يذكر الموقع الرسمي للمرجع (الشيعي) محمود الصرخي أنه من مواليد 1964 في مدينة الكاظمية شمالي بغداد، وتخرج في كلية الهندسة في جامعة بغداد عام (1987م) بتفوق.
وتربّى الحسني في كنف والديه، وكان من عائلة بسيطة معروفة بالنزاهة وبالتقدير بين الناس، وكان هذا واضحًا جداً عند دخوله الحوزة حيث الجميع يشيدون بأخلاقه العالية.
والتزم الصرخي، منذ العام (1990م)، بالدراسة الحوزوية المنهجية؛ فبدأ قراءة المنطق لنفسه، والرسالة العمليَّة وأصول الفقه وعلوم العربيَّة لنفسه، وشارك في الامتحانات التي كانت تتمُّ في المكاتب والبرَّانيَّات مِنْ قبل الحوزات وتجاوزها.
وتفرغ الصرخي في العام 1994 للتعلم تماماً، وكان جلّ حضوره عند السيد محمد صادق الصدر (والد مقتدى الصدر) الذي انتدبه للعمل معه في إجابة الاستفتاءات في مكتبه، وبتكليف من الصدر (الأب) صار الصرخي خطيبًا وإمام جمعة في مدينة الحلة.
وللصرخي العديد من المؤلفات، منها "فلسفتنا"، والبحوث الأصولية والفقهية والأخلاقية والتاريخية والعقدية والتفسيرية، والرسالة العملية، والمنطق وأصول الفقه.
وتميز الصرخي مبكرا بالعديد من المواقف، ومنها إصراره على المرجعية الدينية العربية، ورفضه للطائفية والمذهبية!
وكانت هنالك بعد العام 2003 محاولات من الاحتلال والحكومات المركزية لمعاقبة الصرخي، وذلك لمواقفه الرافضة للتدخل الخارجي السياسي والديني، ومعارضته للدستور الذي كتب في مرحلة الاحتلال وللاتفاقية الأمنية (2008) التي وقعتها حكومة نوري المالكي مع واشنطن، وقد كان الصرخي من الداعين لنهاية الاحتلال دون أي شروط تذكر!
ولم تكن مواقف الصرخي الرافضة للاحتلال والعملية السياسية بالمجان، حيث تعرض للعديد من الهجمات ومنها هجوم قوات الاحتلال على منزله في كربلاء منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2003، ويقال أنه قتل خلاله العديد من أتباع الصرخي وزائريه، وبالمقابل قُتل بعض عناصر القوة الأميركية المهاجمة!
وقد تمخض عن الهجوم الأميركي نتائج كارثية تمثلت بهدم منزله ومكاتبه، وإغلاق المساجد التابعة له، وتشريده وعائلته وأنصاره بوحشية!
وهنالك تسريبات كشفتها وثائق ويكيليكس ونشرتها العديد من الوكالات تؤكد، أن الصرخي انضم لميليشيا جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر في أعقاب الغزو الأميركي، وبعدها انفصل عن الصدر، وشكل ميليشيا (جيش الحسين)!
حاولت حكومة المالكي إلصاق تهمة الإرهاب بالصرخي وجماعته إلا أن الوقائع المؤكدة لبراءتهم حالت دون ذلك الاتهام الخطير القاتل المدمر!
وأن أنصاره، بحسب البرقيات المسربة في العام 2006، نفذوا "عدداً من العمليات ضد القوات الأميركية جنوبي العراق، وكانوا يخططون لشن هجوم على معسكر بوكا للقوات الأميركية في الجنوب ونظموا مظاهرة ضد إيران أمام القنصلية الإيرانية في كربلاء".
ولجميع هذه الأسباب حاولت حكومة المالكي إلصاق تهمة الإرهاب بالصرخي وجماعته إلا أن الوقائع المؤكدة لبراءتهم حالت دون ذلك الاتهام الخطير القاتل المدمر!
وقد ظهر الموقف الرسمي من الصرخي بوضوح في منتصف العام 2014، وبالذات بعد أن بين الصرخي موقفه من مظاهرات المدن الشمالية والغربية (2012 – 2014)، حيث دعا إلى ضرورة عمل حكومة المالكي لتنفيذ المطالب المشروعة للمتظاهرين، وهذا ما لم تفعله الحكومة!
وبعد سيطرة داعش على ثلث العراق تقريبا، منتصف العام 2014، وقف الصرخي بالضد من فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع الشيعي علي السيستاني!
وبناءً على ما تقدم فقد تعرض مقر الصرخي في كربلاء لهجوم شرس استخدم فيه الطيران الحكومي، وقد قتل العشرات من أنصار الصرخي، وأجبرته تلك الضغوطات على الاختفاء لعدة أشهر دون أي معلومات تذكر سواء أكان الاختفاء داخل العراق أم خارجه!
ويقال أن جماعة الصرخي حملوا السلاح ضد الحكومة ثلاث مرات ما بين العام 2005 – 2014.
وعاد الصرخي للظهور نهاية العام 2014 عبر رسالة صوتية، وأخبر أنصاره أن من أسباب الاستهداف له مواقفه الرافضة للتدخل الخارجي، ورفضه الاقتتال الداخلي!
