اللاجئون أكثر المؤثرين في المشهد الهولندي عام 2023

2023.12.30 | 07:14 دمشق

آخر تحديث: 30.12.2023 | 07:14 دمشق

اللاجئون أكثر المؤثرين في المشهد الهولندي عام 2023
+A
حجم الخط
-A

أعاد اللاجئون والمهاجرون – وفقاً للمكتب المركزي للإحصاء – التوازن إلى عدد السكان في هولندا؛ نظراً لأن نسبة الوفيات كانت أكثر من نسبة الولادات، وتزايد أعداد المهاجرين من هولندا إلى دول أخرى؛ مما جعل عدد السكان يصل لأول مرة إلى 17 مليوناً و900 ألف نسمة.

وعلى الرغم من كل الضجيج الاجتماعي حول اللاجئين عام 2023 إلا أن أعدادهم لم تصل إلى أعداد اللاجئين عام 2015، وقد شهد عام 2023 زيادة كبيرة في نسبة المهاجرين إلى هولندا، بهدف الدراسة أو الحصول على فرصة عمل حيث تبين أنهم أحد أسباب مشكلة السكن.

ولا يزال العدد السنوي للاجئين في هولندا حوالي 50 ألف لاجئ، وهو ضعف العدد قبل موجات اللجوء في العقد الأخير، وهو ما نسبته نحو 5 بالمئة من عدد طلبات اللجوء المقدمة في دول الاتحاد الأوروبي، وهي نسبة قليلة إذا ما قورنت بالطلبات المقدمة في ألمانيا وتبلغ 25 بالمئة من العدد الإجمالي في دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها سبعة وعشرين. وعلى الرغم من الظروف الصعبة للسوريين عامة إلا أنهم لا يشكلون أكثر من 15 بالمئة من عدد طالبي اللجوء في أوروبا وفقاً لإحصائيات الاتحاد الأوروبي.

ونتيجة القرار المتخذ قبل سنتين القاضي بتمديد فترة طلب اللجوء إلى خمسة عشر شهراً وكذلك تمديد فترة لم الشمل فإن المشكلة قد تراكمت وضاقت الأمكنة المخصصة للاجئين بهم، مما يجعل كل قادم جديد إلى هولندا جزءاً من مشكلة قديمة، وتبدو في أوضح صورها في تأمين السكن نظراً لقلة عدد بيوت "السكن الاجتماعي" حيث بدأ الهولنديون يقارنون ويتساءلون: لماذا ينتظر أبناؤنا للحصول على السكن الاجتماعي سنوات عدة قد تصل إلى 13 عاماً كما الحال في أمستردام في حين يحصل اللاجئون على بيوت في فترة تقل عن سنة ونصف؟

هل يكفي عدّهم ضحايا وفقاً للاستراتيجيات السياسية الهولندية كافياً ليحصلوا على ما لم يحصل عليه المواطنون؟

الصراع الخفي والمعلن بين الحكومة المركزية والبلديات في بلد تزيد فيه سلطة البلديات على سلطة الحكومة المركزية بات ملفتاً، وكان القضاء أكثر من مرة هو الفيصل من مثل ما حدث قبل أيام حين استأجرت هيئة استقبال اللاجئين فنادق ومبان لإيواء القادمين الجدد منهم في حين رفضت بلديات عدة منحهم التراخيص الإدارية اللازمة، مما جعل الهيئة المركزية للجوء تتوجه إلى القضاء لإجبار البلديات على الموافقة.

البلديات من جهتها لها أسبابها، فهي ترى أن أمر اللجوء لا نهاية له ولاحدود، وأن إقامة مراكز استقبال طلبات لجوء مؤقتة في هذه البلدية أو تلك يشير إلى انتشار للجريمة والسرقات، بخاصة من قبل شرائح قادمة تهريباً وتعرف أن طلبات لجوئها لن تُقبل لأن البلاد القادمين منها بلاد آمنة، وليس لديهم أسباب موضوعية لكي تقبل طلبات لجوئهم فيجلسون في تلك المراكز فترة من عمرهم مجاناً، ريثما يصدر قرار ترحيلهم ويعملون بـ "الأسود".

