اللاجئون السوريون في أوروبا بيئة مثالية للتمييز العنصري

2023.06.10 | 05:45 دمشق

اللاجئون السوريون في أوروبا بيئة مثالية للتمييز العنصري
+A
حجم الخط
-A

شخص واحد من كل عشرة هولنديين؛ ممن يبلغون من العمر خمسة عشر عاماً أو أكثر في عام 2021 شعروا بالتمييز العنصري، أي 11 في المئة من عدد السكان في هولندا. ونحن نتحدث عن أكثر من 1.6 مليون شخص. بالتأكيد تعرضت النساء للتمييز في كثير من الأحيان أكثر من الرجال، وكذلك الفئات العمرية الأصغر في كثير من الأحيان أكثر من كبار السن، في دراسة شملت 173 ألف مستجيب.

من بين الأشخاص المنحدرين من أصول غير هولندية أي سورية ومغربية أو سورينامية أو هولندية - كاريبية، شعر 3 من كل 10 أو أكثر بالتمييز ضدهم. وكان العنصر الأكثر ذكراً للتمييز هو العرق أو لون البشرة. يأتي بعد ذلك التمييز على أساس الجنسية. الطريقة الأكثر شيوعاً التي شعر الضحايا بالتمييز ضدهم هي المعاملة غير المتكافئة، تليها الملاحظات التمييزية الموجهة ضدهم باللغة أو الإشارة.

الشعور بعدم الجدوى من الشكوى لافت ذلك أن عشرة في المئة ممن تعرضوا لسلوكات عنصرية تقدموا بالشكوى إلى الشرطة التي تستقبلها ، وإلى عدد من المنظمات التي تحارب العنصرية في المجتمع الهولندي، الذي يحرص في كل لوحاته الإعلانية على وضع أشخاص ببشرات ملونة أو نساء محجبات كجزء من الدور الاجتماعي لمكافحة التمييز العنصري.

أصبح التمييز العنصري موضوع نقاش متزايد في المجتمع الهولندي، الذي يحاول بكل ما يستطيع أن ينفي تلك الصفة أو أن يتخلص منها. تخبرني إحدى مفتشات الضرائب أن الشركات التي يديرها أشخاص ذوو جنسية مزدوجة تتعرض لتفتيش أكثر من سواها، هذه عنصرية ضرائبية تديرها الدولة، وفي سؤال أحد مديري الضرائب بعد نقاش طويل أطلعني على إحصاءات تثبت أن الشركات التي يملكها أو يديرها أشخاص مزدوجو الجنسية فيها مخالفات ضريبية أكثر من سواها.

في الوقت نفسه جعلت الحكومة الهولندية من معالجة التمييز رأس حربة في السياسة الاجتماعية لها. فهل ستؤتي المقاربة الحكومية ثمارها في السنوات القادمة؟ ويشمل هذا النهج اتخاذ تدابير البنية التحتية وتحسين إمكانية الوصول إلى مرافق مكافحة التمييز مثل الخطوط الساخنة، وتدابير محددة في سوق العمل، ومكافحة التمييز ضد المسلمين خاصة النساء.

ما الذي يجعل من اللاجئين بيئة خصبة للتمييز العنصري؟

يقود الشعور بالتمييز العنصري إلى حالات مرضية كثيرة منها عدم الشعور بالأمان والشعور بالاكتئاب والرغبة بالانتحار وكذلك تحريض الفعل الجرمي لدى الشخصية

الإجابة بسيطة لتوافر عوامل التمييز الرئيسية لديهم وهي:

