العلاقة الحذرة بين روسيا وإسرائيل في سوريا

2024.10.07 | 08:53 دمشق

5555555555552
+A
حجم الخط
-A

تتصاعد المعارك في الشرق الأوسط، وترتفع أعمدة الدخان في بقع متعددة من الإقليم. يتم التعامل السياسي مع الأحداث محليًا باستخدام مكبر، مع ربطها بدولة واحدة كبرى فقط، وهي الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها الحليف الأساسي لإسرائيل أو باعتبارها تشكّل، كما يحلو للبعض التفكير، المركز العملياتي والمسؤول الحقيقي عن كل ما يحدث في العالم.

في هذا السياق، لا يسأل كثيرون عن دور روسيا، التي توجد عسكريًا في سوريا وتدعم الأنظمة الحاكمة في المنطقة سياسيًا بالتعاون مع الصين. يتم التذكير بالوجود الروسي فقط عندما تطالعنا أخبار مثل سقوط أكثر من 30 صاروخًا بحريًا إسرائيليًا قرب القاعدة الجوية الروسية في حميميم بمحافظة اللاذقية.

وقد اتهم متحدث باسم الجيش الإسرائيلي حزب الله بإدخال أسلحة إيرانية عبر سوريا، في وقت يحبس الجميع الأنفاس ترقبًا للرد الإسرائيلي على إيران، والذي قيل إنه سيكون ضخمًا. كان تشارلز ليستر، مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط، قد صرّح قبل أيام بأن هذه مجرد ضربة إسرائيلية أخرى على شحنة أسلحة في سوريا، لكن المميز هو الموقع الذي تم استهدافه قرب مطار حميميم، الذي يُعتبر مركز الوجود العسكري الفعال لروسيا.

حميميم هو مطار عسكري ضخم تستخدمه القوات المسلحة الروسية كمرفق رئيسي لعملياتها في المنطقة.

ربط فلاديمير بوتين نفسه بعلاقات جيدة مع نتنياهو، وزار إسرائيل عدة مرات. ويَظهر التفاهم بينهما بوضوح من خلال "سلاسة" تنفيذ الهجمات الجوية والصاروخية الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا. فرغم كثافة هذه الهجمات وتوزعها على كامل التراب السوري، لم تصدر إلا اعتراضات لفظية هزيلة من الجانب الروسي، ولم يحدث أي اختراق جدير بالاعتبار للتنسيق بينهما، رغم العدد الكبير لتلك الهجمات. ولم يصب أي جندي روسي أو آلية عسكرية تتبع لبوتين حتى عن طريق الخطأ، ما يعكس الانتقائية العالية والحرص الشديد على إبقاء الروس بعيدين بما يكفي عن أي استفزاز، حتى جاء الهجوم الأخير على القاعدة الروسية الأهم في سوريا، وهي مطار حميميم.

حميميم هو مطار عسكري ضخم تستخدمه القوات المسلحة الروسية كمرفق رئيسي لعملياتها في المنطقة. وتُعتبر هذه القاعدة شديدة الأهمية للجانب الروسي، حيث تشكل أساسًا لموطئ قدم جوي لروسيا في شرقي المتوسط. يُستخدم المطار منذ التدخل الروسي في سوريا عام 2015 في شن الهجمات العسكرية ضد الجماعات المعارضة للنظام. ويُرجح أنه استُخدم في شن هجمات كيميائية خلال السنوات السابقة حين كان القتال نشطًا في الداخل السوري. توسعت هذه القاعدة عدة مرات منذ بدأت روسيا باستخدامها، حيث تم بناء مدرج واسع يمكنه استقبال طائرات النقل الكبيرة التي تنقل من وإلى سوريا معدات وتجهيزات عسكرية ضخمة. كما تم تطوير مرافق المطار الأخرى والمعدة لدعم الأفراد والخدمات اللوجستية. وشكّل المطار بتحديثاته العديدة، مع ميناء طرطوس، نافذة مهمة ومؤثرة للروس في المنطقة، ومعادلاً عسكريًا للوجود الأميركي في الشمال السوري، رغم التفاوت في تعداد القوات بين الطرفين.

يواجه الوجود العسكري الروسي في سوريا مواقف دولية تجمع بين الدعم والنقد والمشاركة.

هرعت روسيا بقواها الدبلوماسية والعسكرية لمنع سقوط نظام الأسد، فدعمته بقوتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية. وأمّن لها هذا الموقف فرصة مواتية لتعزيز نفوذها في المنطقة، بعد تراجع كبير تعرضت له خلال فترة العشر سنوات الأولى من القرن الجديد. كانت الحرب السورية مناسبة سانحة بالنسبة لها للوجود في سوريا بقوة وبطلب "رسمي" من النظام. وعلى الرغم من أن روسيا قلّصت مضطرة وجودها في سوريا بعد غزوها لأوكرانيا عام 2022، إلا أنها ما زالت تحتفظ بحضور كبير في البلاد، وتشكل قاعدة حميميم رمزًا لذلك الحضور، وتسعى روسيا لتأمينه وتعزيز بنيته التحتية ليبقى صالحًا لوجود طويل الأمد.

يواجه الوجود العسكري الروسي في سوريا مواقف دولية تجمع بين الدعم والنقد والمشاركة. يأتي هذا التباين في ضوء الانقسامات الجيوسياسية الأوسع، حيث تحولت كل من الصين وإيران من العلاقات الطيبة مع روسيا إلى حالة الحلف الاستراتيجي، بعد المواجهة المباشرة مع الغرب في أوكرانيا.

وضمن هذا الانقسام، تشكل إسرائيل حليفًا أساسيًا لأعداء روسيا، بينما تشكل الأخيرة حليفًا استراتيجيًا لأعداء إسرائيل. والتنسيق الدقيق والمبتكر بينهما منذ عام 2015 قد يتحول إلى عقبة منطقية في أي لحظة من لحظات ارتفاع وتيرة الصراع التي نشهدها.