نووياً ومستعدين لحرق العالم برمته وليس سوريا وحدها انتصاراً للمخدرات..
إنه اتحاد السلالات الحاكمة، المسلحة بفنون الجريمة وقوة الكبتاغون وبالنووي أيضاً، هذا هو طموح الأسد، والذي إن تحقق لن يكون ثمة قطب واحد يتحكم بالعالم، وسيكون على البنتاغون مواجهة جمهورية الكبتاغون قبل أن يفكر في الاستفراد بالقرار الدولي، وعندها سيتحول فلاديميير بوتين إلى موضة قديمة ويتصدر الوارثون المجرمون الشباب قيادة العالم، وهو سيناريو يعتقد الأسد أنه الأكثر قابلية، قابل للتطبيق بعد توهمه الواثق بأنه انتصر..