بشار الأسد في القمة الطارئة.. ضحكات صبيانية على وقع الكارثة

2023.11.15 | 05:56 دمشق

 بشار الأسد في القمة الطارئة.. ضحكات بهاء ومصداقية مفقودة
+A
حجم الخط
-A

قبل أكثر من عشر سنوات، كان زعماء الدول العربية والإسلامية مشغولين بعقد مجموعة من القمم الطارئة لمناقشة جرائم الأسد بحق السوريين، وها هم اليوم يجتمعون لمناقشة جرائم بنيامين نتنياهو بحق الأهالي في غزة، ولكن بحضور بشار الأسد هذه المرة، أي بحضور المجرم ذاته الذي كانوا يجتمعون لإدانة جرائمه قبل عدة سنوات..

لم يكن على زعماء العالم العربي والإسلامي وهم يتأهبون للسفر للمشاركة في اجتماع القمة الطارئة المخصصة لبحث تداعيات الحرب في غزة، أن يتجشموا عناء كتابة كلمات أو خطابات جديدة، فيكفي أن يسترجعوا خطاباتهم التي ألقوها في قممهم التي خصصوها لإدانة جرائم الأسد، وما عليهم سوى تغيير اسم المكان واسم المُدان، فجوهر خطابات الزعماء المشاركين في القمة العربية والإسلامية تركز على المذابح والقصف والدمار والتهجير وقصف المستشفيات والبيوت وتدميرها على رؤوس ساكنيها، واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، وذلك كله مكتوب سلفاً في خطاباتهم السابقة التي تناولوا فيها جرائم بشار الأسد، ويبدو أن هذا هو بالضبط ما فعله القادة العرب، إذ لم تختلف كلمات الإدانة التي استخدموها بحق نتنياهو عن تلك التي استُخدمت سابقاً بحق الأسد..

ولو أحصينا أعداد الضحايا الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل منذ تأسيسها حتى الآن، لما وصلت إلى عدد الضحايا السوريين الذين قتلهم بشار الأسد وحده خلال سنوات الثورة عليه، ناهيك عمن قتلهم أبوه سابقاً، ولو تأملنا حجم الدمار في غزة فلن يكون سوى صورة مصغرة عن حجم الدمار الذي خلفه الأسد في المحافظات والبلدات والقرى السورية، والأمر ذاته ينطبق على أعداد المعتقلين وأعداد المهجرين، رغم أن إسرائيل تتعامل مع الفلسطينيين على أنهم أعداء وليسوا مواطنين تمردوا على نتنياهو..

رغم بشاعة جرائم الاحتلال الإسرائيلي وقسوتها المفرطة، فإن ما ارتكبه الأسد بحق الشعب السوري لم يكن أقل إجراماً، وتلك الجرائم هي بالحد الأدنى سبب كافٍ لاستبعاد الأسد من حضور القمة صوناً لبعض الصِدقيَّة.

وفي الوقت الذي يصل فيه الأسد إلى جدة للمشاركة في القمة التي تدين جرائم إسرائيل، تستمر قواته بقصف مناطق متفرقة في سوريا، وبشكل خاص في إدلب وتوقع ضحايا ودماراً لا يقل عما يحدث في غزة، والذرائع التي تختبئ وراءها إسرائيل هي ذاتها الذرائع التي يعتمدها الأسد، فكلاهما يدّعيان محاربة الإرهاب، فكيف لمن يقتل هنا أن يعترض على قتل هناك؟

إن حضور الأسد للقمة العربية الإسلامية حوّل الاجتماع الجادّ إلى مشهد كوميدي، إلى صورة كاريكاتورية مشوهة مفعمة بالسخرية، إلى جملة مفككة لا يمكن قراءتها

لم يتغير شيء في الواقع السوري يمكن أن يكون مبرراً للعرب لطيّ صفحة الأسد الإجرامية، لم يكتشف العرب أن جرائم الأسد كانت مجرد خيالات أو ادعاءات ثبت أنها باطلة مثلاً، وسجلّ جرائم الأسد لا يزال مفتوحاً يخرق عين كل من يحاول إنكارها، ومع ذلك لم يتردد العرب بدعوته والقبول بحضوره في قمة من المفترض أنها تنتصر للضحايا، تنتصر للشعوب وحقها في الحياة وتقف ضد الظلم والإجرام..

إن حضور الأسد للقمة العربية الإسلامية حوّل الاجتماع الجاد إلى مشهد كوميدي، إلى صورة كاريكاتورية مشوهة مفعمة بالسخرية، إلى جملة مفككة لا يمكن قراءتها، ومجموعة من الأحرف يستحيل تجميعها في عبارة تنتظم في سياق ذي معنى، فحضور مجرم حرب لاجتماع يدين مجرم حرب آخر يفقد الحالة برمّتها صدقيَّة نيّاتها، على افتراض أن ثمة نيّات حقيقية لفعل شيء من العرب تُجاه القطاع المنكوب.

