يبلغ طول الشريط الحدودي بين العراق وسوريا أكثر من 610 كم، وأطولها يقع على الحدود الفاصلة لمدينة الأنبار الغربية مع سوريا (325 كم) فيما تحتفظ مدينة نينوى (الموصل) الشمالية بشريط حدودي يبلغ 285 كم.
ويرتبط العراق مع سوريا بثلاثة منافذ حدودية هي الوليد وربيعة والقائم الذي أعيد افتتاحه نهاية العام 2019 بعد أن أغلق تماما بعد الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003.
ولقد وقع العراق بعد العام 2003 ضحية الإرهاب والخراب الدموي والنفسي والفكري للوطن والمواطنين وبالذات عبر الإرهاب الأسود والمخدرات القاتلة التي كانت تأتي من كل حدب وصوب وبالذات من إيران وسوريا.
وسنحاول هنا تسليط بعض الضوء على المخدرات المهربة للعراق من الحدود السورية، ونبين القوى الأبرز الماسكة لهذا الملف الخطير، وما هو دور النظام السوري في هذه الحرب الخطيرة على العراقيين.
يعاني المجتمع العراقي منذ قرابة عقدين من الزمان من تنامي وتفشي ظاهرة المخدرات لدرجة لا يمكن تغافلها، وقد كشف وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي في تصريحات رسمية نهاية العام 2021 أن نسبة الشباب المتعاطين للمخدرات وصلت إلى 50%، وهذا يعني أننا نتحدث عن قرابة خمسة ملايين مواطن عراقي يتعاطون المخدرات!
وبعيدا عن الآثار الجسيمة للمخدرات على صحة الإنسان العراقي الجسدية والفكرية وآثارها القاتلة للتعايش المجتمعي ونخرها للروابط العائلية فإن النظام السوري والعصابات المسلحة الفاعلة في العراق ولبنان وسوريا هي المسؤول الأول عن هذه الكارثة الوطنية، وتعتبرها من مصادر التمويل الكبرى لها!
ومنذ الثورة السورية، قبل 12 عاما، ضد نظام بشار الأسد وانخراط بعض الميليشيات العراقية للقتال بجانب قوات النظام السوري أبيحت الحدود العراقية السورية بشكل واضح بحجة نقل الأسلحة وتقديم الدعم (المتنوع) للمقاتلين التابعين للنظام، والحقيقة أنها كانت فرصة كبيرة لفتح باب التهريب عموما والمخدرات خصوصا من سوريا إلى العراق!
وتتنوع الممنوعات ومن بينها المخدرات المهربة من الداخل السوري إلى العراق، وتعتبر حبوب الكبتاغون المخدرة، ومخدر (الأتش بوز) (أو كريستال ميث) من أبرز المخدرات الواردة للعراق، وتنقل غالبا عبر الآليات العسكرية والمدنية التابعة للجماعات المسلحة والتي لا تخضع لأي تفتيش خلال خروجها ودخولها للعراق!
الحدود غير المنضبطة ما بين العراق وسوريا دفعت أو شجعت العصابات لتطوير تجارتها القاتلة (المخدرات)
وقد سبق لمديرية مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية العراقية تأكيدها منتصف شباط/ فبراير 2022 أن "مادة الكريستال والحشيشة" أكثر المخدرات وجوداً في العراق وهي تدخل للعراق نحو محافظتي ميسان والبصرة قادمة من إيران، فيما تدخل حبوب الكبتاغون والمؤثرات العقلية عن طريق سوريا نحو محافظة الأنبار!
وقد تطورت طرق نقل تلك المخدرات بحيث ذكرت مديرية مكافحة المخدرات العراقية أنها تدخل البلاد أحيانا محمولة بطائرات الدرون (المسيرة)!
ويبدو أن الحدود غير المنضبطة ما بين العراق وسوريا دفعت أو شجعت العصابات لتطوير تجارتها القاتلة (المخدرات)، ولاحظنا أن سلطات الحدود العراقية تمكنت يوم (11/3/2023) من إحباط عملية تهريب أكثر من ثلاثة ملايين حبة مختلفة الأنواع كانت مخبأة داخل صناديق تحوي فاكهة التفاح محملة داخل سيارة براد كبيرة.
وهذه الكمية ربما هي الأكبر المضبوطة عبر الحدود بين البلدين ولا أحد يعلم كميات المخدرات المهربة للعراق منذ أكثر من عشر سنوات وحتى اليوم!
