يبدو أن رئيس النظام السوري، وافق على بيع الوجود الإيراني للسعودية، ضمن الذي وافق عليه لعودته للحضن العربي، من تجفيف منابع تهريب المخدرات وتغيير الوجوه، السياسية والأمنية والاقتصادية، المطلوبة والمعاقبة دولياً، بالتوازي مع انتخابات تشريعية وتغيير الحكومة، وصولاً لإعادة تموضع الوجود الإيراني وتقليل تدخله بالقرارات السياسية والاقتصادية، كبداية توصل إلى إحلال الوجود والأموال العربية مكانه.
في مقابل "عفا الله عمّا مضى" ويعود بشار الأسد "الرئيس الشقيق" وتقف المملكة السعودية، ومن ورائها الخليج، إلى جانب الأسد، لإعادة تعويمه، بالمنطقة ودولياً، قبل إغداق "البترو دولار" لإعادة الإعمار وتسديد الديون الإيرانية التي تلوّح بها طهران، كإحدى أدوات الضغط إلى جانب النفط وقوة الأمر الواقع على الأرض.
وكل ذلك بالتوازي مع التضييق على المعارضة السورية وإغراقها في "الواقعية" للوصول إلى تعديل شكلي للدستور، ينص، حتى على حق بشار الأسد بالترشح للرئاسة عام 2028 بعد حكمه لأربع دورات، منذ ورث السلطة عن أبيه عام 2000. وربما، مشاركة شكلية "للمعارضة الكيوت" في مناصب حكومية لاحقة.
وبدأ المراقب يلحظ، مما بعد زيارة الرياض العام الماضي، ومشاركة الأسد لأول مرة بقمم الجامعة العربية منذ ثورة السوريين عام 2011، التغيرات الإيجابية بالتعاطي العربي مع النظام السوري، في مقابل تضييق إيراني على الأسد، تعدى حدود الخنق النفطي والإلحاح لإيفاء الديون أو منح استثمارات مقابلها، بقطاعات حساسة وذات مردود مالي كبير، من قبيل "الخليوي" أو مصرف مشترك أو حتى استثمارات طاقوية بالفوسفات والنفط.
ويلحظ المتابع أن نظام الأسد يسوّف ويتعذر أمام طهران التي أوقفت شحنات تصدير النفط الخام، قبل أن تلمّح لتآمر النظام بمقتل قياداتها على الأرض السورية. لترى ما سيتمخض عن قمة البحرين، الشهر الماضي، والتي دعي إليها بشار الأسد شريطة ألا ينظّر ويتكلم، ريثما يتخذ إجراءات على الأرض.
إن السعودية خسرت أمام إيران في سوريا، حين لم تلتقط، كما تركيا، اللحظة التاريخية خلال ثورة السوريين، وتركت الساحة لإيران، لتبقى وتتمدد.
ولكن، كل ما لدى طهران من أدلة أو شكوك، عززتها ملامح ما بعد قمة المنامة، تؤكد بيعها للسعودية، والتي-الشكوك- لم تبددها زيارة بشار الأسد لطهران ولقائه المرشد الأعلى خامنئي، لتقديم التعزية المتأخرة بمقتل الرئيس ورئيس دبلوماسيته بحادث الطائرة اللغز، بل زادها عودة السفير السعودي إلى دمشق والاتفاقات حول الحجيج والتجارة والطيران وملامح الدعم السعودي التي تزيد من ثورة الشك لدى إيران.
وربما بإرسال وزير الخارجية الإيراني بالوكالة، علي باقري كني إلى دمشق، ومؤتمره الصحفي مع وزير خارجية النظام، مساء الثلاثاء، وما تضمنه من انفعال ومحاولات الطمأنة، بأن العلاقات استراتيجية وبأحسن أحوالها، وأن
"الدعايات التي يتم تعميمها، عن العلاقات السورية الإيرانية، هي مجرد أوهام ورغبات البعض، والعلاقات في أفضل أوضاعها" هي دليل إضافي على مخاوف طهران وشعورها بأن وجودها ومشروعاتها الاقتصادية، قد تم وضعها على طاولة المساومة والمزاد السري.