وأياً كانت مبررات العرب وظروفهم التي حتمت عليهم دعوة الأسد إلى هذه القمة بالذات، فإنها لن تقنع الجمهور العربي بصدق تلك النيات، بل إنها ستكون مَدعاة شكوك لا تنتهي لأبناء غزة ذاتهم الذين يَعُون جيداً ما يعنيه ذلك الحضور ومدى الضرر الذي يلحقه بمأساتهم..

وإذا تجاوزنا هذه النقطة -التي لا يمكن تجاوزها- فستواجهنا المشكلة الأكبر التي تكشف عن مدى ورطة الزعماء العرب في استقبال الأسد في هذه القمة العربية الإسلامية، وتتمثل في موقف الأسد ذاته من العرب والمسلمين، فقد أعلن الأسد صراحة انشقاقه عن كليهما خلال سنوات الثورة، اتهم العرب ذاتهم الذين يقودون هذه القمة الأخيرة بشتى الاتهامات وعاداهم لسنوات طويلة -باستثناء الدول العربية التي دعمته وتوافقت مع روايته- وأعلن ولاءه للفرس والروس واعتبرهم حليفاً بديلاً عن العرب، وأكد ذلك في كلمته التي ألقاها في القمة العادية التي انعقدت في جدة أيضاً منذ عدة أشهر، والتي أثارت استياءً كبيراً حينذاك، فمن أين له اليوم أن يشارك في قمة تناقش شأناً عربياً صِرفاً.

أما عن البُعد الإسلامي، فقد أمضى الأسد سنوات ليثبت أنه يحارب الإسلاميين وتحديداً الإخوان المسلمين، وحارب الثورة السورية بكل عنف تحت ذريعة ارتباطها بالإخوان، فكيف يمكن للدول الإسلامية استقباله باعتباره يمثل دولة ذات طابع إسلامي؟

وإذا توقفنا عند حركة حماس التي قادت الهجوم على إسرائيل، فسنجد أنها حركة تنتمي مباشرة وصراحة إلى الإخوان المسلمين الذين يعتبرهم الأسد أعداءه اللدودين، الأمر الذي يعمّق الإحساس بكذب نيات الأسد واستعداده للمتاجرة بالقضايا بصرف النظر عن موقفه الحقيقي منها.

وبعيداً عن هذه الاعتبارات، فإن ضحكات الأسد التي أطلقها في وجه مستقبليه منذ لحظة وصوله، كانت تكفي سبباً لطرده، فليس ثمة مبرر للفرح والسعادة على خلفية المأساة الفلسطينية، يمكن لأي رئيس أن يطلق ابتسامات مجاملة، ولكن ضحكات الأسد الصبيانية عبّرت عن فرحة كبيرة وكشفت مدى غياب إحساسه بالألم وزيف نيّاته.

في هذا السياق لا يمكننا أن نستبعد مشاعر الفرح التي تنتاب بشار الأسد على خلفية أحداث غزة، على الأقل كونها صرفت الاهتمام الإعلامي عما يحدث في السويداء، فضلاً عن أنها كانت سبباً لخروجه من جحره، وفرصة على ما يبدو لتناول المرطبات في جوّ السعودية الحارّ.

إذا كانت إعادة الأسد إلى الجامعة العربية بهدف إعادة تدويره خطأً كبيراً وإهانة بحق السوريين، فإن دعوته لحضور القمة الطارئة كان خطأً استراتيجياً من شأنه أن يذهب بما تبقى من مساحة الاحترام للزعماء العرب لدى شعوبهم

إن الإدانات التي وجهها الزعماء العرب إلى إسرائيل في القمة العربية الإسلامية في حضور بشار الأسد، أمر من شأنه أن يعطي انطباعاً واحداً للجمهور العربي يتلخّص في إمكانية نسيانهم لإداناتهم تلك بعد فترة من الزمن، وإمكانية قبولهم بحضور نتنياهو قمة عربية يشارك فيها في إدانة مجرم آخر، وأن جرائم إسرائيل الحالية قابلة للسقوط من الذاكرة، وأن من الممكن إعادة النظر من قبل العرب بنتنياهو وطيّ جرائمه تماماً كما استطاعوا نسيان جرائم الأسد.

إذا كانت إعادة الأسد إلى الجامعة العربية بهدف إعادة تدويره خطأً كبيراً وإهانة بحق السوريين، فإن دعوته لحضور القمة الطارئة كان خطأً استراتيجياً من شأنه أن يذهب بما تبقى من مساحة الاحترام للزعماء العرب لدى شعوبهم، أما الأسد فإنه يعزز حالة انفصاله عن الواقع وتركيزه في مشروعه الوحيد وهو البقاء في السلطة على حساب أي شيء آخر، ولو كان الأسد حريصاً على غزة وعلى فلسطين، لرفض حضور تلك القمة لكي لا يفسد ثقة الجمهور العربي بزعمائه، ولكي لا يترك ذريعة لنتنياهو يكرر من خلالها أن ما فعله ويفعله في غزة، لا يوازي جزءاً مما فعله الأسد في سوريا.