جعلت حالة الضيق وانغلاق آفاق الحياة البشر في عدد كبير من الدول وخاصة سوريا، يبحثون عن آفاق جديدة لحياتهم في بلدان أخرى، وكي يصلوا إلى تلك البلدان يلجؤون للهجرة النظامية إن أتيحتْ لهم، أو اللجوء بصفته الأسرع والأقل بيروقراطية والمتاح الأبرز، ولما كان باب الهجرة ضيقاً جداً وباب اللجوء، تهريباً، مخاطره كبيرة، فقد بدأ كثيرون يبحثون عن ممكنات قانونية تجعل لجوءهم أيسر وأسلس وأسرع. وضمن الطرق القانونية (ظاهراً على الأقل).
ومن تلك الطرق المستحدثة طريق الهجرة واللجوء عبر الزواج بخاصة للنساء، وفقاً لأحد المداخل التعاقدية التالية:
- اللجوء عبر الزواج بشخص يحمل الجنسية الأوروبية بصفته مواطناً أصلياً أو ممن تجنّسوا حديثاً، ويتمّ ذلك إمّا من خلال احتيال الطرف الراغب باللجوء على الطرف الآخر وإظهار الحب والمشاعر وأول وصوله يطلب الطلاق ويعلم السلطات بالرغبة بتقديم ملف لجوء منفصل. أو من خلال اتفاق بين طرفين على الاستفادة من شرط قانوني مقابل مبلغ مالي محدّد يقدمه الطرف اللاجئ للمواطن الأوروبي.
- اللجوء عبر ادعاء شخص لاجئ حديثاً أنه متزوج أثناء تقديمه لأوراق اللجوء، وهو غير متزوج واقعاً، ويكون ذلك من خلال تقديم أوراق تثبت عقد زواج وهمي، وبعد مرحلة لم الشمل تقوم الزوجة الافتراضية اللاجئة أول وصولها إلى أوروبا بطلب الطلاق، عبر اتفاق مسبق ومقابل مبلغ محدد.
تحدّثني إحدى السيدات العاملات في هذا المجال في هولندا أنها تزوجت حتى الآن من أربعة أشخاص، وأنها تتزوجهم واقعاً، لكنها لا تنزعج من حدوث الطلاق
ويقدم هذا النوع كذلك في جانب آخر من أمثلته الواقعية خدمة لصديق أو لشخص من المعارف مقابل مبلغ مادي لأن الشخص الذي يريد الإفادة من ذلك الممكِن القانوني عبر "لم شمل زوجته على اسم شخص آخر" غالباً لا يملك عقد عمل يمكنه أن يقوم هو ذاته بلم شمل زوجته، ويكون قد فاته وقت تقديم أوراق لجوئه ما يثبت أنه متزوج أو أنه عقد قرانه حديثاً أو مرّ بمرحلة طلاق ويريد أن يتزوج من (ابنة البلد). في حين أن تلك الفرصة متاحة لمن يلجأ حديثاً إبان تقديم طلب اللجوء، وما عليه إلا أن يزود الجهات المعنية بطلب اللجوء بعقد زواج. وأول وصول صاحبة الطلب إلى بلد اللجوء يكون زوجها الحقيقي بانتظارها، وتعلن هي رغبتها بالطلاق من زوجها الافتراضي، وبعد فترة تتزوج من زوجها الحقيقي في البلدية، أو يبقيان كصديقين ليستفيدا من راتبين مختلفين، ويحصلان على بيتين، حيث يمكن أن يؤجرا أحد البيتين بـ (الأسود) ويستعملان البيت الآخر معاً.
تحدّثني إحدى السيدات العاملات في هذا المجال في هولندا أنها تزوجت حتى الآن من أربعة أشخاص، وأنها تتزوجهم واقعاً، لكنها لا تنزعج من حدوث الطلاق، وأنها لا تختار إلا من لديهم ملاءة مالية كافية بحيث يدفعون تكاليف عملية لم الشمل من مثل معاش لها مدته سنة وفقاً لما يتطلبه القانون الهولندي بمعدل نحو ألفي يورو، تقوم هي بدفع قسم منها لصاحب العمل الذي يوقع معها عقد عمل بالأبيض، ولا تريد أن تخسر شيئاً من ممتلكاتها الخاصة.
لمّ الشمل عبر الزواج متاح قانوناً ويسمح للهولنديين مثلاً بالزواج من أجنبية/ أجنبي مقابل عدد من الشروط، منها وجود عقد عمل لمدة سنة وأن الشخص الهولندي مسؤول عن تأمين الشخص الذي سيتزوجه، وأنه لا بدّ أن ينجح في امتحان محدد في اللغة يقدمه في السفارة الهولندية في البلد الذي يأتي منه المتزوج أو المتزوجة، يذكر أنه يسمح للهولنديين بالزواج المثلي كذلك.
