الشمال السوري بين استمرار دعم المنظمات وإيقافه: التحديات والمخاطر والمقترحات

2024.08.19 | 06:16 دمشق

5346456
+A
حجم الخط
-A

لا يخفى على أحد الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب في شمالي سوريا، فالأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالشمال السوري لا تزال تلقي بظلالها على مختلف فئات المجتمع السوري: تضخم الأسعار والحصار الاقتصادي وضعف الاستثمارات والظروف القاهرة التي تعيشها المنطقة، جميعها تفرض على الوضع الراهن شروطاً وظروفاً تقيّد المعيشة وتفاقم الوضع الحالي. 

من هنا برزت الحاجة إلى فتح أطر جديدة والبحث عن حلول للتخفيف من الظروف الصعبة التي تعاني منها المنطقة. فالمنظمات المحلية والدولية والمؤسسات بمختلف أسمائها وهياكلها طرحت العديد من الحلول والبدائل على مدار سنوات للتخفيف من حدة صعوبة العيش في مختلف المجالات.

من أهم هذه المجالات هو المجال الطبي، الذي يُعد من أهم الحاجات الطارئة. حيث تم دعم المشافي والمستوصفات والمنظومات الإسعافية بشكل كامل، من تجهيزات وصيانة وأدوات ورواتب العاملين، بالإضافة إلى شبكات الرصد الوبائي والمشافي التي تقدم العمليات الجراحية والأدوية. أضف إلى ذلك مشافي الأطفال والمشافي العامة التي تقدم خدمات متخصصة مثل غسيل الكلى والخدمات السمعية والبصرية، والتي تخدم الآلاف من الناس وتخفف من العبء الاقتصادي على المواطنين في الشمال السوري.  

ونذكر أيضاً الخدمات التي لا تقل أهمية عن الخدمات الطبية، ألا وهي خدمات التعليم. فدعم المدارس كان ولا يزال أولوية للعديد من المنظمات، ضمن الإمكانيات المتاحة، مع التركيز على هذا القطاع قدر الإمكان ودعمه باللوجستيات ورواتب العاملين نظراً لأهميته في هذه الظروف، وللتخفيف من التسرب المدرسي ومحاربة الأمية. 

كما تم دعم القطاع الخدمي مثل تعبيد الكثير من الطرقات المهمة، وتأمين فرص عمل يومية بهدف دعم الاقتصاد. كذلك تم دعم القطاع الزراعي مثل تأمين البذار والمستلزمات الزراعية لتخفيف العبء على المزارعين بهدف زيادة الإنتاج ودعم السوق المحلي. كما تم تقديم العديد من الخدمات والمشاريع الزراعية التي تهدف إلى دعم الإنتاج المحلي، بالإضافة إلى مشاريع الإيواء التي قامت بتخديم أعداد كبيرة من الناس الذين فقدوا مساكنهم. وتم أيضاً دعم الأفران والتركيز على دعم المياه وإيصالها للمحتاجين في المخيمات وفي المدن أيضاً، حيث تم تقديم الدعم لتغذية مياه الشرب لتصل للأهالي، للتخفيف من عبء شراء المياه 

إن مختلف هذه المجالات تلقت دعماً كبيراً على مدار السنوات الفائتة من شأنه أن يخفف من الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها سكان شمال سوريا، عن طريق خلق فرص عمل وتأمين وظائف للعاملين. فعلى سبيل المثال، طرحت عدة منظمات الكثير من المشاريع الصغيرة التي تهدف إلى التمكين الاقتصادي وإلى خلق فرص عمل صغيرة ومتوسطة بهدف دعم السوق ودعم الاقتصاد، للتخفيف من الأزمة الحالية. ولقد شاهدنا العديد من المشاريع الصغيرة الناجحة التي أتت بعد جهد كبير، وبعد تدريبات مهنية أطلقتها العديد من المنظمات، والتي ساهمت في التأمين والتمكين الاقتصادي للعائلة، وضمنت لرب الأسرة حياة كريمة ومقبولة، وخصوصاً إذا كان المسؤول عن الأسرة من النساء أو من ذوي الإعاقة. وهذا يعكس الدور الحقيقي للتدريبات المهنية وبرامج التمكين التي تقدمها المنظمات.  

