السويداء.. نموذج للاقتصاد في المناطق التي يحكمها النظام

2024.10.22 | 06:14 دمشق

آخر تحديث: 22.10.2024 | 06:14 دمشق

5555555555551
+A
حجم الخط
-A

يقع مركز محافظة السويداء على مسافة 128 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من دمشق، ويبلغ عدد سكانها قرابة 555 ألفاً بحسب إحصائيات نهاية عام 2019، التي أوردتها صحيفة الوطن المقربة من النظام السوري.

وعلى مدار عقود وضعت السويداء خاصرة سوريا الجنوبية، ضمن معطى فرض الأمر الواقع، وهي تجاهد بكل ما هو متاح لخلق أنساق ومشتركات وقواعد مع باقي المكونات.

وفي خضم هذا المسار المضني والشاق، تغرق المحافظة كمنطقة تحت حكم النظام بمزيد من الإفلاس الاقتصادي، الذي بدأ يحفر عميقًا في البنية الاجتماعية والقيمية.

ومن المعلوم أن المحافظة تتصف بأنها زراعية في اقتصادها الأول. وقد تبعت ذلك في ظل سياسات البعث والنظام المتعاقبة، التي رتبت الأوضاع بما يخدم مصالح النظام المستبد في النهاية. ونالت المحافظة نصيبها من سياسات التهميش، حيث يبدو أن الأمر ممنهج لخلق حالة من الذل والاستتباع للنظام الأمني، من خلال سعي أبناء المحافظة للحصول على الوظائف والتعليم في مؤسسات تقع تحت سيطرة النظام واستبداده.

تغرق المحافظة كمنطقة تحت حكم النظام بمزيد من الإفلاس الاقتصادي، الذي بدأ يحفر عميقًا في البنية الاجتماعية والقيمية.

يأتي ذلك ضمن سعي النظام لإعدام الطبقات المتوسطة ومنع أي محاولة لخلق حالة إنتاج سياسي وثقافي. ولما نجحت سياسة النظام في ذلك، تم إنتاج كل هذا الفقر الاقتصادي والمعنوي، الذي أخذ صورة تكوين جيوب الفقر والإذلال والإقصاء.

في أثناء حكم الأسد الأب، الذي صدر نفسه في الثقافة والتعليم والإعلام على أنه باني سوريا الحديثة، لم يصدر أي تشريع أو قانون أو حتى موافقات على مشاريع صغيرة ترعاها المؤسسة الرسمية. وذهب أهل السويداء، قبل غيرهم من سكان سوريا، إلى مهاجرهم بحثًا عن لقمة العيش. وعاد القليل منهم لزراعة الأشجار المثمرة، ونجحت التجربة إلى حد كبير، لكن النظام كان له رأي آخر، حيث خلق المعوقات المختلفة، ووظَّف ذلك في صراعات طائفية وعسكرية واقتصادية وسياسية.

وكان لا بد من منع الحرية حتى في رعاية الأرض، وتم ذلك عبر التأخر في تَسلُّم المُنتَج وفي التسويق، وقبل ذلك عدم رعاية المشاريع تقنيًا ولوجستيًا.

وقد تعثرت زراعة التفاح والعنب سابقًا وحاليًا، حيث تدنى الإنتاج إلى مستوى غير مسبوق، وارتفعت أسعار المبيدات الحشرية ووقود الآليات إلى درجة العجز، وفي بعض الأحيان تم التخلي عن الأرض وإهمالها بشكل كامل.

لا يمكن أن نغفل هنا عن دور النظام في تحويل منطقة "ظهر الجبل" إلى منطقة فساد وفوضى وجرائم. ومع تعثر ترميم الآبار، أخذت الأزمة بُعدًا غير مسبوق، مما ينذر بنهاية كارثية ستزيد من حالة الفقر والتجويع.

أما فيما يتعلق بالخدمات الأخرى مثل "المشفى الوطني" في السويداء، فقد كانت إدارته دائمًا، كغيره من المؤسسات، رهن المحسوبيات، وما ينتج عنها من تجاوزات.

لكن قبل الحرب وبعدها، وضمن الإمكانات المتاحة، قدم المشفى خدمات كبيرة. إلا أنه اليوم في حالة انهيار، حيث يحتاج المبنى إلى تجديد عمراني وخدمي، وكذلك تأمين كوادر طبية متخصصة، إذ إن معظم الأطباء تركوا المحافظة وانتشروا في بقاع الأرض. ولم يتبقَّ سوى عدد قليل من الأطباء، وفي معظم الأوقات يقوم الأطباء المقيمون وجهاز التمريض بالمهام.

تتعرض تقنيات المشفى للأعطال ويتأخر إصلاحها. ومنذ بداية الثورة لم يتجدد في المشفى أي جهاز. والمشفى مكتظ بالمراجعين باستمرار، حيث ينتظر كثيرون دورهم في العمليات الجراحية، وقد تكون الأمراض خطيرة ومستعجلة، لكن لا يمكن تأمين كادر طبي أو خدمي إلا بعد انتظار طويل، مما يؤثر سلبًا على حياة المرضى.

يمكن أن نلمس الإفلاس الواضح في هذا الواقع من خلال استمرار السرقات والرشاوى، حيث تجد وثائق تتحدث عن عمليات غشّ تُعرّض حياة المرضى للخطر. يحدث كل هذا في ظل غياب تام للرقابة الحكومية، ويعود ذلك إلى النظام البعثي الذي مهد للإفساد والفساد باتّباع سلوكيات تهدف إلى اتباع طرق ارتزاق.

هذا المناخ العام من الإفقار والفقر يشكل بيئة حاضنة لانتشار مفاسد المخدرات، سواء كتعاطٍ أو اتجار، إلى جانب تشغيل القاصرين في أعمال غير إنسانية.

نستطيع هنا الحديث عن اجتهاد النظام الأمني في التعتيم، والذي أدى إلى خسائر كبيرة في الضمير المهني والسلوكي. ويمكن أن نتطرق إلى قطاع الخدمات الأخرى لنجد المشهد نفسه من التخريب وسوء الأداء، وسنرى أن قطاع المياه يعاني منه كل من المدينة والريف، حيث تنقطع المياه عن المنازل بشكل شبه كامل، ويضطر الناس إلى شراء المياه بأسعار خيالية، مما فاقم وضعهم المعيشي.

أما الكهرباء والاتصالات في المحافظة، فهي كارثة معممة في سوريا، ويذهب النظام إلى تفسير ذلك وتأويله وفق مصالحه.

ولا بد من الإشارة إلى قطاع المواصلات، الذي جعل ذهاب الطلاب إلى المدارس أمرًا عسيرًا للغاية. وسنجد حالات تسرب من التعليم، ستتحول إلى ظاهرة تزيد من أزمة المحافظة. كذلك ترك كثير من الموظفين أعمالهم وفضلوا السفر غير المضمون بحثًا عن عمل مربح.

ومن الجدير بالذكر أن هذا المناخ العام من الإفقار والفقر يشكل بيئة حاضنة لانتشار مفاسد المخدرات، سواء كتعاطٍ أو اتجار، إلى جانب تشغيل القاصرين في أعمال غير إنسانية.

وقد لا تكون السويداء وحدها ضحية ذلك، إذ تعاني أطراف سوريا جميعها من التهميش المقصود الذي عمل عليه النظام على مدار أربعين سنة، كانت آخر 14 عاماً نتاجاً للسنوات التي سبقتها.