ماذا لو فاز زعيم تحالف الأمة التركي المعارض، كمال كليتشدار أوغلو، في الانتخابات الرئاسية القادمة، وفاز تحالفه السياسي في الانتخابات النيابية المتزامنة معها.. كيف سينعكس ذلك على السوريين؟
من المؤكد أن التضييق "الرسمي" التركي، سيزداد، كماً ونوعاً، على السوريين المقيمين في الأراضي التركية. وقد تكون أبرز الأطراف المستهدفة من هذا التضييق، هي المؤسسات المعارضة، سياسياً وإعلامياً، الناشطة على تلك الأراضي، استجابةً لمطالب النظام السوري، الذي تستهدف المعارضة التركية "التطبيع" معه، فور فوزها، في الانتخابات.
لكن في الوقت نفسه، فإن بعضاً من أبرز الوعود "الوردية" التي قدّمها أوغلو للأتراك، وتلك "الكابوسية" التي توعّد بها السوريين، المتعلقة بإعادتهم جميعاً إلى "بلدهم"، في غضون عامين، تبقى قيد شروطٍ من المستبعد تخطيها، حتى على معارضة سيرحّب رأس النظام السوري، بشار الأسد، بالتعامل معها، بجديّة.
لا فروق نوعية كبيرة تميّز خطة المعارضة للتعامل مع "المعضلة" السورية، مقارنة بخطة الحزب الحاكم الآن، ورئيسه، رجب طيب أردوغان
وللتدقيق في خطة تحالف "الأمة"، حيال السوريين في تركيا، يمكن الرجوع إلى مصدرَين: تصريحات مسؤولين داخل أحزاب التحالف لوسائل الإعلام، والبرنامج السياسي للتحالف، الصادر في نهاية كانون الثاني/يناير الفائت.
وفي المصدَرين، نجد أن لا فروق نوعية كبيرة تميّز خطة المعارضة للتعامل مع "المعضلة" السورية، مقارنة بخطة الحزب الحاكم الآن، ورئيسه، رجب طيب أردوغان. فالمعارضة تتحدث عن حوار مع نظام الأسد، لاستئناف العلاقات معه، بهدف إعادة اللاجئين السوريين. وهو ما تفعله حكومة أردوغان، الآن. ربما الفارق، أن المعارضة، في حال فوزها بالانتخابات، قد تحظى بتجاوب أكبر من الأسد. لكن حدود هذا التجاوب ستقف عند تبادل السفراء، وربما، لقاءً على مستوى رؤوساء الدول. أي تطبيع رسمي كامل. في حين ستبقى بقية الملفات عالقة، في أروقة المفاوضات الثنائية.
فالانسحاب التركي الفوري من الأراضي السورية، كما يطلب نظام الأسد، ليس موضع ترحيب المعارضة أيضاً، على غرار موقف حكومة أردوغان. كذلك، فإن التخلي التركي المباشر عن الشمال السوري، الذي يحظى بنشاط إداري وإغاثي وسياسي وميداني تركي، منذ سنوات، ليس موضع ترحيب المعارضة، أيضاً. والتي تريد هي بدورها، إخضاع خروج بلادها من ذاك الكانتون، لبازار المفاوضات مع النظام السوري، كما تفعل حكومة أردوغان، الآن، تماماً.
ناهيك عن أن نشاطات الإعادة القسرية لأعداد كبيرة من السوريين إلى الأراضي السورية، دون تمهيد سياسي وميداني وحقوقي مناسب، ستتعرض لانتقادات حقوقية واسعة النطاق، وستعرّض علاقات تركيا بالغرب، للتوتر. وهو ما سيتعارض مع وعود المعارضة بإعادة إحياء مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتنفيذ جميع الإصلاحات القانونية التي تطلبها بروكسل، لهذا الغرض. كذلك، فإن الإعادة القسرية واسعة النطاق، قد تصيب الاقتصاد التركي بضرر مباشر لحظي، نتيجة انسحاب نحو 5% من العمالة المتمثلة بالأيدي العاملة السورية، وخسارة نحو 4% من متوسط مبيعات الشركات، وفق أرقام صادرة عن البنك المركزي التركي.
