يعتبر القرار الدولي 2254 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 18/12/2015 خلاصةً جامعةً للقرارات ذات الصلة بالصراع السوري. ويمكن القول، أن مرور ثلاثة أعوامٍ على صدور هذا القرار لم تكف لتنفيذه. وهذا يكشف عن أمرين اثنين هما: القرار المذكور ليس أكثر من توافقات مؤقتة في لحظة صراعٍ مستمر. وكذلك عدم جدّية الطرفين الرئيسيين الضامنين للقرار " الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية روسيا الاتحادية " على تنفيذه. وتأتي عدم الجدّية من خلال غياب دور إلزامي لأطراف الصراع على تنفيذه وكذلك لغياب جدول زمني محدّد.
لقد جاء في الفقرة الخامسة من القرار الدولي 2254 " إذ يؤكّد (مجلس الأمن) على أنّ الحل المُستدام الوحيد للأزمة
الروس وهم عضو دائم في مجلس الأمن، وأحد راعيي القرار الدولي المذكور، لم يكونوا جادين على تنفيذ هذا القرار، إذ شاركت قواتهم الجوّية، وكذلك قواتٍ تابعةٍ لهم في عملياتٍ على الأرض ضدّ قوات المعارضة
الراهنة في سوريا، يقوم فقط من خلال عمليةٍ سياسيةٍ شاملةٍ بقيادةٍ سورية، تُلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، ضمن هدف التطبيق الكامل لبيان جنيف بتاريخ 30 حزيران 2012، كما صادق عليه القرار 2118 لعام 2013، المتضمن قيام جسمٍ انتقالي شامل بصلاحيات تنفيذية كاملة، يجري تشكيله على أساس التوافق المتبادل بالتوازي مع ضمان استمرار عمل المؤسسات الحكومية".
مرور ثلاثة أعوامٍ على صدور هذا القرار الدولي مع استمرار الصراع المسلح خلال هذه الفترة، يدفعنا إلى الاستنتاج أن الروس وهم عضو دائم في مجلس الأمن، وأحد راعيي القرار الدولي المذكور، لم يكونوا جادين على تنفيذ هذا القرار، إذ شاركت قواتهم الجوّية، وكذلك قواتٍ تابعةٍ لهم في عملياتٍ على الأرض ضدّ قوات المعارضة، وهذا يعني أنّ القرار المذكور لم يكن سوى مرحلة تسكينٍ أولى، ليتمّ تفريغه لاحقاً عبر خطوات سياسية مدروسة.
هذا ما فعله الروس بعد معركة حلب، إذ اشتقوا طريقاً لمفاوضات "تهدئة وخفض تصعيد" تحت استخدام القوة المدمّرة ضدّ قوى المعارضة المسلحة، وضدّ حاضنتها الشعبية.
الروس قسّموا سوريا إلى مناطق متعددة، يتمُّ تنفيذ أجندتهم فيها، وفق سياسة القضم التدريجي لهذه المناطق، في وقت تغافلوا فيه عن تنفيذ محتوى الفقرة الخامسة من القرار 2254، المتضمن قيام جسمٍ انتقالي شامل بصلاحياتٍ تنفيذية كاملة".
السياسة الروسية " التهدئة وخفض التصعيد " لا تريد تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254، فلو كانت تريد تنفيذه بشقيه السياسي والعسكري، كان بإمكانها أن تفعل ذلك، من خلال مفاوضات جنيف، وبرعايةٍ دوليةٍ، وبضغوطٍ متزامنة منها ومن الأمريكيين.
امتناع روسيا عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بالشأن السوري، يُظهرُ للعيان أن مضمون الفقرة الخامسة من القرار 2254 يكشف عن خللٍ عميق في إمكانية تنفيذه." فقيام جسمٍ انتقالي شاملٍ بصلاحيات تنفيذية كاملة" هو عملياً نفي لنظام الحكم الأسدي، وهذا يتعارض في ظلّ الصراع الدولي الحالي مع مصالح روسيا المتحققة مثالياً عن طريق بقاء هذا النظام واستمراره.
