لا خلاف على الدور المحوري الجيوسياسي للقطر السوري في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
ويعتبر موقع سوريا الاستراتيجي من العوامل الدافعة لمحاولة السيطرة الأجنبية عليها في الماضي والحاضر، وهذا الموقع الجغرافي لسوريا منحها قوة استراتيجية ومكانة مهمة في الحفاظ على حالة الاستقرار السياسي والاستراتيجي في بقعة حساسة من الأرض، وبالذات في إطار العالم العربي.
ومن هنا سعت بعض الدول العربية والأجنبية، وبقوة، لعودة النظام السوري للمنظومة السياسية الإقليمية والدولية، متجاهلين سلسلة الجرائم البشعة التي ارتكبها النظام بحق السوريين بعد الثورة السورية في العام 2011.
وتابعنا يوم الجمعة 17/5/2023 انطلاق أعمال القمة العربية في مدينة جدة السعودية!
والمفاجئ في هذه القمة هو حضور رئيس النظام السوري، بشار الأسد للقمة لأول مرة منذ نحو 12 عاما من القطيعة العربية للنظام!
وقد رحب أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط بعودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية. وسبق لصحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلها عن مسؤولين عرب قولهم إن "خمسة أعضاء على الأقل من جامعة الدول العربية، من بينهم المغرب والكويت وقطر واليمن يرفضون إعادة انضمام النظام السوري إلى المجموعة".
وسنركز هنا على دور العراق وموقفه من عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.
وقبل الحديث عن الدور العراقي ينبغي التنبيه بأن الموضوع مركب وبحاجة لفك قبل الولوج لتفاصيله!
بدأ الدور العراقي في عودة النظام السوري عبر بوابة البرلمان العربي، وسبق لرئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، أن دعا يوم 11/2/2023 إلى حضور سوريا للقمم العربية القادمة
هنالك محور واضح في المنطقة وهو المحور العراقي الروسي السوري الإيراني الصيني (والسعودي عن بعد)!
ومن هنا ستكون الانطلاقة للحديث عن الدور العراقي المدفوع من إيران وروسيا والصين للدفع باتجاه عودة خاطفة للنظام السوري للجامعة العربية.
بدأ الدور العراقي في عودة النظام السوري عبر بوابة البرلمان العربي، وسبق لرئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، أن دعا يوم 11/2/2023 إلى حضور سوريا للقمم العربية القادمة.
وفي يوم 26/2/2023 وصل وفد برلماني عربي يمثل العديد من الدول إلى دمشق، وكان في استقبالهم رئيس النظام السوري بدمشق!
ونقلت وكالة أنباء النظام السوري عن الحلبوسي قوله إن "الموقف العربي داعم لعودة سوريا لمحيطها العربي"!
وخلال القمة العربية في السعودية وفي كلمة العراق أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية منطلق مهم لاستقرار المنطقة.
وبالتوازي كشف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن العراق، ومنذ أن جُمِّدَ مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، كان متمسكاً بأن تعود سوريا لمقعدها وتمارس دورها المهم في العمل العربي المشترك، مؤكداً، أن "العراق أسهم بشكل فاعل في رجوع سوريا لمقعدها"!
وهذا تأكيد رسمي عراقي صريح على الدور الرسمي العراقي الفاعل والضاغط من أجل عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية!
والتركيز العراقي على عودة سوريا ليس ذاتيا، وإنما هنالك محور دولي ضاغط بهذا الاتجاه (المحور الإيراني الروسي الصيني)!
وللتاريخ نذكر بأن العلاقات العراقية السورية بعد العام 2003 كانت غير ناضجة.
وحالة عدم النضج برزت بشكل واضح بعد التفجيرات اليومية التي كانت تقع في عموم العراق.
وسبق لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أن اتهم سوريا في بداية أيلول/ سبتمبر 2009 بأنها لا تريد التعاون لحفظ الاستقرار في العراق وترفض تسليمه مطلوبين متهمين بزعزعة الأمن، وغيرها من الاتهامات العراقية للنظام.
ولكن وبعد أقل من ثماني سنوات، وبضغط إيراني كبير، تغيرت المعادلة، وبالذات بعد الثورة السورية، وصار العراق من أكبر الداعمين للنظام السوري.
وهذا التقارب العراقي السوري (السياسي والعسكري والأمني) كان الخطوة الأولى في المخطط الإيراني (والدولي) المرسوم، وقد حصل بالفعل!