وبناء على ما سبق، لم يخفِ مسؤولون داخل تحالف الأمة أن تصريحات زعيمه، أوغلو، بإعادة السوريين إلى سوريا، في غضون عامين، ليس تصوراً واقعياً. في حين يطرح قادة آخرون داخل التحالف موعداً آخر بعد نحو ثلاث سنوات ونيف. في حين يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك. هذا وتستند، خطة أوغلو، إلى دعم مالي من الغرب، مما يعني أن الإعادة القسرية واسعة النطاق، لن تكون متاحة لتنفيذ الخطة أساساً.
لكن، في المقابل، فإن إعادة مرحلية ممنهجة، قد تكون هي البديل. إذ إنه، حتى لو فازت المعارضة بالانتخابات الرئاسية والنيابية القادمة، فإنها ستواجه خلال أقل من عام، في 31 آذار/مارس 2024، استحقاق انتخابات بلدية، ستمثّل تقييماً شعبياً لما نفذته المعارضة من وعود. مما يتطلب تحقيق إنجازات سريعة، في ملف اللاجئين السوريين. لذا من المتوقع أن تزيد المعارضة، إن تسلمت الحكم، من أدوات التضييق "الرسمي" على الوجود السوري، بصورة تزيد من رغبة السوريين بالمغادرة، "طوعاً". من ذلك، إعادة هيكلة مديرية إدارة الهجرة، بصورة تخدم أجندة المعارضة بهذا الشأن. كما، ومن المتوقع، أن يتم التضييق على المؤسسات والمنظمات غير الحكومية المحلية والأجنبية التي تنفذ أنشطة لمساعدة اللاجئين السوريين. وتلك التي تنشط سياسياً، ضد نظام الأسد. وقد يطول ذلك، مؤسسات إعلامية وبحثية أيضاً، لتعزيز مساعي المعارضة التركية للتطبيع مع النظام السوري، كما أشرنا آنفاً.
ووفق خطة المعارضة، من المتوقع التضييق على التأشيرات والإقامات الممنوحة للأجانب بشكل عام، خاصة السوريين. ليتجاوز التضييق نطاق اللاجئين، وليطول كل المقيمين.
كما وسيتم فتح ملف المجنسين السوريين. إذ تدعي المعارضة التركية أن حكومة أردوغان جنّست مليون سوري. في حين قالت وزارة الداخلية إن أعدادهم لا تتجاوز الـ 300 ألف. ورغم أن سحب الجنسية التركية أمر صعب، من الناحية الدستورية والقانونية، كما أن سحب الجنسية بشكل جماعي مخالف للقانون التركي، إلا أن هناك سوابق في التاريخ القريب، تظهر أن ثغرات في النصوص القانونية تتيح تحقيق هذا الهدف، وإن على نطاق ضيق. لذا من الممكن سحب جنسية عدد من السوريين، لغايات دعائية. لكن من المستبعد أن يكون هذا الإجراء، واسع النطاق.
حتى لو فاز "التحالف"، فإن مكوناته المتباينة سياسياً وإيديولوجياً، قد تعجز عن الاتفاق على تقاسم المكاسب، بعد أن نجحت في الاتفاق على تقاسم أعباء الصراع مع أردوغان
كل ما سبق، يبقى رهناً بنتائج الانتخابات في 14 أيار/مايو القادم. وكذلك، رهناً بتماسك تحالف الأمة، المنافس الرئيس لحزب العدالة والتنمية الحاكم. إذ حتى لو فاز "التحالف"، فإن مكوناته المتباينة سياسياً وإيديولوجياً، قد تعجز عن الاتفاق على تقاسم المكاسب، بعد أن نجحت في الاتفاق على تقاسم أعباء الصراع مع أردوغان. وحينذاك، إن انفرط عقد "التحالف" داخل البرلمان، سيفقد الرئيس الفائز –أوغلو-، الأغلبية البرلمانية، وسيجد نفسه في مواجهة مؤسسة تشريعية مناوئة له، مما سيقلل من قدرته على رسم سياسات الدولة وتنفيذها، بأريحية.