وهذه ليست المحاولة الأولى لتهريب المخدرات بهذه الكميات الضخمة، ولكنها المحاولة الفاشلة الأبرز أو الأكبر التي تمكنت السلطات العراقية من إفشالها!
وسبق لسلطات الحدود العراقية أن أحبطت نهاية العام 2022 (27/12/2022) محاولة إدخال مليون حبة مخدرة إلى داخل العراق عبر محافظة الأنبار غربي البلاد!
والغريب أن غالبية المهربين للمخدرات السورية (الكبتاغون) هم من العراقيين فيما القلة القليلة الأخرى من السوريين، وفقا لتصريحات الحكومة المحلية في محافظة الأنبار الغربية، وهذا يؤكد وجود تنسيقات مسبقة مع أطراف متنفذة في الحد العراقي!
وقد تداولت مواقع إلكترونية (يوم 27/10/2022) شريط فيديو، يظهر سيارة عسكرية تابعة لقوات "حزب الله" العراقي، محملة بمادة "الكريستال ميث" ويسمى أيضا (الشبو، أو الأتش بوز)، متجهة من سوريا إلى العراق عبر معبر "السكك" غير الشرعي، في قرية "الهري" بمدينة البوكمال السورية!
وذكر تقرير لمعهد "دول الخليج العربي في واشنطن"، (17 آذار 2022)، "تمكن تجار المخدرات من تهريب ملايين حبوب الكبتاغون من سوريا والتي تسبب الإدمان إلى محافظة الأنبار العراقية الغربية، ومن هناك إلى محافظات أخرى"!
ويبدو أن النظام السوري جعل من تجارة المخدرات المورد الأكبر لتمويل نظامه، وقد كشف تقرير صادر عن معهد "نيو لاينز" ومقره في واشنطن وأعده الباحثان كارولين روز والكسندر سودرهولم، ونشرته وكالة فرانس برس بداية نيسان/ أبريل 2022 "تورط أفراد من عائلة رئيس النظام السوري بشار الأسد وكبار أركان نظامه وحزب الله اللبناني في تصنيع الكبتاغون وتهريبه".
وبين التقرير بأن "سوريا كانت تعد المصدر الأبرز لتلك المادة منذ ما قبل اندلاع الحرب عام 2011، إلا أن النزاع جعل تصنيعها أكثر رواجاً واستخداماً وتصديراً، حتى باتت قيمة صادرات الكبتاغون تفوق بأشواط الصادرات الشرعية، ما جعل سوريا تصنّف على أنها دولة مخدرات".
إن تجارة وتصنيع المخدرات في مصانع تابعة للنظام السوري تعتبر من أهم الموارد المالية الضخمة لموازنات النظام
وبحسب تحقيق أجرته صحيفة (نيويورك تايمز) ونشرته نهاية العام 2021 بناءً على مقابلات مع مسؤولين إقليميين وضباط منشقين، فإن "اللواء غسان بلال، رئيس المكتب الأمني/ ضابط الأمن للفرقة الرابعة التي يرأسها ماهر الأسد (شقيق رئيس النظام السوري) يدير شبكة تصنيع وتهريب وحماية المختبرات، بالإضافة إلى تسهيل نقل المخدرات إلى ميناء اللاذقية والدول المجاورة"!
إن تجارة وتصنيع المخدرات في مصانع تابعة للنظام السوري تعتبر من أهم الموارد المالية الضخمة لموازنات النظام، وذلك كونها سهلة التصنيع وكذلك سهولة تهريبها إلى العراق وغيره من البلدان!
ومع هذه الحقائق القطعية يفترض أن تسعى حكومة بغداد إلى ضبط الحدود العراقية – السورية والعمل على منع جعل العراق سوقا لتجارة المخدرات السورية لأنها مؤامرة كبيرة على العراقيين كون مادة الكبتاغون المخدرة تعتبر رخيصة قياسا بالأنواع الأخرى من المخدرات، ولهذا يمكن أن تكون المادة القاتلة الأكثر رواجا في الأسواق العراقية!
يفترض إيقاف هذه الآفات القاتلة للعراقيين لأنها لا تختلف عن الإرهاب لأنهما (الإرهاب والمخدرات) يستهدفان المواطن العراقي وبالنتيجة حاضر الوطن ومستقبله!
فمن يمكنه إيقاف تدفق المخدرات السورية واللبنانية والإيرانية إلى العراق؟