وخلال المرحلة الثانية الساعية لترتيب العلاقات السعودية الإيرانية عبر البوابة العراقية أشاد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان منتصف كانون الثاني/ يناير 2023 بالمفاوضات التي تجريها بلاده مع السعودية في بغداد ووصفها بأنها جيدة وتسجل تقدما، وأنهم أجروا خمس جولات في بغداد.
وفي العاشر من آذار/ مارس 2023 أصدرت كل من السعودية وإيران والصين، بيانا ثلاثيا مشتركا، أعلنت فيه الدول الثلاث قيام إيران والسعودية بتوقيع اتفاقية لاستئناف العلاقات بين البلدين!
وتمثلت المرحلة الثالثة بتطبيق بعض بنود الاتفاق السعودي الإيراني غير المعلنة وفي مقدمتها، السماح لبغداد بالضغط على الدول العربية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية وهذا ما حدث بالفعل عبر بوابة البرلمان العربي برئاسة رئيس البرلمان (العربي) العراقي محمد الحلبوسي، ودور بغداد الرسمي الداعم لتلك العودة.
وهذا يعني أن مرحلة التطبيع العربي مع النظام السوري واحدة من مخرجات الاتفاق الإيراني السعودي، وقد قام العراق بالدور المطلوب منه في تلك الخطة المرسومة!
ولا يمكن أن ننسى هنا دور الحشد الشعبي الذي قاتل مع النظام في دعم الموقف العراقي الضاغط لعودة سوريا رغم الخلافات الكبيرة ما بين الحشد والسعودية، ولكن يبدو أنهم أجلوا هذه الخلافات على الأقل في مرحلة عودة سوريا للجامعة العربية!
وقد تكون العودة السورية عبر الخط العراقي الإيراني الروسي الصيني جزء من محاولة تقوية محور روسيا في المنطقة وإضعاف محور أميركا ولو على حساب دماء السوريين، وهذا كله ضمن الحرب بين الأقطاب العالمية المتناحرة.
والدليل أن وزارة الخارجية الروسية قد رحبت في يوم 8/ أيار/ مايو بقرار استئناف مشاركة سوريا في جامعة الدول العربية، وأكدت أن "هذه الخطوة طال انتظارها"!
وهذا يعني أنهم حاولوا مرارا إعادة سوريا ولم يفلحوا!
وفي اليوم ذاته رحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية!
ورحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بنجاح سوريا في استعادة مقعدها في جامعة الدول العربية.
القضية باختصار أن هذا المحور الثلاثي (إيران، روسيا الصين) عبر الدبلوماسية العراقية كانوا وراء عودة سوريا للجامعة العربية!
وقد أشادت صحيفة "قدس" الإيرانية بالعودة السورية وعدته "انتصارا للدبلوماسية"، أما صحيفة "كيهان" الإيرانية فقد رأت أن الحدث هو "انتصار تاريخي للنظام، وأن الجامعة العربية بعد 12 عاما عادت إلى سوريا!
القضية باختصار أن هذا المحور الثلاثي (إيران، روسيا الصين) عبر الدبلوماسية العراقية كانوا وراء عودة سوريا للجامعة العربية!
وعلى الرغم من عودة النظام السوري للجامعة العربية ولكن أتصور أن تلك العودة ليست بهذه السهولة، ولا ندري كيف يمكن ترتيبها مع وجود رفض وتحفظ من بعض الدول العربية والرفض الأميركي لهذه الترتيبات الدبلوماسية، واستمرار العقوبات الأميركية وقانون قيصر الأميركي؟
وأيضا مع تكرار وزارة الخارجية الأميركية بداية أيار/ مايو 2023 لموقف بلادها الرافض لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد!
والسؤال هنا هل عودة النظام السوري للجامعة العربية حصلت بعد أن تمّت تصفية القضايا العالقة بين النظام والشعب السوري الرافض للنظام، أم أن الأمر تمّ رغما عن إرادة السوريين وبالذات عوائل الشهداء والمعوقين والمهجرين والمغيبين؟
وهل حسمت الملفات الكبرى القائمة على الأرض السورية ومنها مشكلات اللاجئين والتغيير الديموغرافي وقضايا الإرهاب والتدخلات الأجنبية وغيرها من القضايا الشائكة؟
أظن أن الكرة بيد المواطنين السوريين وهم وحدهم يمتلكون القدرة على ترتيب أوراق بيتهم بعيدا عن مواقف الدول القريبة والبعيدة.