يمكن القول إن السعودية خسرت أمام إيران في سوريا، حين لم تلتقط، كما تركيا، اللحظة التاريخية خلال ثورة السوريين، وتركت الساحة لإيران، لتبقى وتتمدد.
رغم ما لسوريا، من دور محوري وإقليمي، بالصراع الخفي بين إيران والسعودية، اللتين تتناميان بمنطقة الشرق الأوسط على اعتبارهما دولتين نفطيتين وتقودان، كل على حدة، مشروعاً ومحاور.
في حين أن طهران، أحست بأهمية المرحلة، فدعمت بقاء الأسد على كرسي الوراثة، بالمال والنفط والسلاح والميليشيات، لتزيد وجودها عبر مشروعات اقتصادية وتقيّد الأسد باتفاقات قطاعية معلنة، بقطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والنفط والاتصالات واستثمار مرفأ اللاذقية، وتلغي الرسوم الجمركية لتزيد إدمان السوق السورية على "سكراب بضائعها".
وربما اتفاقات سرية، تزيد من قيود نظام الأسد وتبعيته لـ"محور المقاومة" تبدأ من القروض المستمرة عبر ما يسمى "خطوط الائتمان، ولا تنتهي بالوجود العسكري وتسهيل التشيّع وصولاً لتغيير هوية سورية والإخلال بديموغرافيتها.
الأمر الذي يصعّب على الرياض دفع الثمن، الذي تعدى تزويد دمشق بالنفط الخام أو تسديد الخمسين مليار دولار ديون. أو حتى الإنابة بالمشاريع الإيرانية، التي لم يزل جلها بطور التشميل ولم تأخذ طرقها للتنفيذ. لأن الإيراني على الأرض السورية، تعدى مرحلة المستأجر إلى موقع المالك، بالعقارات والشركات، والمسيطر بقوة الديموغرافيا والمذهبية والعسكرة.
المقامرة ليست لأن النظام السوري يحنث بوعوده مع المملكة والشروط الأردنية، أو للارتباط العضوي القديم، بين دولة الأسد العميقة وطهران.
نهاية القول: بين تصميم السعودية على كسر تمدد المشروع الفارسي بسوريا، وحرص إيران على دعم الاستبداد والتوسّع بذريعة المقاومة، يتبدى مشهد جديد من الصراع بالمنطقة.
مشهد قد يوفر الهدوء المؤقت، بواقع تعرّي إيران وانكشافها بعد الحرب على غزة، ما يضطرها الاقتصار على الأدوات الناعمة بردها على طردها من سوريا.
في مقابل تنامي القوة السعودية التي تستند على "توبة الأسد" وشعوره بمدى الورطة الإيرانية التي قسمت سوريا وأفقدته السيطرة ما بعد حي المهاجرين حيث شيّد قصر أبيه.
بيد أن هذا الهدوء الإقليمي المصطنع أو السلام السوري السلبي، من جراء التطبيع مع نظام، قتل وشرّد أكثر من نصف سكان سوريا، يحيل صفقة السعودية شراء النفوذ الإيراني وإخراج المجرم من عزلته، مقامرة إن لم نقل خاسرة بكل المقاييس.
والمقامرة ليست لأن النظام السوري يحنث بوعوده مع المملكة والشروط الأردنية، أو للارتباط العضوي القديم، بين دولة الأسد العميقة وطهران، منذ أرسى دعائمها الوارث حافظ الأسد، بعيد "الثورة الإيرانية" بل ولأن السعودية تقفز خلال صفقتها، على حقوق الشعب السوري وصيرورة التاريخ، محاولة الاستعاضة عن "اسكوبار" الأمس الذي أغرق المنطقة بالمخدرات، بفرانكو عربي جديد، تفرضه التحالفات و تقتضيه المرحلة.