  •  اختلاف الدين عن عامة المجتمع، لكون اللاجئين غالباً متدينين، والمجتمع الهولندي مجتمع غير متدين، بل إن نسبة اللادينيين تتجاوز في إحصاءات رسمية 65 في المئة، وقد بينت دراسات موثقة أن نسبة المسلمين ممن يتعرضون لتصرفات عنصرية هي الأعلى (نحو 30 في المئة).
  • اللون والعرق وهما أهم عوامل التمييز العنصري في أوروبا وهذه يتشارك فيها اللاجئون مع السوريناميين والأفارقة، وعلى الرغم من التشريعات الحادة في هذا المجال بحيث أصبح من العيب الاجتماعي استعمال مفردة "زنجي" مثلاً إلا أن الواقع يشير إلى مخالفات كثيرة، يشير أحد العاملين في محل ملابس للماركات العالمية من جذور سورية إلى أن بشرته الشقراء وعيونه الملونة قد ساعد في حصوله على تلكم الفرصة سريعاً.
  • في العمل سواء أكان بالحصول على فرص العمل أو التمييز العنصري في أجواء العمل، ولدى الأشخاص في هولندا ممن جذورهم غير هولندية ما يشبه القناعة المطلقة بأن أي فرصة عمل يتقدمون لها ويتقدم لها هولندي بكفاءات أقل من كفاءاتهم سيحصل عليها الهولندي، لاختلاف خبرات اللاجئ وتجاربه عن متطلبات سوق العمل الهولندي، يحدثني صديق طبيب بأنه يقضي وقتاً قصيراً من المعاينات في فحص المريض، أما معظم وقته فيخصصه لكتابة تقارير علمية عن الحالة، وأنهم يتعاملون مع المريض كـ "ملف" يمكن أن يكمل العمل أي طبيب آخر، وأنه لا أثر للجانب الشخصي في الموضوع، عليك أن تحول معرفتك الشخصية إلى تقرير علمي. ومن جهة أخرى يرى عدد كبير من اللاجئين أنه من الظلم تطبيق المعايير ذاتها على من ولد في هولندا وتشريب بيئة العمل وثقافته كما تطبق عل اللاجئ الذي وصل البلد في السنوات الأخيرة.

يقود الشعور بالتمييز العنصري إلى حالات مرضية كثيرة منها عدم الشعور بالأمان والشعور بالاكتئاب والرغبة بالانتحار وكذلك تحريض الفعل الجرمي لدى الشخصية.

يرتكب اللاجئون في هولندا أسبوعياً عدداً من الجرائم والجنح والمخالفات، وفقاً لتصريحات من الشرطة، وإحصاءات غير رسمية، (منهم شريحة من السوريين) ويندهش الكثير من الهولنديين من تلك السلوكات بعد مرور سنوات قليلة على وجود السوريين في هولندا، وهم الذين نالوا نسبة تعاطف استثنائية نتيجة ما تعرضوا له من النظام الاستبدادي والإهمال الدولي لحل ملفهم الذي استعصى على الحل، نتيجة كثرة المتدخلين وتنافر المصالح فيما بينهم، وعدم وجود إرادة دولية للحل مما أبقى جرحهم نازفاً.

في مادة سوق العمل الهولندي (ONA) تسأل لاجئة سورية: لماذا لا يوجد غير مهن البناء والرعاية الصحية؟ لماذا لا يقولون لنا كيف تصبح محامياً أو طبيباً أو باحثاً أو أستاذاً جامعياً؟

يردُّ عليها المدرب: لأن هذا المنهاج لمن هم فوق الثامنة عشرة وهم يفترضون تبعاً لتجارب سابقة مع جاليات من بلدان أخرى أن هذا أقصى طموح اللاجئ، وما يبحث عنه ليس البداية الجديدة بل الحياة الآمنة والدولة تحرص على تحقيقها.

يتدخل لاجئ آخر: أنا كنت طبيباً والآن أعمل في توصيل الطلبات، ووضعت شهاداتي في مستودع البيت، سأصاب بالجنون!

يجيبه الأستاذ بهدوء: ها هنا أنت في دولة شمولية في الرعاية الاجتماعية وليس في تأمين الفرص، أنت عليك أن تبحث عنها، والآن العالم مفتوح، ستعطيك هذه الدولة جواز سفر يمكنك أن تبحث في أي دولة عن فرصة عمل.

تحدثني صديقة فكرتْ بالانتحار أكثر من مرة بالقول: أنا لا أملك القدرة على ارتكاب جريمة بالآخرين، لكن لدي القدرة على أن أرتكب جريمة بحق نفسي!