ولم تنته المواجهات الفكرية والدينية بين الصرخي وخصومه (الدينيين والسياسيين) خلال المراحل الماضية، ولكنها بقيت "مسكوتاً عنها" بسبب ما أحدثته ثورة تشرين في العام 2019 من تغير في معادلات القوة الداخلية، ولهذا لم نرَ أي ملاحقة واضحة لجماعة الصرخي خلال الفترة الماضية.
وعادت المواجهة مع الصرخي قبل أيام بعد خطبة لخطيب "حسينية الفتح المبين"، في الحلة، علي المسعودي، (التابع للصرخي)، يوم 11/4/2022، والتي دعا فيها "إلى هدم المزارات والمزارات الدينية الشيعية"!
وإثر هذه الدعوة تعرض أنصار الصرخي ومساجدهم للاعتقال والهدم والاحتراق في بغداد، والبصرة والنجف والديوانية وبابل وبقية مدن الجنوب، والغريب أن الأجهزة الأمنية لم تتدخل، وكانت تتابع، بهدوء، عمليات حرق المساجد والمكاتب!
واكتفت وزارة الداخلية ببيان غير مقنع لكونها كانت تراقب عمليات الهدم والحرق، دون أن تضبط الأمن، وتفرق الجماهير الغاضبة، وأكد بيان الوزارة أنها "تتابع بحرص ومسؤولية تعزيز الأمن والاستقرار والحفاظ على السلم المجتمعي، وأن تشكيلاتها أغلقت وفقاً للضوابط القانونية مقار هذه الحركة المنحرفة واعتقلت بمذكرات قضائية المنحرفين المتجاوزين على المشاعر والعقائد لينالوا جزاءهم العادل"!
وذكر جهاز الأمن الوطني يوم 13/4/2022 أنهم "اعتقلوا (29) متهماً بالانتماء إلى الحركات المتطرفة في بغداد، والعديد من محافظات الجنوب".
وبعد أيام أصدرت محكمة تحقيق مدينة العمارة الجنوبية مذكرة قبض بحق الصرخي، وفقا للمادة (372) عقوبات التي تنص على "معاقبة من يعتدي بأحد الطرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية أو حقّر من شعائرها"!
وهذه المذكرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة!
المواجهة بين الصرخي والجهات الرسمية ربما ستتطور خلال المرحلة المقبلة دون إمكانية تحديد شكل هذا التطور ومآلاته!
ورغم كل هذه الاعتقالات والتهديدات يصرّ أتباع الصرخي ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبالذات مساحات تويتر على أنهم ماضون بالوقوف مع مرجعية الصرخي، ولهذا وجهت وزارة الداخلية، وفي ساعة مبكرة من يوم 18/4/2022، مفاصلها المختلفة على أن "أتباع الصرخي بصدد الخروج بتظاهرات في بعض المحافظات للمطالبة بإطلاق سراح أتباعهم الذين اعتقلوا مؤخرا"!
وهذا يعني أن المواجهة بين الصرخي والجهات الرسمية ربما ستتطور خلال المرحلة المقبلة دون إمكانية تحديد شكل هذا التطور ومآلاته!
ويمكن مع هذه التطورات الأخيرة تسجيل الملاحظات الآتية:
- القضية بين المرجعية الصرخية وبقية المراجع قضية دينية فكرية يجب أن تحلّ بالدرجة الأولى عبر الحوار والنقاش وليس بالتهديد والتهديم والاعتقال والتهجير.
- الجانب الرسمي لم يكن محايدا في معالجة المسألة، وكان يفترض على الحكومة مطالبة المرجعيات الأخرى بالتدخل وتوضيح المسألة للجمهور بعيدا عن مشاركتها (الحكومة) المباشرة!
- استخدم القضاء بتعسف واضح، ولهذا لا يمكن تفسير كيف أن محكمة في جنوب العراق هي التي أصدرت أمر اعتقال الصرخي، وليس مجلس القضاء الأعلى المركزي ببغداد، ونحن نتحدث عن قضية عامة.
- عمليات هدم مساجد الصرخيين والاعتقالات والمطاردات غير مبررة قانونيا، ومخالفة للشريعة، ولهذا يفترض إطلاق سراح المعتقلين والعمل على معالجة الموضوع بالسبل الشرعية والفكرية.
- عمليات الهدم والحرق للمساجد كادت أن تؤدي لمواجهات أهلية في مدن الجنوب، لولا تدخل الصدر وغيره لتهدئة الأمور!
يبدو أن المعطيات المتوفرة تؤكد أن حالة الانسداد السياسي في العراق وجدت منفذا دينيا ومذهبيا وشعبيا يمكن من خلاله إشغال الجماهير بهذه التطورات والتغليس على عدم التوافق السياسي المتعلق بمنصبي رئيس الجمهورية والوزراء، وبالذات مع استمرار الغضب الجماهيري بسبب سوء إدارة الدولة!
وهكذا أتصور أن الأيام المقبلة تحمل الكثير من التطورات بخصوص الصرخي وجماعته، وفي كل الأحوال فإنها لن تكون لصالح فريق الصرخي لأنهم الطرف الأضعف في المعادلة.