أسهلُ عملية لم شمل وأسرعها هي تلك التي يقوم بها اللاجئ، حيث تستغرق شهوراً قليلة بعد تاريخ حصوله على الإقامة لمدة خمس سنوات، وهذا ليس الاستثناء الوحيد للاجئ في هولندا، الذي يحصل على بيت مثلاً أسرع من المواطن الهولندي بفترة تمتد من خمس إلى عشر سنوات. والسبب أن القانون الهولندي يلتزم التزاماً كبيراً بالتعليمات الصادرة عن الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين، وكذلك لأن القانون الهولندي يعدّ أولئك القادمين اللاجئين ضحايا ولا بد من التعاطف معهم ومد يد العون لهم كي يتجاوزوا المرحلة الصعبة التي مروا فيها في بلدانهم الأم وتجربة التهريب.
سهَّلت تطبيقات التعارف الدولية فرص التعارف والاتفاقات بين الأطراف المتعاقدة من داخل أوروبا وخارجها، سواء أكان ما يجمع بينهما علاقات حب ومشاعر افتراضية صادقة، أو من خلال استغلال مبيَّت من الطرف الراغب بالقدوم إلى أوروبا لمشاعر الطرف الآخر أو العكس. أو من خلال اتفاقات مالية محدّدة بين الطرفين.
إن شيوع تلك الأنواع الفردية يفتح الباب لكيفية تسليع مفهوم الزواج في الآونة الأخيرة، بعد أن كان يتخلله الكثير من القدسية والرمزية، لكن هناك من يرد على ذلك بالقول إن الزواج حين كانت تتحكم فيه العائلة والمجتمع لم يخل يوماً من تبادل مصلحي في كثير من نماذجه، لكنه كان يحقق مصلحة القبيلة أو العائلة. أما في مرحلة الخيارات الفردية فإنه يحقق مصالح الأفراد ورغباتهم، وأن مشروع الزواج مجملاً لا يخلو دائماً من بعد مصلحي لطرفيه، على الرغم من الغاية النبيلة الكبرى التي تغلفه وهي تأسيس عائلة وإنجاب أطفال وتكوين بنية اجتماعية جديدة وفقاً للمفاهيم القديمة له، أما اليوم فهو حالة تعاقدية بين طرفين، جرّدته الحياة المعاصرة من عدد من جوانبه الرمزية، خاصة حين غاب حامله الاجتماعي والعائلي. ولعل أكبر دليل على فقدانه تلك الحالة الرمزية هي ظاهرة الطلاق الكبيرة بين اللاجيئن.
الواقع في هولندا، بخاصة في حياة اللاجئين السوريين يعطي أمثلة مغايرة تكسر كل الأطر المذكورة أعلاه، فكم من حالة غلب عليها الحب والمشاعر إلا أن الطرفين طلبا الطلاق أول وصولهما إلى هولندا، وهناك حالات ظاهرها زواج تعاقدي ومصلحي وبحسابات مالية لكن أتيح للطرفين أن يكملا طريقهما معاً، وهناك حالات بعد أن يصل الطرف اللاجئ إلى هولندا يرفض الانضمام إلى من قام بعملية لم الشمل ويكتشف الزوج أو الزوجة أن الآخر على علاقة مع آخر.
مراقبون لحالات الطلاق واتساق العلاقة بين الطرفين المتزوجين وجدوا أن حالات زواج الأقارب صمدت أكثر في وجه المتغيرات نظراً لقوة الحامل الاجتماعي
أما في سياق المطلقين والمطلقات والزوجة الثانية فهناك الكثير من الأمثلة الطريفة والموجعة، بخاصة حين يكون السبب بعملية لم الشمل الأطفال القصر المرافقين للأب من أم مطلقة، وهو مما لا يسر الطرف الذي وصل إلى هولندا برفقة أطفاله، وقد ظن أنه تخلص إلى الأبد من زوجته السابقة، حين يكتشف أن طفله، ابن طليقته يستطيع أن يلم شمل أمه دون سلطة الأب أو تدخله!
مراقبون لحالات الطلاق واتساق العلاقة بين الطرفين المتزوجين وجدوا أن حالات زواج الأقارب صمدت أكثر في وجه المتغيرات نظراً لقوة الحامل الاجتماعي، أما حالات الزواج المتباعدة أو المختلفة، خاصة تلك التي ليس لديها حامل اجتماعي فانكسر الكثير منها، وهذه ظاهرة لافتة، ربما تعود إلى أنها كانت في مجتمعها الأصلي تستمد الكثير من عوامل قوتها كونها تحدياً اجتماعياً، أما اليوم وقد صارت حالة عادية فلم تصمد أمام متغيرات اللجوء وظروفه القاهرة، خاصة أن عالم اللجوء أشبه بمرحلة جديدة في حياة السوريين، يولد أمثلة غريبة كل يوم، مما كان لا يخطر ببال كثيرين، حسبوا أنهم عصيون على التأثر، بعيدون عن أوجاع اللجوء ويومياته، ظناً منهم أن موقعهما وتاريخهما المشترك سيصمد أمام اهتزازات اللجوء ومخاضاته، لكن هيهات هيهات: لا أحد سينفذ من برزخ اللجوء السوري!