الطاولة السداسية في تركيا: الدوافع الأساسية وأزمة الترشيح والمشاكل المعلقة

2023.03.16 | 06:08 دمشق

الطاولة السداسية في تركيا
+A
حجم الخط
-A

تستعد تركيا للاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية على وقع انتخابات قد تكون هي الأصعب في تاريخها الحديث في ظل أزمة اقتصادية وسياسية تثقل خيارات الناخبين الأتراك خاصة من فئة الشباب. تبحث هذه المقالة في الموقف المحتمل لـ "تحالف الأمة" أو "الطاولة السداسية" - أكبر كتلة معارضة في تركيا - في الانتخابات المقبلة التي تفصلنا عنها شهران فقط، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الماضية والحالية.

ظهور الطاولة السداسية في السياسة التركية

بعد استفتاء عام 2017 الذي بموجبه تم تعديل الدستور التركي، تحولت تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي - الذي يشار إليه أيضًا باسم "نظام الحكومة الرئاسية". هذا النظام الجديد يجعل من الصعب على الأحزاب السياسية تأمين السلطة بمفردها، مما يستلزم تشكيل تحالفات بين الأحزاب قبل الانتخابات.

وبناءً على هذه الحاجة، بدأ تشكيل التحالفات في عام 2018، حيث أنشأ حزب العدالة والتنمية "تحالف الشعب" مع حزب الحركة القومية (MHP)، وردًا على ذلك أسس حزب الشعب الجمهوري (CHP)، والحزب الجيد وحزب السعادة والحزب الديمقراطي ما سُمي بــ "تحالف الأمة".

خلال التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة التي أُجريت منتصف عام 2018، تم التفكير بجدية في ترشيح عبد الله غول، الرئيس السابق لحزب العدالة والتنمية والرئيس الحادي عشر للجمهورية، كمرشح مشترك لتحالف الأمة لمنصب الرئاسة. إلا أن زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنار عارضت ذلك بشدة. لذلك لم يتم التوصل إلى توافق على مرشح واحد لخوض الانتخابات الرئاسية في مواجهة مرشح "تحالف الشعب" الرئيس رجب طيب أردوغان. وبناء على ذلك قام كل حزب من أحزاب "تحالف الأمة" باختيار مرشحه في الانتخابات الرئاسية. وبالتالي، لم يتمكن هذا التحالف في ذلك الوقت من التحرك بشكل مشترك إلا فيما يتعلق بالمرشحين للبرلمان. عدم توافق تحالف الأمة على مرشح واحد سهل فوز رجب طيب أردوغان من الدورة الأولى.

في عام 2019، شجع فوز "تحالف الأمة" برئاسة بلديات مهمة مثل إسطنبول وأنقرة في الانتخابات المحلية، قيادات التحالف وناخبيهم لتعزيز هذه التجربة تمهيدًا للانتخابات الرئاسية المقبلة. في تلك الأثناء قام القياديان المنشقان عن حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو وعلي باباجان بتأسيس حزبي "المستقبل" و"التقدم والديمقراطية" وبدأا في إجراء محادثات مع "تحالف الأمة". أخيراً، في شباط/فبراير 2022، اجتمع زعماء "ائتلاف الأمة" مع زعماء الحزبين الجديدين حول مائدة مستديرة لتشكيل ما بات يُعرف بــ"الطاولة السداسية". عقدت الطاولة السداسية خلال عام واحد خمسة عشر اجتماعاً على مستوى الزعماء، وأسفرت هذه الاجتماعات عن انضمام الحزبين الجديدين إلى "تحالف الأمة" بشكل رسمي وأصبحا جزءاً منه، وبذلك تحولت الطاولة السداسية أخيراً إلى "تحالف الأمة".

الدوافع الرئيسة لتشكيل الطاولة السداسية 

هناك عدة أهداف معلنة تجمع الأحزاب الستة أبرزها هو الاعتقاد المشترك بضرورة إقامة "نظام برلماني معزز". ويعتمد هذا الاعتقاد على فكرة أن النظام الرئاسي لا يتوافق مع التقاليد الديموقراطية في تركيا. لذلك، كان هدف الطاولة السداسية الأول هو الانتقال من النظام الرئاسي إلى نظام برلماني قوي عن طريق تعديل دستوري. بالإضافة إلى التعديل الدستوري، تهدف الطاولة السداسية أيضًا لتحقيق إصلاحات مؤسسية لتقوية مؤسسات الدولة مثل البنك المركزي والتعليم العالي، وشكلت لجانًا متعلقة بذلك. وفي نهاية المطاف، أصدرت ما يسمى "اتفاقية السياسات المشتركة" التي تم نشرها في 30 كانون الثاني/يناير 2023، وتضمنت معلومات مفصلة حول المجالات التي تم التوافق عليها.