الروس لن يمرّروا تنفيذ القرار 2254 ببنوده كما ورد في نص القرار بدون ضماناتٍ غربيةٍ حقيقية، تتعلق بمصالحهم في سورية من جهة، وبتبريد جبهات صراعهم الأخرى مع الغرب، مثل صراعهم مع أوكرانيا حول شبه جزيرة القرم، أو في توطيد حلٍ دائم لمسألة الطاقة، أو موضوع الدرع الصاروخية في أوربا.
الغرب هو الآخر ليس مهتماً أن يتمّ تنفيذ القرار المذكور بسرعة، فهم جنحوا لسياسة إغراق الروس برمال الصراعات، وهذا واضح من رؤيتهم للوضع في سورية، ومن فتح باب صراع جديد بين الروس وأوكرانيا.
إذاً يمكننا القول أن غياب الشرط الملزم لتنفيذ القرار الدولي ،2254 جعل من هذا القرار قراراً غير صالحٍ لحلٍ حقيقي في سورية. فالقرار لم يأخذ بالحسبان طبيعة الطرفين المتصارعين، طبيعة النظام الأسدي الاستبدادي، والذي لا يقبل بغير الحسم العسكري لهذا الصراع، لأنه يُدركُ تماماً أن لا حياة له سياسياً واقتصادياً إذا ما تمت عملية تفكيك بنيته الاستبدادية. كذلك لم يأخذ القرار بطبيعة ومطالب القوى المعارضة المسلحة التي تريد بناء دولة مدنية ديمقراطية تعددية، والتي لن تستطيع تحقيقها في ظلّ إصلاحاتٍ شكليةٍ تريدها موسكو واجهةً لتعيد من خلفها عملية تأهيل النظام الأسدي.
هذه الحال هي من يقف ضدّ إيجاد حلٍ عادلٍ لقضية الصراع السوري، وهي حال ستستمرّ إذا استمرّ غياب دور تنظيميٍ سياسيٍ وعسكريٍ فعّالين لدى المعارضة السورية، التي تكون موحدةً تحت برنامج عملٍ سياسي واحد، وتحت إمرة قيادة موحدة، بعيداً عن الفصائلية والحزبوية الضيّقة.
إنّ وجود آليات جديدة للصراع مع النظام الأسدي يقتضي قبل كل شيء الاعتماد
إنّ ظهور حالة وحدة سياسية للمعارضة السورية، سيدفع بكلّ الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع السوري إلى مراجعة حساباتها السياسية
على قدرات الشعب السوري الذاتية، التي تخدم أجندة الثورة السورية، وتحقيق أهدافها وإن بصورة الحدّ الأدنى، وهذا يُلغي بالضرورة الاعتماد على الخارج، الذي يمرّرُ مصالحه السياسية عبر غياب هذا الدور.
إنّ ظهور حالة وحدة سياسية للمعارضة السورية، سيدفع بكلّ الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع السوري إلى مراجعة حساباتها السياسية، فهي ستجد نفسها كما وجد الروس أنفسهم في حالة غرقٍ تدريجي في رمال الحرب السورية.
إذا استطاعت المعارضة السورية أن تشتقّ وحدتها السياسية، فهذا سيكون عامل ضغطٍ كبيرٍ على راعيي القرار 2254، وعلى بقية الأطراف المنخرطة في الصراع السوري لتنفيذ القرار المذكور. بما يعني قيام هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، وبدون مشاركة رأس النظام وبطانته في هذه المرحلة، أو في مستقبل الحياة السياسية السورية.
فهل تنتقل المعارضة السورية بكل أطيافها من حالتها السلبية في انتظار حلول إقليمية أو دولية للصراع بينها وبين النظام الأسدي إلى مرحلة بناء الحل الوطني الديمقراطي بأيد سورية، ودون تبعية لأجندات إقليمية أو دولية؟
سؤال إجابته برسم المعارضة السورية.