يباع الجولان وتذرو رياح النزوح والخيانة أبناء الجولان على مدى خريطة الوطن لتحط عائلة الساروت في حمص ولينبت للعائلة فيها عبد الباسط وإخوته، وتحتضنه حمص بأصالتها ودفئها، ويعشقها الساروت بنقائه وطهره ويصبح شيخ شبابها وحارسها وبلبلها الشادي، ثم يتوجان معاً فتكون حمص عاصمة الثورة ويصبح الساروت حارسها.
ينشد للحرية ثم ينزف في سبيلها في شوارع مدينة خالد بن الوليد، ثم لتذهب به رياح الإجرام والأحقاد والتهجير مرة أخرى في رحلة قسرية إلى شمال الوطن فيغادر حمص على عشقها ولكنها تبقى بوصلته وغايته، بعد أن دفن فيها عشرات الشهداء من عائلته ورفاقه الأقربين قرابين حرية سوريا.
فالشاب الذي غدا، كان نجماً رياضياً قبل الثورة، صار منشد المظاهرات السلمية في بدايتها، ثم القائد الذي يتقدم الصفوف في جيش الأحرار، وفي الخاتمة أصبح أجمل وأنبل شهداء الثورة.
بذرة الجولان النقية التي روتها حمص وضمها تراب إدلب عندما ختم رحلته فيها شهيداً، من لا يعرفه لا يعرف الثورة ولا يعرف سوريا...، ومن لا يدرك معنى تعلق السوريين بالساروت لا يعرف ولا يفهم ثورة الكرامة والحرية ولا يفهم معنى أن يقوم شاب بعلو همة وأصالة الساروت وسمو روحه بحياكة عباءة المجد بهذا الهدوء والإيمان والثقة بالله، ثم ليكرمه الله بالشهادة وليأخذ مكانه بجدارة في ذاكرة الأمة بين أعظم الرجال الأبطال، وفي قلوب السوريين في الصميم، وفي تاريخ سوريا كتب اسمه بأحرف من نور.
جسدَ الساروت معاني الثورة الحقيقية بعفويتها وشعبيتها وطهرها وخيباتها وانتصاراتها وإصرارها، حمل كل هذه المعاني في صوته النقي وفي سلاحه الوفي الواعي الواثق.
بعد استشهاد البطل الساروت، أكرمني الله بزيارة عائلته وشرفني بلقاء والدته وشقيقه حسين وأبناء أخيه الشهيد وليد، وحيث إني قصدت المواساة ومشاركة العائلة ألم الفقد وأردت تكريم والدته وجدت نفسي المكرم بلقاء الأسرة المدرسة التي سأبقى أروي وأفتخر بهذا اللقاء معها ما حييت، فقد قدمت نفسي لوالدة الشهيد البطل بفخر بأني سميّه وبرجاء أن ترى فينا أبناءها وعونها أمام مصابنا ومصابها، فوجدت في أمنا الحاجة أم وليد الساروت مدرسة في الصبر والإيمان، المدرسة التي تعلم فيها الساروت وإخوته فالخنساء التي فقدت ستة من الأبناء وأربعة من الإخوة والزوج وحفيدين، كانت تواسينا وتطلب منا الصبر والإصرار على درب الساروت ورفاقه حتى انتصار الثورة وأن هذا كل ما تطلبه وكل ما تريده في هذه الحياة، في مشهد عصي عن الإدراك في جلاله وعظمته ومعانيه، العائلة التي تشعر فور لقائك بها أنهم عائلتك وأهلك، تزين جدران منزلهم صور شهداء العائلة، وتعيش معهم أحاديث الثورة بكل طهرها وتفاصيلها، وترى في حسين شقيق الساروت ملامحه التي نشتاقها وفي صوت ممدوح ابن شقيقه صداه الذي ما يزال يتردد في أرواحنا ويشعل الثورة فينا.
حدثتنا الحاجة أم وليد عن وليد وعن عبد الله ومحمد وأحمد وبسام وعبد الباسط أبنائها متأملة صورهم على حائط البيت وعن إخوتها الشهداء وزوجها وأحفادها، بفخر وعزة وإيمان واحتساب وثقة بالله، أن مكانهم الجنة ومصير الثورة النصر، وأن وصيتها الوحيدة والدائمة هي الثورة وأهدافها ومطالب شهدائها، هذه الأمانة التي تحملها لكل من يقابلها، تدرك مع صبرها وثقتها لماذا كانت آخر كلمات عبد الباسط:
هذه الثورة منتصرة..
هذه الثورة مستمرة..
لأنها ثورة شعب.. والشعب لا يهزم.
سيذكر السوريون على مدى الزمان جلال حضور الساروت وجلال رحيله، والاحتفاء الذي أحاط باستشهاده وبإحياء ذكراه في كل عام في استفتاء شعبي عفوي، كما كان الساروت، يستفتون في كل عام قلوبهم على أن طريق الساروت طريق الأحرار جميعاً.
الساروت سيبقى نموذج شباب الثورة الطاهر بوجهه الضاحك البريء وسيبقى صورة الثورة البهية وصداها الصادق النقي ويدها المتوضئة، في مواجهة نموذج شبيحة النظام المجرمين بوجهه البشع وغدره ولؤمه ويده المنغمسة في دم الشعب.
سيبقى السوريون الأحرار على عهد الوفاء للساروت وسوف تشيد سوريا الحرية نصباً للفخر بالساروت في كل ساحة من ساحات الثورة بعد أن تهدم أصنام الأسد وتلقيها في مزبلة التاريخ.