يُعدّ الشريط الحدودي الفاصل بين العراق وسوريا، والذي يقدّر طوله بأكثر من (600) كم من أكثر المناطق رخاوة وضياعاً لسيطرة الجانبين العراقيّ والسوريّ (المتعمّدة أحياناً)، وبالذات في الجانب الأمنيّ!
هذه الحدود غير المسيطر عليها، والمحاذية لاثنين من كبريات المحافظات العراقيّة، الأنبار بحدود (325 كم)، ونينوى بحدود (285 كم)، تضمّ ثلاثة منافذ حدوديّة رسميّة، وهي ربيعة (العراق) – اليعربية (سوريا)، والقائم (العراق) – البوكمال (سوريا)، والوليد (العراق) – التنف (سوريا)!
وفي نهاية أيلول / سبتمبر 2019، أعيد افتتاح معبر القائم – البوكمال بعد أكثر من خمس سنوات من الإغلاق بسبب سيطرة تنظيم (الدولة) عليه في العام 2014.
وفي 13/ سبتمبر/ أيلول 2020 كشف المتحدث باسم "قيادة العمليّات المشتركة"، اللواء يحيى رسول، بأنّه تمّ إجراء تحصينات جديدة على طول الحدود المشتركة بين العراق وسوريا، وأنّ الأمن على الحدود يتمّ مسكه من قبل قوّات مشتركة تضمّ الجيش العراقي، والحشد الشعبي، وحرس الحدود، وهنالك الكثير من التحصينات والمتمثّلة بالخنادق، والسواتر الترابيّة، والأسلاك الشائكة، وأبراج مراقبة، والكاميرات الحراريّة"!
الوقائع على هذه الحدود تشير إلى أنّ غالبيّة قوّات الحشد الشعبيّ الموجودة في تلك المناطق الشاسعة متّهمة بعمليّات تهريب منظّمة من وإلى سوريا، وقد وصلت عمليات التهريب إلى مرحلة العمل العلنيّ حسبما أشارت العديد من التقارير، بعد أيّام فقط من افتتاح معبر القائم – البوكمال!
عمليّات التهريب تتمّ كما ذكرت صحيفة "العربيّ الجديد" من "خلال ميليشيات مسلّحة معروفة بارتباطها الوثيق مع إيران، وأبرزها كتائب حزب الله العراقيّة، وميليشيا لواء الطفوف، وميليشيا سيّد الشهداء، وميليشيا النجباء. وتجري عمليّات التهريب عبر ما يعرف بالكسّارات، وهي المكان الذي يتمّ فيه عبور الشاحنات عبر إحداث فتحة بالأسلاك الشائكة الفاصلة بين البلدين وسواتر ترابيّة وضعت بدل القديمة التي جرفها تنظيم "الدولة" عام 2014"!
عمليّات التهريب بين العراق وسوريّا تَدرّ على الميليشيات الفاعلة ما لا يقلّ عن خمسين مليون دولار شهريّاً
وفي بداية آب/ أغسطس 2019، أشارت تقارير صحفيّة إلى أنّ "الشاحنات المتوقّفة على الطريق الدوليّ قرب القائم غربيّ الأنبار، كانت تتزاحم لتهريب الخضراوات والسجائر والأدوية والأغنام والأجهزة الكهربائيّة، ومحولات وأسلاك الكهرباء المسروقة من العراق وتنقل إلى سوريا، بالإضافة إلى صهاريج البنزين وزيت الغاز، الذي يتمّ تهريبه من خلال معبر القائم"!
بعض التقارير الصحفيّة وبعض المسؤولين العراقيّين أكدوا أنّ "عمليّات التهريب بين العراق وسوريّا تَدرّ على الميليشيات الفاعلة ما لا يقلّ عن خمسين مليون دولار شهريّاً"!
وتعتبر إيران الحدود العراقيّة السوريّة منفذاً استراتيجيّاً لنقل مقاتليها من الإيرانيّين وغيرهم إلى الداخل السوريّ، وربّما حتّى إلى لبنان؛ لأنّها من المناطق الرخوة أمنيّاً وإداريّاً، ويمكن عبرها تهريب الأشخاص والبضائع والمعدّات العسكريّة!
وفي منتصف آب/ أغسطس 2020 نقلت قناة الحرّة الأميركيّة عن مصدر في الحشد العشائريّ في منطقة القائم الحدوديّة قوله: إنّ "الحدود مع سوريّا هشّة بشكل كبير، بسبب سيطرة ميليشيا كتائب حزب الله على معبرين حدوديّين غير رسميّين، تدير من خلال أحدّهما وهو معبر السكك، تنقّلات الأفراد والبضائع والأسلحة من وإلى سوريّا، فيما تحتفظ بالثاني، وهو معبر السنجك النهريّ، لتعاملاتها الخاصّة".
وقال المصدر، الذي يرتبط بصلات مع أشخاص في سوريّا، إنّ "عمليّات تهريب البشر ازدادت بشكل كبير بعد أن شهدت انخفاضاً خلال الأسابيع الماضيّة، بسبب الرفض الشعبيّ لعودة عوائل تنظيم "الدولة" المحتجزين في مخيّم الهول إلى العراق، والهجمات التي نفّذت لتخويف هذه العوائل، والتي أدّت إلى رجوع بعضها إلى سوريّا، وجميع هذه الضغوط أسهمت برفع الطلب على خدمات المهرّبين، وارتفاع أسعار نقل أفراد تلك العوائل إلى 500-1500 دولار للفرد، بحسب أهمّيّته، أو المكان الذي يطلب النقل إليه"!
