القصف التركي.. هل هو تكرار لسيناريو الماضي أم تمهيد لترتيبات مرتقبة؟

2023.10.20 | 06:37 دمشق

القصف التركي.. هل هو تكرار لسيناريو الماضي أم تمهيد لترتيبات مرتقبة؟
+A
حجم الخط
-A

إن إطالة أمد الأزمة السورية وعدم جدية المجتمع الدولي في وضع حد لمأساة السوريين نتيجة الموقع الجيوسياسي لسوريا وتجاذبات دولية وإقليمية، ترك الميدان مفتوحا لإدارة الأزمة السورية كل بحسب موقعه ومصالحه، وتركيا هي من أكثر الدول المؤثرة والمتأثرة في الملف السوري لما يربطها من حدود واسعة وملف أمني وإشكالي منذ عقود مع حزب PKK  والذي تصنفه تركيا من المنظمات الإرهابية.

 في عام 2019 تم التفاهم بين تركيا وروسيا وأميركا على إبعاد قسد المدعومة أميركيا والتي تصنفها تركيا كجزء من منظومة PKK الإرهابية، مسافةَ 32 كم عن الحدود التركية، ولكن لم يترجم ذلك التفاهم، ربما بسبب سياسة التوازن التي أتقنتها تركيا مع الروس والمحيط الإقليمي وهو ما أزعج واشنطن، بالإضافة إلى عدم وضوح، لا بل ضبابية الموقف الأميركي حيال سوريا واستخدام ورقة قسد ضد تركيا في ملفات عدة وعلى رأسها قبول عضوية الناتو للسويد وفنلندا، وكذلك موقف تركيا من الحرب الروسية - الأوكرانية، وبات ملف PKK هو الهاجس والمعيار لتعامل تركيا مع أميركا، فبعد التدخل التركي في مناطق واسعة من الشمال السوري (اعزاز- الباب - جرابلس- عفرين - رأس العين)، ما زالت تهدد مناطق الشمال الشرقي من سوريا، وقد قصفت عدة مرات هذه المناطق؛ ولكن وفق خطة وموافقة أميركية بأهداف محددة وبوقت محدد لحسابات أميركية ومن ضمنها خطر إعادة تنشيط تنظيم الدولة وتقويض جهود محاربة الإرهاب، يبدو أن المشهد السوري يتجه نحو ترتيبات جديدة لإعادة صياغة السياسات والأهداف، فالانفتاح العربي على النظام السوري والذي بدأ بخطوة عودته للجامعة العربية من قبل مجموعة الدول العربية الخمس خيبت الآمال العربية وهو لم يكن بالأمر المفاجئ لكون طبيعة النظام وموقعه لا يؤهله للتعاطي مع هذا الملف (المبادرة العربية) والذي كان بترحيب أميركي وبتوافق مع القرار الأممي 2254 كنقطة ارتكاز.. الهاجس العربي وخاصة الأردن كان وقف تهريب المخدرات بعد محادثات التطبيع مع النظام، ولكن الأردن أكدت في أكثر من مناسبة أن عمليات تهريب المخدرات من سوريا ارتفعت وخاصة بعد الانفتاح على النظام السوري، ومن جانب آخر فإن حسابات تركيا قبل الانتخابات الرئاسية حول الحوار والتطبيع مع النظام السوري قد تغيرت وبالتالي تقويض فرص نجاح الحوار التركي - السوري.

