النظام المفلس والمنقذ الصيني

2023.10.01 | 06:00 دمشق

النظام المفلس والمنقذ الصيني
+A
حجم الخط
-A

برغم الضجيج الإعلامي الذي حاول إثارته إعلام نظام الأسد، والإعلام اللبناني المرتبط به، حول مدى أهمية زيارة رئيس النظام بشار الأسد الى الصين، وما تخللها من توقيع اتفاقيات للتعاون "الاستراتيجي" كما وصف، إلا أن المعطيات على الأرض ربما لا تبشر بالكثير لكلا الجانبين.

وبالنسبة لنظام الأسد، من المفهوم جيدا أنه يبحث عن المال عبر الدعم الاقتصادي والاستثمارات، لأنه يحظى بالفعل بالدعم السياسي من جانب الصين التي اعتادت الاصطفاف خلف روسيا في المحافل الدولية في تأييدها لنظام الأسد واستخدمت معها حق النقض (الفيتو) 8 مرات في مجلس الأمن لمنع تمرير قرارات ضد النظام. أما الدعم الاقتصادي المنشود، فمن غير الواضح أين سيصرف في سوريا التي حولها نظام الأسد بعد 12 عاما من الحرب على شعبه إلى أرض يباب، ووزع ما لم يستطع نهبه من خيراتها على حليفيه الروسي والإيراني، ولم يبق ما يعطيه للحليف الصيني كونه لم يرسل قوات تدعم النظام على الأرض، ومن لم يحضر القسمة تضيع حصته. ولو افترضنا جدلا أن الصين، بحكم ما تملك من فائض مال، وهي تبحث بالفعل في كل أنحاء العالم عن مناطق صالحة للاستثمار، أرادت أن تستثمر في سوريا، وفي القطاعات التي يحتاجها النظام وخاصة الطاقة والكهرباء، فهناك أولا شكوك في الجدوى الاقتصادية لهذا الاستثمار لأننا نتحدث عن دولة مفلسة (أو هكذا تدعي) وشعب يعيش معظمه تحت خط الفقر ويعتاش على المساعدات الخارجية، هذا فضلا عن القيود القانونية والسياسية المرتبطة بالعقوبات المفروضة على النظام أميركيا وأوروبيا، مما يعرض الشركات الصينية لأضرار جسيمة في حال قررت خرق هذه العقوبات التي ردعت دولا أخرى مثل الإمارات عن المضي قدما في مشاريع كانت أعلنت عنها سابقا في سوريا.

ليس لدى نظام الأسد ما يقدمه للصين سوى بعض المنتجات الزراعية التي ستتضاعف تكلفتها نظرا لبعد المسافة بين البلدين، وهي لا تشكل كميات مهمة بالنسبة لدولة عدد سكانها 1.5 مليار نسمة

وفي كل حال، إذا قررت الصين إظهار بعض التحدي للعقوبات الغربية، أو حاولت الدخول عبر بوابة مشاريع "التعافي المبكر" التي تقرها الأمم المتحدة، وهي ليست مشاريع تجارية أو ربحية، فالأرجح أن الاستمارات هناك ستكون محدودة للغاية، وقد تركز على دعم بعض جوانب العملية الزراعية أو بعض الصناعات الغذائية. وفي المقابل، ليس لدى نظام الأسد ما يقدمه للصين سوى بعض المنتجات الزراعية التي ستتضاعف تكلفتها نظرا لبعد المسافة بين البلدين، وهي لا تشكل كميات مهمة بالنسبة لدولة عدد سكانها 1.5 مليار نسمة.

وبالنسبة لانضمام النظام إلى "مبادرة الحزام والطريق" التي تروج لها الصين منذ سنوات، ووقعت اتفاقيات بشأنها مع أكثر من مئة دولة، فإن موقع سوريا من المبادرة هامشي، حتى لو تحركت مراحلها على الأرض، علما أن في كل دولة تمر بها الطرق المختلفة للمبادرة ثمة مشكلات جمة مالية وسياسية وجيوستراتيجية .. الخ والخط المقرر أن يمر عبر سوريا ولبنان لم يقطع أية مرحلة في المحطة السابقة أي العراق بسبب اعتراضات أميركية ومشكلات في التمويل والأولويات، فضلا عن المشكلات التي يواجهها في المحطات السابقة مثل إيران وباكستان، خاصة أن المبادرة تقتضي بأن تتكفل كل دولة بإنجاز الربط السككي ضمن أراضيها، ويمكن للصين أن تقدم فقط قروضا ميسرة في هذا الصدد، وهو ما يحذر منه القادة في الغرب، بأن الصين تستهدف إغراق هذه البلدان بالديون، ولذلك طرحوا المبادرة البديلة التي تنطلق من الهند وتنتهي بفلسطين المحتلة، ومنها إلى أوروبا، وتشتمل على الربط السككي والكهربائي والمعلوماتي والطاقة النظيفة.

ومن هنا، فإن الآمال المبالغ فيها التي يعلقها نظام الأسد على الصين، أو يروج لها، لا تستند إلى حقائق قوية، بقدر ما هي وهم جديد يبيعه للسوريين في الداخل المتذمرين من تردي الوضع الاقتصادي، بأن التنين الصيني قادم، وسيكون هو المنقذ، لسوريا، فالصين لا تخشى تحدي العقوبات الأميركية، ولن تتراجع كما تراجع العرب.

وفي هذا السياق، نشرت وكالة "نوفوستي" الروسية قبل أيام معلومات عن "مصدر مطلع" بأن العقوبات الأميركية ضد نظام الأسد، حالت دون إعادة دمج سوريا في المنظومة العربية، وكانت السبب في وقف الاتصالات العربية مع النظام، وذلك على الرغم من عودة النظام الرسمية إلى الجامعة العربية.

ليس في جعبة النظام في دمشق ما يقدمه للصين، ولا للشعب السوري، لأنه يعيش حالة عطالة سياسية وأخلاقية، بعد أن دمر البلاد ونهبها، ورهن ما تبقى من مواردها لحلفائه الإيرانيين والروس

وبطبيعة الحال، تلقف إعلام النظام هذه "المعلومات" التي من غير المستبعد أن يكون مصدرها النظام نفسه، بغية القول إن العرب نكثوا بتعهداتهم له، ولم يستكملوا خطوات التطبيع المستهدفة خاصة على صعيد الاستثمارات والدعم المالي، وليس السبب هو مماطلة النظام وعدم إيفائه بتعهداته التي وافق عليها في عمان وجدة بشأن القيام بخطوات ملموسة في بعض الملفات الحيوية المتصلة بالحل السياسي في سوريا وفق القرارات الدولية ذات الصلة، مثل تسهيل عودة اللاجئين السوريين، والابتعاد التدريجي عن إيران وميليشياتها، فضلا عن محاربة المخدرات العابرة للحدود.

وخلاصة القول، ليس في جعبة النظام في دمشق ما يقدمه للصين، ولا للشعب السوري، لأنه يعيش حالة عطالة سياسية وأخلاقية، بعد أن دمر البلاد ونهبها، ورهن ما تبقى من مواردها لحلفائه الإيرانيين والروس، ولا يضع نصب عينيه سوى هدف واحد وحيد، هو البقاء على كرسي الحكم لأطول فترة ممكنة، مهما كان الثمن.