عبءُ اللاجئين على الجهاز الحكومي والإداري في هولندا لا يتوقف عند مشكلة السكن فحسب، بل بات جزءاً رئيسياً من الجانب الصحي في بلد تشتكي مستشفياته من قلة الأطباء والممرضين

ومن جانب آخر فإن عدداً من البلديات تتلكأ في تزويد المجلس الأعلى للبلديات بعدد بيوت "السكن الاجتماعي" التي يمكن أن تستقبل لاجئين ممن حصلوا على الإقامة المؤقتة، أو تُغيّر في شروط قبولهم كي تسمح لأبناء المواطنين القاطنين فيها سرعة الحصول على بيوت أسوة باللاجئين.

ونظراً لتعدد مراكز القرار والبطء في اتخاذه وعدم وجود سلطة مركزية والبيروقراطية والانشغال بالتفاصيل فإن المشكلة قد تراكمت ونُقِلت من سنة إلى سنة أخرى.

عبءُ اللاجئين على الجهاز الحكومي والإداري في هولندا لا يتوقف عند مشكلة السكن فحسب، بل بات جزءاً رئيسياً من الجانب الصحي في بلد تشتكي مستشفياته من قلة الأطباء والممرضين، نظراً لكون التعليم في هولندا لا يعتمد التنافسية منهجاً؛ مما يجعل الراغبين بدراسة الطب أقل من حاجة السوق، وكذلك نظراً لكون مصلحة الضرائب تحصد معظم رواتب الهولنديين مهما ارتفعت، إضافة إلى الثقافة الاجتماعية السائدة التي تقوم على المساواة الاجتماعية مما يجعل الدافعية لدراسة التخصصات الطبية، وهي دراسة طويلة الأجل، شبه معدومة. ولكون فلسفة الحياة تقوم على الفردانية؛ مما يُبْقِي الدافع الرئيس لدراسة مثل هذه التخصصات المتعبة دافعاً فردياً محضاً ورغبة ذاتية فحسب.

وهناك جانب آخر باتت تشتكي منه الأجهزة الأمنية في هولندا وهو زيادة أعداد الجرائم التي يرتكبها أشخاص ذوو خلفيات لاجئة، نظراً لاختلاف المفاهيم بين المجتمع القادمين منه، والمجتمع الجديد الذي غالباً ما يلجأ مواطنوه إلى القانون، في حين يفضِّل الكثير من ذوي الخلفيات اللاجئة تحصيل ما يعتقدون أنه حق لهم بأنفسهم. إضافة إلى أن الصراع الذي يعيشونه نتيجة فقدان معظم ما بنوه في بلدانهم الأصلية يجعل رغبتهم عالية بتعويض ما فاتهم بأقصى سرعة. وكذلك تنازع رغبتهم بالبناء بين بلدهم الأم والبلد الجديد؛ مما يجعلهم أسرى لضغوطات كثيرة، دون أن تفوتنا الإشارة إلى اختلاف مفاهيم الثراء والرفاهية والحق والامتثال للقانون والشطارة والحلال والحرام والمرجعية هل هي دينية أم قانونية أم أخلاقية!

على المستوى السياسي؛ كان اللاجئون هم السبب في استقالة الحكومة الهولندية نظراً لعدم اتفاق الأحزاب الحاكمة على الإجراءات الناظمة لعملية اللجوء وكذلك عدم قدرتها على حل مشكلة السكن والفلاحين، مما دفع سياسيين مخضرمين إلى اعتزال العمل السياسي في داخل هولندا كحالة "زيغريد كاخ" التي عُيِّنَتْ قبل أيام كمنسقة للمساعدات الدولية إلى غزة و"مارك روته" المرشح لأمانة حلف شمال الأطلسي حالياً.

وكذلك حضر اللاجئون بقوة في مشهد الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت عام 2023، ويرى المتابعون أن السبب الرئيس لفوز حزب اليمين المتطرف خيرت فيلدرز بهذا العدد من المقاعد البرلمانية غير المسبوق في تاريخ حزبه يعود إلى اللاجئين ووعوده باتباع إجراءات حازمة تجاه طلبات اللجوء وحقوق اللاجئ، إضافة إلى وعوده بإعادة التاريخ إلى الوراء للحفاظ على مجتمع هولندي "أبيض" مع أنه يعلم هو ويعلم ناخبوه أن هذه الصفحة من تاريخ البشرية لم يعد تحققها ممكناً نتيجة عوامل اقتصادية وجغرافية وسياسية وثقافية، وأن التعدد والتنوع بات قدراً على  كل الدول التسليم به!

