أسفرت الانقسامات الحادة في صفوف الجهادية السلفية عن ولادة حركة جديدة موالية للقاعدة.
مع بدء تحوّل الانتفاضة السورية ضد نظام الأسد إلى ثورة مسلحة، كانت الجماعات الجهادية السلفية في طليعة الحراك نحو حمل السلاح ضد النظام. وقد راحت هذه الحركات تجذب المقاتلين المحليين والأجانب نظراً لأنها قدّمت الدعم الفكري في النزاع، وأصبح الجهاديون السلفيون من بين ركائزها الفكرية والعسكرية لأنها مثَّلت لهم أيديولوجية تستند إلى فكرة السنة المضطهَدين الذين يواجهون نظاماً مسلحاً بالطائفية، حيث أخذ الصراع مساراً عقائدياً طائفياً.
بَيد أن الانقسامات سرعان ما بدأت تتسلل إلى صفوف الجهاديين، خاصة بعد ما رأى فيها العديد منهم محاولات من قبل أبو محمد الجولاني وحزبه، جبهة النصرة، لاحتكار السيطرة على المشهد السياسي السوري. فبعد انشقاق النصرة بقيادة الجولاني عن داعش، وإنهاء ولائها للقاعدة، تحوّل الخلاف بعد ذلك من انقسام تنظيمي إلى خلافٍ حول الأساليب. وأدى هذا الصراع والخلاف الفكري إلى نشوء ثلاثة فروع مميزة بين الجماعات الجهادية في سوريا: دعم الأول جبهة النصرة، أمّا الثاني فنأى بنفسه، في حين كان الثالث أقرب ما يكون إلى داعش.
ولكن في نهاية المطاف، كان انشقاق جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة، المجموعة الأم، بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير، لأن هذا الفعل في حد ذاته أفضى إلى انقسام جبهة النصرة نفسها إلى مجموعة من الموالين للقاعدة الذين انفصلوا عن المجموعة الرئيسية وآخرين أعادوا تجميع أنفسهم ضمن ما يُعرَف بهيئة تحرير الشام. كانت المجموعة الانفصالية تتكون في غالبيتها من أولئك الذين يمثّلون "التيار الأردني" الموالي لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. واقتصر الخلاف على تبادل النصح واللوم إلى أن دخلت تركيا وتحالفها الهش مع هيئة تحرير الشام، والذي رفضه التيار الأردني، واصفاً الأتراك "بالكفّار" وموجّهاً الانتقادات لهيئة تحرير الشام لتهاونها وتخلّيها عن "ثمار الجهاد".
أصبحت الانقسامات الفكرية بين الطرفين أكثر حدة ووصلت إلى النقطة التي حاول كل طرف فيها إحراج الآخر من خلال فضح ما يعتبر أسراراً محرّمة، مثل كيف تمت مبايعة القاعدة، في حين اتهم أنصار تنظيم القاعدة هيئة تحرير الشام بالخيانة والحنث بالقسم.
زادت هيئة تحرير الشام من درجة المخاطرة عندما نفذت حملة اعتقالات كبرى في 26 تشرين الثاني / نوفمبر 2017، وقد شملت الحملة قادةً من الدرجة الأولى والثانية من الموالين للقاعدة. وألقي القبض على المسؤول الشرعي السابق في جبهة النصرة، وهو الأردني سامي العريضي، وزميله في جبهة النصرة إياد الطوباسي (أبو جليبيب). كما اعتُقل نائب الزرقاوي، خالد العريدي (أبو القسام)، والقائد العسكري العام السابق للنصرة، أبو همام الشامي، وكذلك أبو خديجة، أردني الجنسية، وقادة من الدرجة الثانية من بينهم أبو مسلم وأبو الليث.
وضعت هذه الاعتقالات هيئة تحرير الشام في موقف محرج أمام مؤيديها والعديد من علماء الشريعة الجهاديين لأنها اعتقلت أشخاصاً مهمين من حيث التركيبة وفي قدرتهم على الصمود في وجه توسع داعش. كما أدت هذه الاعتقالات إلى فقدان هيئة تحرير الشام الكثير من شرعيتها.