بالإضافة إلى مشاريع النقد مقابل العمل التي وفرت المئات من فرص العمل للفئات الشابة والعاطلة عن العمل من كل فئات المجتمع، مما يساهم في تحريك السوق وتدوير الأموال في السوق المحلية، وبالتالي تعم الفائدة على الجميع. أضف إلى ذلك إطلاق برامج توعوية وإنشاء مراكز توعية وتبني المواهب، بهدف توجيه الجيل الجديد نحو الاتجاه الصحيح وإلى البوصلة الصحيحة التي توجههم نحو الخيار الأفضل في حياتهم، والتخطيط لمستقبلهم بشكل فعال وراسخ بخطى ثابتة وواعية. 

فالمنظمات المحلية والدولية والمؤسسات لم تترك مجالاً من المجالات يخدم الناس إلا وقد عملت به، وقدمت دراسات عن المشاكل والحلول، ثم انتقلت إلى المرحلة الثانية وهي التنفيذ بخطى ثابتة ومدروسة، وبالتنسيق مع المنظمات والمؤسسات الأخرى والجهات المجتمعية، بما يضمن تقديم أفضل خدمة للمنطقة المستهدفة، نزولاً عند حاجة تلك المنطقة للمشاريع المنفذة، بهدف ترك الأثر الفعال في تلك المناطق بحيث يخدم أكبر قدر ممكن من فئات المجتمع كافة وصولاً إلى مرحلة التعافي والتمكين. 

مخاوف وتحديات ومقترحات

اليوم، وفي الشهر الثامن من عام 2024، نتحدث عن مخاوف من تقليص الدعم الأممي للمنظمات أو تخفيف المخصصات المالية للمنطقة، مما ينعكس سلباً وبشكل كبير وخطير على الوضع المعيشي المعتمد أساساً على هذا الدعم. أرقام مالية كبيرة تدخل عن طريق المنظمات لدعم الوضع الإنساني الصعب هنا في شمال سوريا. ولا ننسى أيضاً أن هناك آلاف من أبنائنا يعملون في المنظمات كأطباء ومحامين ومهندسين ومعلمين.  

نحن اليوم نتحدث عن مخاوف إيقاف أو شح الدعم، حيث تضررت أعداد كبيرة من الناس نتيجة قلة الدعم الدولي، ولأننا في الشمال السوري لم نصل بعد إلى مرحلة التعافي الحقيقي أو التمكين الاقتصادي الذي يضمن الاعتماد على المجتمع. فإيقاف الدعم يهدد بإغلاق منشآت ضخمة مثل المشافي، التي هي غنية عن التعريف في أهميتها، ناهيك عن إغلاق العديد من الخدمات والمشاريع الضخمة التي تهدد الاقتصاد بشكل خطير. 

بالتالي، فإن الوصول إلى مرحلة التمكين الاقتصادي في الشمال السوري يتطلب المزيد من الدعم والمشاريع التي تركز على التمكين الاقتصادي. يجب العمل على تركيز بناء قدرات الأفراد من خلال التعليم والتدريب المهني، وتمكين المرأة والشباب لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. وهذا لا يتحقق إلا باستمرار دعم المنظمات والمؤسسات القائمة على الأرض، وتضافر الجهود والتعاون في مختلف المجالات بين المنظمات وفئات المجتمع كافة في الشمال، بما يضمن الاستمرار في وضع خطط ودراسات فعالة تهدف إلى إيجاد المزيد من الحلول والانطلاق نحو مرحلة التعافي والتمكين، وتشمل أيضاً برامج الدعم النفسي والصحة النفسية. 

في استطلاعات رأي فردية، أظهرت النتائج أن مطالب الناس لمشاريع التمكين الاقتصادي أصبحت تتزايد، وأن الوعي لدى معظم الناس بأن مشاريع التمكين الاقتصادي هي بداية طريق الحل للضائقة التي حلت بالمنطقة. العديد من المنظمات اليوم تواجه صعوبة في تأمين التمويل اللازم لتنفيذ مشاريعها. مع طول أمد الحرب والتوتر، تتضاءل المساعدات الدولية وتقل الموارد المالية، مما يضع المنظمات في موقف حرج لا تُحسد عليه، ويجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات السكان المتزايدة. 

بالتالي، وتبعاً للظروف الحالية، على المنظمات السورية تكثيف جهود المناصرة على المستوى الدولي للضغط باتجاه استمرار الدعم الدولي للمنظمات الإنسانية السورية، بل وزيادة الدعم للاستمرار في المشاريع الخدمية، بما يضمن الحد من المخاطر الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة. لكي تكون إحدى الخطوات الهامة وصولاً إلى مرحلة التعافي والتمكين الاقتصادي المنشودة.