يتطلب من المعارضة السورية مراقبة المشهد وقراءته جيدا في ظل التجاذبات المرتقبة وفتح قنوات دبلوماسية والتواصل مع الدول العربية المؤثرة في الملف السوري وكذلك الإقليمية

وعلى هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، فقد أكد نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية المختص في ملف سوريا إيثانو غولدريتش دعم أميركا للمعارضة السورية نحو حل سياسي وفق القرار 2254، ولكن من خلال اتصالات هيئة التفاوض السورية على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورته الحالية بنيويورك وقراءة المشهد يتضح \أن هناك تقويضا لدور المعارضة السورية وتركيزا على الجانب الإنساني للوضع السوري وإيصال المساعدات والتلويح على عقد اللقاءات مستقبلا حول الملف السوري بين الدول الأوروبية والعربية، وهو مؤشر لتقويض دور المعارضة وهيئته التفاوضية كمرجعية للحل السياسي الأممي، ومن هنا يتطلب من المعارضة السورية مراقبة المشهد وقراءته جيدا في ظل التجاذبات المرتقبة وفتح قنوات دبلوماسية والتواصل مع الدول العربية المؤثرة في الملف السوري وكذلك الإقليمية، فالمعطيات تشير إلى أن دور العرب سيكون أكثر حضورا وتأثيرا في الملف السوري مع قادم الأيام.

أميركا هي الأخرى بذلت جهودا لفك ارتباط إدارة PYD وملحقاتها عن PKK ولكنها لم تنجح وبالتالي أعطت الضوء الأخضر لتركيا لحملتها الأخيرة

 ضمن هذا المشهد استثمرت تركيا العملية الإرهابية في إحدى مراكز الأمن التركي بأنقرة مطلع شهر تشرين الأول أكتوبر الحالي والذي تبناه تنظيم PKK والذي يقدم في أكثر من مناسبة الذرائع للتدخل التركي في شمال شرقي سوريا نتيجة فشل سياسات هذا التنظيم على مر العقود، وبالتالي تصدير فشله للخارج التركي، وأصبحت المناطق الكردية في سوريا ساحة صراع وتصفية حسابات لا تمت بصلة لقضية الشعب الكردي وحقوقه، ومن هنا بدأت تركيا بقصف البنية التحتية والمواقع العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وقد تضررت كثير من منشآت الطاقة وبالتالي زيادة معاناة سكان المنطقة الذين يعانون أصلا من ظروف معيشية مزرية نتيجة للحالة السورية العامة ومناطق سيطرة PYD خاصة، وأعتقد أن هذه العملية التركية لم تتم بمعزل عن التوافق مع الروس وبالتالي هي رسالة روسية - تركية إلى النظام السوري بعد شرط الأخير بالانسحاب التركي من الأراضي السورية للبدء بالتطبيع وبالتالي فشل الوساطة الروسية، بالمقابل أميركا هي الأخرى بذلت جهودا لفك ارتباط إدارة PYD وملحقاتها عن PKK ولكنها لم تنجح وبالتالي أعطت الضوء الأخضر لتركيا لحملتها الأخيرة، وقد أكدت أنها تتفهم مخاوف تركيا على حدودها مع سوريا ووجود PKK، ومن هنا فإنه باستمرار الحالة سنكون أمام خيار كارثي وهو التهجير وتفريغ المنطقة من سكانها، وللأسف فإن تنظيم PKK  يتدخل بشكل سافر في بقية المناطق التي يوجد فيها الأكراد، ويفرض آيديولوجيته بالعنف والترهيب وبالتالي يتطلب بذل الجهود وعلى أكثر من صعيد لخروج كوادر PKK  من سوريا، فالكرد السوريون وحركتهم السياسية ممثلة بالمجلس الوطني الكردي منخرطون في أطر المعارضة السورية والعملية السياسية الأممية حول مستقبل سوريا، وهم قادرون على إدارة مناطقهم وبشكل تشاركي مع بقية مكونات المنطقة من دون إقصاء أو فرض الإرادات، فالخيار العسكري يزيد الوضع تعقيدا وخطورة وهنا تكمن مسؤولية أميركا صاحبة النفوذ والوجود في المنطقة، والمجتمع الدولي للقيام بمسؤولياتهم تجاه الشعب السوري وتنفيذ القرارات الأممية وخاصة 2254 لوضع نهاية لمأساة السوريين عبر دستور توافقي يضمن حقوق كافة السوريين في دولة لامركزية تعددية.