أسألها لماذا يا صديقة؟ تقول: شعوري بعدم التقدير في هذا البلد، أنا أموت ببطء، الإعلام يركز على الجرائم الظاهرة فحسب، بعد أن أنهيت دراستي وحصلتُ على الدكتوراه، أتيت إلى بلاد تقول لي: انسي سيرتك الذاتية وكل ما بنيته وابدئي من جديد!! هذه جريمة بحقي، وارتكبت جرائم أخرى كذلك بحقي أولادي الذين لم يدرسوا الفروع التي أريدها، وزوجي الذي يعد عملي في المنزل سنوات طويلة بلا قيمة!

يدعوني صديق للمساعدة في تربية ابنه الذي يقول: إنه لم ينقص عليه شيئاً!

جريمة ذلك الطفل المتكررة كل أسبوع أنه يدخل إلى محال الألبسة ويلبس بنطالاً أو قميصاً تحت لباسه، ويشتري شيئاً بثمن بسيط للتغطية على دخوله للمحل، كانت المشكلة في إحدى المرات أن القطعة المغناطيسية التي توضع على اللباس لم ينتبه إليها، فطوّر جريمته بحيث اشترى جهازاً يفك تلك القطعة. أسأل ذلك الشاب لماذا تقوم بذلك: يقول: حلال على الشاطر!

إحصاءات غير رسمية تشير إلى أن أكثر من ربع الشباب السوريين في هولندا يتعاطون الحشيش بشكل دوري، ليس للاستمتاع الواعي بل كحالة هروب من الواقع تحول إدماناً

في الأيام الأخيرة بث أشهر المتطرفين الهولنديين البرلماني "خيرت فيلدرز" فيديو لمصلين في الشارع، وقال "هؤلاء سيحتلون بلدنا". سألت إمام المسجد عن السبب فقال لي: لم يتسع المسجد لنا، والبلدية لم تعطنا ترخيصا لبناء طوابق لأنه يشوه البعد المعماري كما يقولون، عدد المصلين كبير والمساجد أصغر من حاجتهم، في بلد التدين فيه شأن شخصي، مع أن الملك يحرص في كل رمضان على زيارة دار عبادة ووسائل الإعلام تهنئ المسلمين في أعيادهم!

إحصاءات غير رسمية تشير إلى أن أكثر من ربع الشباب السوريين في هولندا يتعاطون الحشيش بشكل دوري، ليس للاستمتاع الواعي بل كحالة هروب من الواقع تحول إدماناً، أتحاور مع أحد الشباب فيقول لي: أتعاطى الحشيش لأنني بعيد عن أهلي، ولم أنجح في تعلم اللغة، ولم أجد عملاً!

ألقت الشرطة الهولندية مؤخراً القبض على شاب كتب اسم قبيلته بسكين حادة على أكثر من عشرين سيارة، أسأله: ماذا يفيدك ذلك؟ وماذا تفيدك القبيلة؟ وأنت تكتب بلغة لا يفهمها من خربتَ سياراتهم؟

يرد علي: لو كانت قبيلتي هنا، لحصلتُ على حقي، أجلس في المخيم منذ أكثر من سنة ولم أجر أي مقابلة ولم أحصل على أي مستند ولا أجد فرصة عمل، وأهلي هناك يلومونني لأنهم ينتظرون مني المساعدة المالية، الهولنديون لا يتحركون إلا بالعنف!

يشتكي صاحب مطعم سوري من أنه يعاني الكثير من التعليقات على منشوراته الإعلانية في الفيس بوك من مثل: عودوا إلى بلدكم، أو لا مكان هنا للغة العربية! خاطبنا باللغة الهولندية!

من الأسئلة المهمة في هذا المضمار: على أي أساس شعرتَ بالتمييز؟ علماً أنه ليس بالضرورة أن يتوافق التمييز المتصور دائماً مع التمييز الفعلي الذي مررتَ به، ومن المهم الوقوف عند مفهوم التمييز العنصري الذي يُعرَّف بأنه معاملة الناس بشكل مختلف أو حرمانهم أو استبعادهم على أساس الخصائص الشخصية، وأبرزها: الدين والانتماء الساسي والجنس والعمر والحالة الاجتماعية والتوجه الفكري والإعاقة والحالة الاجتماعية والجنسية ولون البشرة والجنس..