اعتاد السوريون تضارُبَ القوانين والتعتيمَ الإعلاميَّ على أهداف السلطات الاقتصادية المالية الحاكمة في سوريا، وسَنَّ تشريعاتٍ تخدم فئة محددة تربطها علاقات وطيدة مع القصر الجمهوري.
لم يكن لحاكم مصرف سورية المركزي أن يعوّم الليرة السورية لأنه سيُفاجأ بانهيار مذهل يشابه انهيار الليرة اللبنانية التي هبطت بعد تعويمها من 1500 إلى 60,000 ليرة لبنانية للدولار الواحد خلال أقلّ من ثلاث سنوات، والوضع القائم في سوريا هو أخطر وأسوأ بكثير مما هو في لبنان التي تعيش بلا حكومة وبلا رئيس، ويعد انهيار اقتصادها واحداً من أخطر ثلاثة انهيارات مالية منذ عام 1850 إلى اليوم بحسب مجموعة البنك الدولي.
ما فعله المصرف المركزي مؤخرا هو أنه لم يستطع مقاومة السعر المتوفر في السوق السوداء وهو 6650 ليرة وإلا فسوف يمتنع الجميع وخاصة التجار والصناعيين عن إرسال حوالاتهم عن طريق المصرف المركزي وسيكتفون بالطرق التجارية الملتوية من أجل الالتفاف على المرسوم السيءئ الذكر رقم ٣ عام 2020 والذي يمنع تداول القطع الأجنبي في سوريا، وكان ذلك المرسوم هو بمنزلة انتحار اقتصادي للنظام، وأعتقد أن من أشار على نظام الأسد بتوقيع ذلك المرسوم لن يبقى في موقعه الوظيفي سواء أكان وزيرا أم حاكما للمصرف المركزي أم مجرد مستشار اقتصادي؛ لأنه كان سبب الهلاك الأكبر لمراكز الصرافة السورية فقد عطّل تحويل مليارات من الدولارات إلى السوق السورية وعطّل النشاط الاقتصادي من بعده، فهو بمنعه هبوط العملة قتل النشاط الاقتصادي متبعا مقولة "عبقرية " "معالجة المرض بقتل المريض".
إن تعويم الليرة السورية غير وارد الآن وحاكم المصرف المركزي رفع فقط سعر شراء الدولار بغرض تسليم الحوالات الشخصية الواردة من الخارج بالعملة المحلية بسعر 6650 ليرة سورية بدلاً من 4500 ليرة.
في حين أبقى المصرف المركزي على سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي للمصارف العاملة، وشركات ومكاتب الصرافة عند 4522 ليرة سورية.
بمعنى أن المصرف المركزي السوري حدد فقط سعرا مقبولا للتجار لإرسال الحوالات حتى لا يُحرم من القطع الأجنبي الذي يتوق إليه، إذ يعاني المصرف المركزي السوري من شحّ القطع في السوق السورية.
لا يوجد تعويم للعملة السورية إلا بعد إلغاء المرسوم رقم 3 لعام 2020 والسماح للصناعيين والتجار بالحصول على ما يشاؤون من القطع الأجنبي من السوق السوداء.
سيكون حال توفر القطع الأجنبي أسوأ خاصة بعد قانون الكبتاغون الذي يعني مزيدا من مراقبة الحدود الأردنية من أجل منع تجارة السموم الكبتاغون عبر الأردن سواء عن طريق معبر نصيب أو عبر الحدود غير الشرعية، وسيسوء وضع تلك التجارة اللعينة بعد 180 يوما من إصدار قانون الكبتاغون الأميركي؛ لأنه عندئذ سيكون الأردن جاهزا لتلقي 400 مليون دولار من أجل مساعدته في ضبط حدوده مع سوريا لمنع تلك التجارة، هذا إذا لم يغلق معبر نصيب أصلا خلال ستة أشهر .
إضافة إلى أن البنك المركزي السوري يعاني بشكل كبير وخاصة في الأشهر الأخيرة لأن الولايات المتحدة الأميركية فرضت على المصرف المركزي العراقي آليات شفافية طال انتظارها منذ 10 سنوات، إذ إن المصرف المركزي العراقي يعطي ما يسمّى "مصارف" بلا أي شفافية وبلا أي حساب، ومتهمة تلك المصارف بشبهة تحويل وغسيل الأموال وتهريبها إلى سوريا وإيران وذلك نزولا عند رغبة الحاكم الإيراني المسيطر فعليا على صناعة القرار في العراق، وقد تم وضع ١٤ مصرفا عراقيا تحت العقوبات الأميركية وتبعته عقوبات من قبل حاكم المصرف المركزي نفسه، وهذا جفف منابع القطع الأجنبي لنظام الأسد بشكل أكبر .
أعتقد أنه لا يوجد تعويم للعملة السورية إلا بعد إلغاء المرسوم رقم 3 لعام 2020 والسماح للصناعيين والتجار بالحصول على ما يشاؤون من القطع الأجنبي من السوق السوداء كما كان الحال قبل عام 2020 وهذا صحيح أنه سينشط عجلة النمو الاقتصادي بشكل طفيف ولكنه يعني مزيدا من انهيار الليرة السورية أمام الدولار.
نظام الأسد اعتاد التعتيمَ على أغراض الحكومة وعلى الأرقام الإحصائية الحقيقية وعلى الآليات التي ستنتشل الليرة السورية من أزمتها ولديه سياسة خرقاء واحدة وهي "المكابرة الاقتصادية" التي لا تسمن ولاتغني من جوع، ومع كل شعار أجوف مثل "ليرتنا عزتنا" يزيد بؤس المقهورين السوريين المحتجزين في منطقة النفوذ الروسي الذي لا يريد القيام بمسؤولياته كقوّة انتداب .
وللأسف عند انهيار الليرة السورية المتوقع فإن أجور العمال والموظفين ستنزل إلى درك أسفل مما هي عليه الآن والتي تعادل في المعدّل أقلّ من 15 دولارا، في حين كانت عام 2011 أقلَّ من 300 دولار ولا تكفي العامل والموظف لآخر الشهر.
والواقع أنه إلى أن يكون هنالك إرادة دولية حقيقية في إنهاء الكارثة السورية والمسألة السورية التي باتت تشبه "المسألة الشرقية" في أوائل القرن الماضي فليس لهم إلا الله ولن يخرجهم من المأزق حتى الراسخون في العلم.