مع ذلك، تم تأجيل الحديث عن المرشح المشترك لمنصب الرئاسة حتى وقت قريب جدًا من الانتخابات. وقد عزت الطاولة السداسية تأجيل الحديث عن المرشح إلى سببين: الأول هو أن الأمر المهم ليس المرشح وإنما المبادئ التي سيتم التوصل إليها، والثاني هو أن الإعلان عن هوية المرشح قبل الانتخابات سيؤثر سلبًا عليه، حيث يمكن أن يتعرض لهجوم من الحزب الحاكم.

في الثاني من آذار/مارس ومع اقتراب موعد الانتخابات، غادرت زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنار الطاولة السداسية بعد توافق الأحزاب الأخرى على اختيار زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو كمرشح للرئاسة. أبدت أكشنار اعتراضها على ترشيح كلجدار أوغلو وتمسكت بترشيح أحد عمدتي أنقرة وإسطنبول منصور يافاش أو أكرم إمام أوغلو. وكان الحزب الجيد، الذي يشكل ثاني أكبر أحزاب الطاولة السداسية، يشير منذ بداية عملية التحالف إلى ضرورة مراعاة تطلعات الناخبين. إلا أن تمسك الأحزاب الأخرى بترشيح كلجدار أوغلو دفع أكشنار إلى المغادرة مما تسبب بأزمة كبيرة كادت أن تعصف بالتحالف.

الوساطة المكثفة واستعادة التحالف مرة أخرى

بعد أربعة أيام من الضغوط والوساطات المكثفة، وافقت ميرال أكشنار على العودة إلى الطاولة شريطة أن يتم تعيين رؤساء البلديات في إسطنبول وأنقرة كنواب للرئيس بصلاحيات تنفيذية. إلا أن منح سلطات تنفيذية لنواب الرئيس ليس له أي أساس دستوري، لأن رئيس السلطة التنفيذية هو الرئيس. ومع ذلك، تم تضمين البيان المشترك الذي نشره التحالف في نهاية اجتماع الإثنين 6 آذار/مارس عبارة مفادها أنه "سيتم تعيين رئيسي البلديتين كنواب في الوقت الذي يرى فيه الرئيس ذلك مناسبًا" من أجل ضمان التسوية. علاوة على ذلك، وكجزء من الانتقال إلى النظام البرلماني، سيشمل مجلس الوزراء الحكومي وزارة واحدة على الأقل لكل حزب بناءً على حصته من التصويت.

وبما أن زعيمة الحزب الجيد انتقدت التحالف بلغة فظة، عندما وصفت الطاولة السداسية بأنها لا تعبر عن إرادة الشعب التركي، فمن المرجح بشدة أن يؤثر ذلك سلبًا على سلوك الناخبين، وأن يتسبب بضربة قوية للمعارضة بعد عملية مطولة بين الأحزاب، ويعكس غياب الأمان وعدم الثقة بين أطراف التحالف. ويمكن إرجاع معارضة الحزب الجيد لترشيح كمال كلجدار أوغلو لسببين: الأول اعتقاده بعدم قدرة كلجدار أوغلو على الفوز في الانتخابات في مواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان، والثاني يتعلق بالهوية السياسية والاختلافات الأيديولوجية بين هذه الأحزاب.

وعلى الرغم من إعادة توحيد التحالف السداسي مرة أخرى، يبدو أنهم سيواجهون تحديات كبيرة. أولاً، قد تتأرجح الشكوك عندما يتعلق الأمر بتصويت الناخبين الشباب الذين شهدوا أزمة الثقة في الائتلاف قبل الانتخابات. وبالمثل، فإن الناخبين المترددين، الذين يشكلون نسبة كبيرة، قد يتأثرون أيضًا بهذا الوضع. إن قدرة التحالف على كسب ثقة الناخبين وإزالة شكوكهم تمثل العقبة الأولى أمام نجاحهم الانتخابي.

ثانيًا، تعد قدرة "تحالف الأمة" على الوفاء بوعده بتغيير النظام السياسي تحديًا آخر يجب التغلب عليه. من أجل إحداث تعديل دستوري، يحتاج التحالف إلى 360 مقعدًا على الأقل من أصل 600 مقعد في البرلمان لطلب إجراء استفتاء شعبي للتحول إلى النظام البرلماني، و400 مقعد لإجراء هذا التغيير في البرلمان. لذلك، فإن لجوء التحالف إلى الدخول مع قوائم مشتركة من أجل الوصول إلى العدد المطلوب من النواب، وكيفية تنظيم هذه القوائم، يبقى اعتبارًا مهمًا. إذا لم يتمكنوا من الوصول إلى العدد الكافي من النواب في البرلمان، فلن يتمكنوا من إجراء التغيير المطلوب الذي يشكل هدفًا مركزيًا لتحالفهم.

أخيرًا، قد يكون احتمال دعم حزب الشعوب الديمقراطية (HDP) لمرشح التحالف المشترك كمال كلجدار أوغلو، على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية مع الحزب الجيد، إشكالية في المستقبل.