"اللانش بوكس"... رحلة من الماضي إلى الحاضر

2024.09.25 | 06:24 دمشق

آخر تحديث: 25.09.2024 | 10:53 دمشق

444444442
+A
حجم الخط
-A

لطالما كان تحضير وجبة المدرسة اليومية تقليدًا يرتبط بالحب والاهتمام، بدءًا من الأجيال السابقة التي اعتمدت على البساطة في تجهيز الوجبات، وصولًا إلى يومنا هذا، حيث أصبح "اللانش بوكس" جزءًا أساسيًا من روتين الأطفال.

في الماضي، لم يكن هناك شيء يُعرف باسم "لانش بوكس" بمعناه العصري؛ فقد كانت الوجبة تُلف في ورق بسيط أو كيس نايلون، بينما اليوم تطورت هذه العادة لتصبح أكثر تعقيدًا، حيث يُركز الآباء والأمهات على اختيار الوجبات الصحية وتصميمها بشكل جذاب للأطفال. هذه الرحلة من البساطة إلى الاهتمام بالتفاصيل تعكس التغيرات في حياتنا اليومية.

"اللانش بوكس" (علبة وجبة الإفطار) في زمن الطيبين كان بسيطًا وعفويًا، مثل كثير من تفاصيل الحياة في ذلك الوقت. عندما سألت والدي عن "اللانش بوكس" الخاص بهم، لم يعرفه بهذا الاسم، وبعد الشرح، تبيّن أن وجبة المدرسة كانت عادةً نوعًا واحدًا من السندويش، غالبًا "عروسة الزيت والزعتر"، والتي كانت تُلف في ورق أو في أحسن الأحوال في كيس نايلون. ولم يكن هذا "اللانش بوكس" متاحًا كل يوم، وكان ممكنًا أن يمتزج بالكتب والدفاتر، فقد كانت الظروف البسيطة تفرض على الأسر تقديم الوجبات لأطفالهم في المنزل قبل الذهاب إلى المدرسة أو بعد العودة.

أما عندما كنت طفلة، كان "اللانش بوكس" جائزة ومكافأة تُهدى إليّ بعد إنجاز أو مهمة مطلوبة مني. أذكر عندما كنت في التاسعة من عمري، ذهبت مع أبي لممارسة الرياضة، وفاجأني أنه يريد الصعود للجبل، وكانت المكافأة التشجيعية لصعودي معه وعدًا منه بشراء علبة "اللانش بوكس" التي أريدها، وهذا ما حصل بالفعل.

واليوم، وأنا أحمل "اللانش بوكس" الخاص بطفلي، أجد هذه الفجوة والفارق الزمني بين ما كان عليه والدي وما أفعله الآن في تحضير الطعام لطفلي. لقد انتقلنا من مرحلة الكماليات إلى مرحلة الضروريات في "اللانش بوكس"، حيث أصبح التركيز الآن على تلبية احتياجات الطفل الغذائية والصحية بشكل أكبر، مما يعكس التغيرات في أولويات الحياة.

عند اختيار "اللانش بوكس"، هناك بعض الأمور والمعايير التي يجب أخذها بعين الاعتبار، والتي تضمن أن يكون "اللانش بوكس" عمليًا وملائمًا لاحتياجات الأطفال من حيث الحجم، بأن يكون الحجم مناسبًا لاحتياجات الطفل ومساحة الحقيبة، ومن حيث العزل الحراري، حيث يُفضل اختيار نوع معزول للحفاظ على حرارة الطعام لفترة أطول. كما أن التقسيمات تساعد في تنظيم الوجبات وتقديم خيارات متنوعة، إضافة إلى سهولة التنظيف، حيث أصبحت الأمهات تختار "اللانش بوكس" القابل للتنظيف في جلاية الصحون لتوفير الوقت والجهد.

في الماضي، كانت تحضير تلك الوجبة الصباحية المتمثلة بالسندويش من مهمة الأم فقط. أما اليوم، ومع تطور الثقافة الحياتية اليومية، أصبحت عملية تحضير "اللانش بوكس" لها أجواؤها الخاصة من مشاركة الطفل لأمه في تحضير تلك الوجبة الصباحية، مثل تحضير البانكيك أو الناكتس الدجاج المقلي باستخدام القلاية الهوائية. إضافة إلى دعوة الطفل أصدقاءه في المدرسة لمشاركتهم في وجباته في بعض الأوقات. هذه اللحظات تضيف المتعة للتناول وتساعد على تعزيز الروابط الاجتماعية.

إن "اللانش بوكس" ليس مجرد وعاء طعام، بل هو فرصة للتعبير عن الاهتمام والحب للطفل، حيث يمكن إرفاق رسالة لطيفة في بعض الأيام ضمن هذا الوعاء، من خلالها تتجدد العلاقة بين الطفل وأسرته خلال وقت الدوام وتُعزّز الجانب الاجتماعي والعاطفي للطفل، مما يجعل تحضير الوجبات أكثر سعادة، ويساعد ذلك الطفل على قضاء يوم دراسي ممتلئ بالطاقة والصحة والسعادة والحافز.

بالرغم من إيجابيات مفهوم "اللانش بوكس"، فقد أصبح يحمل في طياته بعض الجوانب السلبية، منها الضغوطات الاجتماعية التي تضع الأمهات في سباق لإبراز محتوى وجبات أطفالهن. حيث تركز الأمهات أكثر على المظهر والإبداع في تصميمه بدلاً من التركيز على الفوائد الصحية للوجبات. هذا التحول يعيق جوهر "اللانش بوكس" كوسيلة لتقديم غذاء صحي، مما يخلق تنافسًا غير ضروري بين الأمهات.

وقد نفقد بعض الذكريات في حياتنا الجميلة، لكن يمكن استبدالها بأحداث جديدة ومتعة جديدة من خلال تقديم وجبات صحية لأطفالنا بطريقة مبتكرة وجميلة. هذه التجارب تضيف لمسة من البهجة والتجديد في حياتنا الأسرية. وفي مراحل متقدمة، لم يعد "اللانش بوكس" خاصًا بالطفل فقط، فقد أصبحت بعض الأمهات يحضرن "اللانش بوكس" للزوج قبل الذهاب إلى العمل صباحًا، كتعبير عن حبها واهتمامها به.

"اللانش بوكس" كان جزءًا بسيطًا من حياة أجيال مضت، يعكس بساطة الزمن وتواضع الإمكانيات. في زمن الطيبين، لم تكن هناك حاجة لصناديق فاخرة أو وجبات متعددة الأقسام؛ مجرد سندويش مُعدّ بحب في ورق عادي كان يكفي. أما اليوم، "فاللانش بوكس" تطور ليصبح رمزًا للرعاية والتخطيط، يعكس التغيرات في أسلوب الحياة واحتياجات الأطفال الغذائية. بين الماضي والحاضر، يستمر "اللانش بوكس" في تمثيل التواصل الأسري، حيث تعبر الأم من خلاله عن حبها واهتمامها بأطفالها بطريقة بسيطة ولكن مؤثرة.