وتختلف الإتاوات التي تفرضها تلك الميليشيات على تهريب ونقل تلك البضائع خارج إطار القانون، وهي لا تقلّ عن مئة دولار لعبور الشاحنة الواحدة باتّجاه سوريّا، فيما تختلف عمليّات نقل البشر بحسب أهمّيّة الشخص، وهي تتراوح ما بين 500 إلى 2000 دولار، وأنّ تهريب النفط يكلّف ما لا يقلّ عن 1500 دولار للشاحنة الواحدة، إذا ما تحدّثنا عن مئات الصهاريج المهرّبة يومياً، وبالمقابل يستفيد النظام السوريّ من النفط المهرّب إذ يباع له بما لا يزيد على 20 دولارا للبرميل الواحد!
وتستخدم الميليشيات، وفي مقدّمتها كتائب حزب الله العراقيّ، ومنظّمة بدر، وعصائب أهل الحقّ وغيرها، هذه المعابر لتمويل عمليّاتها ولتنمية المصالح الشخصيّة لزعمائها!
وهنالك تقارير صحفيّة أخرى تتحدّث عن أنّ "الجانب الأميركيّ سلّم بغداد معلومات وتفاصيل عن نقل أكثر من 3 ملايين دولار شهرياً إلى سوريّا عبر بنوك عراقيّة، من قبل شخصيّات وجهات لها صلة بميليشيات عراقيّة مسلّحة تمتلك أجنحة تقاتل في سوريّا، وسط توقّعات بأنّها مرتبات عناصرها، أو نفقات أنشطتها المسلّحة هناك"!
سيطرة نظام الأسد على الشريط الحدوديّ شبه غائبة، وإنّ حكومة بغداد بالمقابل تقف عاجزة أمام هذا الخراب الإداريّ
وجرائم التهريب المختلفة تُجرّمها القوانين العراقيّة والسوريّة، وأهمّها عمليّات تهريب البشر والمخدّرات والبضائع المُدخلة بطرق غير قانونيّة بين البلدين!
ونلاحظ هنا أنّ سيطرة نظام الأسد على الشريط الحدوديّ شبه غائبة، وأنّ حكومة بغداد بالمقابل تقف عاجزة أمام هذا الخراب الإداريّ، وعن حسم هذا الملفّ الخطير على الرغم من ملايين المقاتلين الرسميّين، ولهذا نجدها شبه مستسلمة للواقع بسبب قوّة الميليشيات ونفوذها العسكريّ في الميدان، والسياسيّ داخل البرلمان، وعموم مؤسّسات الدولة!
ومقابل (التغليس الرسميّ العراقيّ والسوريّ) عمّا يجري في المناطق الحدوديّة بين البلدين نجد أنّ الجانب الأميركيّ، أو حتّى الإسرائيليّ، وجهوا العديد من الضربات القاتلة بالطائرات المسيّرة لمعسكرات الميليشيات العراقيّة وغيرها بالقرب من الحدود السوريّة في عمليّات عُدت على أنّها لتقطيع أذرع تلك الميليشيات، وتحجيم عمليّات تهريب البشر والمخدّرات إلى الأراضي العراقيّة!
وآخر تلك الهجمات ما أكّدته العديد من الوكالات العراقيّة والعربيّة، في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 بخصوص مقتل (مسلم شهدان)، أحد قادة الحرس الثوريّ الإيرانيّ حيث قُتل داخل الأراضي السوريّة قرب الحدود العراقيّة، بعد أن "أنهى اجتماعاً مع قيادات في الحشد الشعبيّ داخل الأراضي العراقيّة".
أتصوّر أنّ الحدود العراقيّة - السوريّة ستبقى غير مستقرّة، وغير مريحة بسبب وجود أكثر من 10 آلاف مقاتل من تنظيم "الدولة" ما زالوا نشطين بين البلدين، وأنّ هجماتهم زادت بشكل كبير هذا العام بحسب ما أكّد فلاديمير فورونكوف، مسؤول مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتّحدة نهاية آب/ أغسطس 2020.
وفي ضوء هذا الواقع المظلم والفواعل الداخليّة والخارجيّة القويّة أتوقّع أنّ عمليّات التهريب المتنوعة بين البلدين لا يمكن السيطرة عليها طالما هنالك (تغليس رسميّ) مشترك، وبقاء (الدور الفاعل) للميليشيات المتّهمة بالتدمير في تلك المنافذ؛ ولهذا مَنْ يُريد أن يقضي على جرائم تهريب البضائع والبشر عليه أن يُسلّم المنافذ الحدوديّة لقوات وطنيّة تمتلك القوّة الحقيقيّة التي لا تُرهبها قوّة الميليشيات، وهذه القوّات، حتّى الساعة، غير موجودة بسبب استمرار (المجاملات الحكوميّة العراقيّة والسوريّة) للميليشيات والمستفيدين منها، والفوائد الماليّة غير المعلنة لكلا الحكومتين!