ودفعت جميع هذه الأمور بالظواهري إلى أن يوعز لأنصاره بتشكيل مجموعة تحت سلطته. ووسط تشتّت هيئة تحرير الشام وانشغالها في قتال حركتي الزنكي وأحرار الشام؛ أُعلِن عن تشكيل جماعة حراس الدين في 27 شباط / فبراير 2018. وقد دعت المجموعة في بيانها التأسيسي إلى وقف القتال بين الزنكي وأحرار الشام وتحرير الشام، وإلى توحيد الجهود المبذولة لمحاربة قوات بشار الأسد.
حراس الدين، فرع مستحدَث لتنظيم القاعدة في سوريا
تشكّلت مجموعة حراس الدين من عدد من الجماعات الجهادية، مثل جند الملاحم وجيش البادية، وجيش الساحل، وغيرها من الألوية والوحدات ذات التوجه الجهادي. وبحسب أحد القادة الجهاديين، فإن قائد التنظيم هو الزعيم السوري-الأردني أبو همَّام الشامي، وقائده العسكري هو أبو همَّام الأردني. أمّا أبرز علمائه الشرعيين فهُما الأردنيان سامي العريضي وأبو جليبيب الأردني. وتضم الشخصيات الجهادية التي انضمت إلى التنظيم أبو بصير البريطاني وأبو أنس السعودي وحسين الكردي وأسماء أخرى معروفة في المشهد الجهادي. وبحسب تقديرات القائد العسكري فإن لدى جماعة حراس الدين نحو 2000 مقاتل.
ويعدّ تنظيم حراس الدين أحد مكونات تنظيم القاعدة التي تُعرف بولائها القوي لزعيم التنظيم أيمن الظواهري، لكن الجماعة -حراس الدين- تعاني من جرّاء عدد من المسائل بما في ذلك نقص التمويل وانخفاض مستويات التسلح. فقد صادرت هيئة تحرير الشام أسلحة معظم أولئك الذين انضموا إلى صفوفها. كما يفتقر تنظيم حراس الدين إلى هيكل إداري مركزي وهو موزّع إلى مجموعات صغيرة في أجزاء مختلفة من شمال سوريا. وتعمل الجماعة على اجتذاب المهاجرين (المقاتلين الأجانب) وكذلك المقاتلين المحليين الذين غادروا هيئة تحرير الشام.
أهم أهداف حراس الدين هو الحفاظ على الولاء التقليدي للقاعدة والحِفاظ على رؤيتها الدولية للصراع. لقد حوَّلَ الجولاني بطريقة عملية تنظيم القاعدة، من خلال جبهة النصرة، بعيداً عمّا كان يعرف بـ "الجهاد الدولي" إلى منظمة محلية تتفاعل مع بيئة سياسية معقدة. وقد أثار ذلك غضب القادة ومنظِّري الحركة الجهادية الذين نظروا إلى الصراع من خلال منظور شامل يهدف إلى عولمته وليس إلى جعلِه مقتصراً على الحدود الوطنية.
وفي الوقت الراهن، تريد القاعدة إثبات أنها تستطيع التكيف مع الواقع المحلي والدولي في سوريا. وهي تسعى إلى الادعاء بأنها أكثر نضجاً ووعياً بمسار الصراع من داعش ومن الجولاني من خلال إثبات رفضها محاربة الجماعات الثورية الأخرى على الرغم من الاختلافات الفكرية الشديدة بينهم.
يعتقد قائد جماعة جهادية سابقة يدعى أبو عوض الحلبي أنَّ "من المتوقع حدوث مواجهة بين الجماعات الجهادية المختلفة والجماعات الثورية بعد سيطرة القوات التركية وحلفائها في الجيش السوري الحر على عفرين وفتح الطريق بين إعزاز وإدلب. وتشير تركيا إلى أنها ستدخل إدلب إلى جانب الجماعات الحليفة، في حين أن هناك أيضاً اتفاقا بين تركيا وروسيا على طرد الجماعات الجهادية من إدلب.
ولئِن أعلنت الجماعات الجهادية، لا سيما المقربة من القاعدة، وقوفها على الحياد في الصراع بين جماعات الثوار وهيئة تحرير الشام، لأن كلاًّ من القاعدة والجماعات المتمردة ترى في الهيئة تهديداً لها؛ فإن الجماعات المتمردة لا تريد كذلك الأمر معاداة هذه الجماعات الجهادية لتجنُّب دفعها للانضمام إلى هيئة تحرير الشام. وترغب القاعدة، من خلال جماعة حراس الدين، في تجنب الصراع مع الجماعات المحلية وتأمل في الحصول على الدعم من خلال تجنب هذا القتال.