السوريون في اللابلاد

2024.09.30 | 05:37 دمشق

آخر تحديث: 30.09.2024 | 05:37 دمشق

لبنان
+A
حجم الخط
-A

تتواصل مأساة الشعب السوري من دون توقّف، منذ العام 2011، بعد أن قررت الحكومة السورية استثناءهم من مظلّتها المهترأة أصلاً.

فبعد عشرية وثلاثة أعوام توزّعتهم على امتدادها جهات الكرة الأرضية جميعها، وعانوا خلالها من شتّى ضروب الحروب والزلازل والأوبئة والاعتداءات والعنصرية وذاقوا أصناف الموت كافة من غَرَقٍ وحرقٍ ورصاصٍ وبراميل وصحاري، باتوا اليوم يواجهون خطراً جديداً يتمثّل في وجودهم ضمن نطاق حرب في لبنان أحد بلدان لجوئهم المؤقت.

ولمن لا يعلم فإنّ عدد السوريين في لبنان يتجاوز المليون نسمة، ينتشرون بين عموم المخيمات والمدن والقرى اللبنانية، ويعملون في مختلف المجالات المتاحة لهم، ورغم أنهم يعيشون على بعد كيلومترات قليلة من بلدهم الأم، إلا أن حكومة بلادهم لا تسمح لهم بالعودة، أو لنقل أنها تسمح لهم بالعودة شريطة أن يلاقوا مصيرهم في المواجهة مع الأجهزة الأمنية التي يعلم جميع سكان المعمورة دورها وأداءها ونتائج أفعالها مع شعبها فقط.

فالحكومة السورية وفي اجتماع استثنائيٍّ بثَّ التلفزيون الحكومي أجزاءً منه، عرض تقديم شتّى سبل المساعدة والتسهيلات للإخوة اللبنانيين في الدخول وفتح مراكز الإيواء وحتى تقديم المساعدات من الجمعيات الأهلية والخاصة وحتى الحكومية التي لا تعمل جميعها إلا ضمن توجيه واضح..

في كل الأحوال بدأت الحرب في لبنان على ما يبدو، وبدأت معها حركة نزوح ضخمة من الجنوب اللبناني إلى الشمال الذي ضاق بهم لاكتظاظ المحافظات اللبنانية بساكنيها وباللاجئين، فقرّرت الحكومة السورية تسهيل دخول عشرات آلاف اللاجئين اللبنانين إليها، من دون تقديم أي تنازل لصالح أولاد البلد من السوريين الذين ضاقت عليهم البلاد السورية واللبنانية.

فالحكومة السورية وفي اجتماع استثنائيٍّ بثَّ التلفزيون الحكومي أجزاءً منه، عرض تقديم شتّى سبل المساعدة والتسهيلات للإخوة اللبنانيين في الدخول وفتح مراكز الإيواء وحتى تقديم المساعدات من الجمعيات الأهلية والخاصة وحتى الحكومية التي لا تعمل جميعها إلا ضمن توجيه واضح، فتدفّقت المساعدات والطعام والشراب عليهم وهذا شأن عظيم وكرم كبير من شعب عرف عبر التاريخ بكرمه وحسن وفادته لـ(المَضْيوم) والمكْلوم ولِمن ضاقت به الدنيا وتقاذفته الصروف، لكن المفارقة تكمن في أن الحكومة السورية نفسها التي تنادت للدفاع عن حقوق الإخوة اللبنانيين، نسيت، أو تناست، أن في البلد المجاور ما يزيد على مليون مواطن يحمل الرقم الوطني السوري، وسيضطر مثله مثل اللبناني إلى مغادرة الأراضي اللبنانية في حال استمرت الحرب على الدرجة نفسها من الحدّة والقسوة، ولربما نسيت أيضاً، أو تناست، أن الشعب السوري يعيش في المحافظات والمدن السورية من دون كهرباء أو ماء وهو على حافة خط الفقر.

وفي حين ألغت الحكومة السورية رسوم الدخول إلى أراضيها للمواطن اللبناني، أصرّت على وجوب تصريف كل لاجئ سوري لمبلغ 100 دولار أميركي لقاء دخوله الأراضي السورية، فإذا كانت العائلة السورية اللاجئة في لبنان تتألف من خمسة أشخاص على سبيل المثال، توجب على رب العائلة تقديم 500 دولار للحكومة السورية كي تقبل دخوله لبلدها/ بلده، وهذا طبعاً سيكون قبل أن تتلقّفه المؤسسات الأمنية التي وُجِدت وخُلِقت لأجل هذه اللحظة التي سيواجه السوري فيها مصيره وقدره معهم.

وسط هذا التناقض الكبير الذي تمارسه الحكومة السورية على أبناء شعبها، بات من الجليّ أن هذه الحكومة لا تلقي بالاً لمواطنيها بل لربما لا رغبة لديها فعلاً بعودة هؤلاء المواطنين الشرفاء إلى بلادهم بأمنٍ وكرامةٍ وشرف.

يبدو أن مأساة الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم ستصب جام ألمها فوق شعوب المنطقة التي بات من الواضح أنهم هم المستهدفون وليست فقط الأرض التي يعيشون فوقها..

فحين نعلم أن حكومة النظام سمحت، خلال العام الفائت فقط، بدخول مليوني زائر عراقي إلى الأراضي السورية وقرابة مليون زائر إيراني، وبأنها تمنع عودة اللاجئين السوريين إلا بشروط أوّلها مالي وآخرها يتعلق بمساومات دولية، نتأكّد عندها أن السوري وُلد وحيداً في هذا العالم، ولا ينافسه في هذا المصير إلا أبناء الريح من الفلسطينيين الذين تقاذفتهم الدول والمؤامرات الأممية بين لجوء ونزوح وإقامات وهجرات وترحيل وتشريد وتغريب، من دون أي سند أو ظهر يحميهم أو يذُود عنهم.

في عموم الصورة يبدو أن مأساة الحرب المستمرة، منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم، ستصب جام ألمها فوق شعوب المنطقة التي بات من الواضح أنهم هم المستهدفون وليست فقط الأرض التي يعيشون فوقها، فحينما يكون مصير مليوني فلسطيني يعيشون فوق أراضي غزّة هو ورقة للتفاوض بين دول الإقليم، وحينما يكون مصير قرابة عشرة ملايين سوري يعيشون في سوريا ولبنان وتركيا، هو ورقة للتفاوض بين حكومة بلادهم ودول العالم، فلا غرابة من أن يشعر السوري بالألم وفقد الانتماء وضياع الهوية، وحتى فقدان البوصلة.

ولولا أن السوري يعلم أن الدم حرام، ودم السوري مقدّس وثمين ويجب ألا يُسفك، لتاهت النوايا والمساعي في توحيد هذا الشعب البائس المكلوم بحكومته وبأعدائه.