الهلع الهولندي الذي تسببت به الحرب الأوكرانية وغلاء الأسعار جعل اللاجئين شماعة تُحمَّل عليها كل التراكمات والأخطاء الحكومية والبلدية ولو قارنا أعدادهم بما كان عليه المشهد الاعتيادي للجوء عامة فإن عدد اللاجئين في هولندا لا يشكل عدداً كبيراً أو استئثنائيا مقارنة مع عدد اللاجئين في ألمانيا مثلاً، لكن لكون هولندا بلداً صغيراً وأنظمته وقوانينه كثيرة وتفصيلية وجغرافيته صغيرة فإن ذلك يجعل أي مشكلة صغيرة ينتشر صداها سريعاً في عموم البلد!

لا تشير المتابعة للمشهد الهولندي إلى أن هناك مواقف حادة من اللجوء السوري بشكل خاص الذي يشكل نحو 40 بالمئة من عدد اللاجئين الكلي في هولندا، بعدد يزيد عن 20 ألف شخص سنوياً، وهو رقم ملفت جداً إذا ما قارناه بعدد اللاجئين السوريين في عموم أوروبا عام 2022 مثلاً وهو أكثر من 132 ألف طالب لجوء. إذ تشكل هولندا وجهة مفضلة لنحو 15 بالمئة من طالبي اللجوء السوريين في أوروبا، في حين تشكل ألمانيا وجهة مفضلة لأكثر من 55 بالمئة من السوريين.

يُعَد السوريون من الجاليات الفاعلة التي تسعى للعمل وافتتاح المشاريع وقد دخلوا في معظم مجالات الحياة الهولندية، وما يؤكد ذلك حالة الاستقبال الإيجابية العامة لهم،

ومقارنة عدد طلبات اللجوء السورية كل عام في هولندا بعدد الحاصلين على الجنسية يكشف بطئاً شديداً في الإجراءات، حيث بلغ معدل من حصلوا على الجنسية الهولندية في السنوات الأخيرة نحو 7 آلاف سوري سنوياً في حين بلغ المتقدمون بطلبات لجوء من السوريين نحو 20 ألفاً سنوياً.

ويُعَد السوريون من الجاليات الفاعلة التي تسعى للعمل وافتتاح المشاريع وقد دخلوا في معظم مجالات الحياة الهولندية، وما يؤكد ذلك حالة الاستقبال الإيجابية العامة لهم، ومما يجعل قبولهم مرحباً به كذلك الجانب الإنساني المعضد بتقرير وزارة الخارجية السنوي الذي يشير إلى أن سوريا بلد غير آمن حتى الآن، وقد باتوا يحضرون في الجامعات والأحزاب ولديهم صداقات مع المجتمع الهولندي ومؤثريه، والشخصية السورية عامة مبادرة ومنفتحة على الآخر، خاصة إنْ كان غريباً أو تتقاطع معه بمصالح وحاجات، وبات أطفال السوريين وشبابهم حاضرين بقوة في الحياة العامة في هولندا. إضافة إلى كون الشخصية السورية شخصية مغامرة وتبحث عن العمل التجاري في مجتمع يميل إلى السكون وكسل الاستقرار الطويل.

مؤخراً كاد رئيس بلدية دنبش (يزيد عدد سكانها عن مئة وخمسين ألفاً) أن يفقد منصبه بسبب دفاعه عن السوريين ذلك أنه في جلسة مناقشة عامة تحدثت إحدى الموطانات عن أسباب عدم موافقتهم على افتتاح مركز جديد للاجئين، بأن أشارت إلى عدد من النقاط السلبية التي نسبتها إلى السوريين فصحح لها رئيس البلدية بالقول: هذه صفات المغاربة (أغلبهم هنا أمازيغ) وليست صفات السوريين الذين يعدون جالية ناجحة وعاملة مما جعل المغاربة يحتجون ويقيمون دعوى قضائية عليه قد يفقد منصبه بسببها على الرغم من اعتذاره.