المحافظة على السِلم والأمن الدوليين، هي الغاية التي حددها ميثاقُ الأمم المتحدة، التي جاءت خَلَفاً لعصبة الأمم المتحدة، بعد أن اجتمعت خمسون دولة في سان فرانسيسكو في الخامس والعشرين من شهر نيسان/ أبريل عام 1945، ودخل ذاك الميثاق حيز التنفيذ في شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه إبان استسلام اليابان في أيلول/ سبتمبر بعد أن سبقتها إلى ذلك ألمانيا، في شهر أيار/ مايو من العام نفسه أمام قوات الحلفاء.
مَنعُ الحروب مستقبلاً، هو ما كان يؤرق الدول الخارجة من حَربين عالميَتين دمرت كيانها وقتلت الكثير والكثير من أبنائها، وأعادت إنتاج مفاهيم شعوبها عن الحياة والموت وكل ما يتصل بهما.
رغم فشل الأمم المتحدة في حقن الدماء في العديد من الأماكن، كالإبادة في بنغلاديش عام 1971، والإبادة في كمبوديا من قبل الخمير الحمر، وكذلك الفشل الذريع المرير في منع الإبادة الجماعية في رواندا 1994، فضلاً عن مذبحة سربرنيتشا، والتي تعد أسوأ مذبحةٍ شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
نفَذَت إحدى وسبعين عمليةَ حفظ سلام في مناطقَ مختلفة حول العالم، على رأسها في جنوب السودان وبين الهند وباكستان. عدا تضمين الوضع الإنساني، من تقديم المساعدات الإغاثية أو في مجال التعليم وحقوق حماية الأطفال وحقوق الإنسان عموماً، وحتى الحفاظ على الثقافة والتراث الإنساني، في البنية الأساسية للأمم المتحدة، من خلال هيئاتٍ تتبعُ لها وتعملُ تحت مظلتها.
الجامعة العربية التي يتمحور نشاطها ويتركز حول أهدافٍ سياسية -اقتصادية وعروبية بالعموم، أسقطت في المقابل أهدافاً أخرى ضرورية ومحورية
فلماذا لا تشمل الجامعة العربية هكذا أدوات ومكونات مؤسساتية مُلحَقة، تساعدُ في تخفيف أعباء تضاد وتعارض المصالح السياسية التي تشهدها المنطقة؟ والتي من الواضح أنها لن تلفظها في الوقت القريب.
الجامعة العربية التي يتمحور نشاطها ويتركز حول أهدافٍ سياسية -اقتصادية وعروبية بالعموم، أسقطت في المقابل أهدافاً أخرى ضرورية ومحورية، لا يمكن المُضيُ في الأولى دون العمل على هذه، وهي تتعلق بالجانب الاجتماعي والخَدمي الإنساني، فضلاً عن افتقارها لقوات حفظ سلام أو قوات ردع، يمكن تسخيرها لتنفيذ مواقفها على أرض الواقع، خاصةً مع ما تشهده المنطقة من استخدامٍ للسلاح فيها، يجعل وجودَ هذه القوات ضرورةً حتمية تسهمُ في حقن الدماء، وإذ أتت الأمم المتحدة لتستدرك عدم امتلاك عصبة الأمم (1920-1946) لأدواتها على أرض الواقع، فلماذا لا تُجدد الجامعة العربية نفسها وتُنشئ تخصصاتٍ وفروعاً تُغطي كل الجوانب والأصعدة، وتعمل على حل الآثار الجانبية للنزاعات المركزية في الحياة، من تعليم وصحة وحفظ سلام وحقوق إنسان وتنمية مستدامة..
تصريحاتُ الدول العربية، حتى مع إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة، والتي تفرض بطبيعة الحال مدَ جسور العلاقات مع النظام المُستلمِ زمامَ السلطةِ حتى هذا الوقت والذي يطالب الشعب السوري برحيله، مازالت تؤكد وتؤيد حقوق الشعب السوري، والالتزام والتمسك بالحل الذي يضمن هذه الحقوق ويكفل وحدة وسيادة الأراضي السورية.
لكن، وانطلاقاً من هذه التصريحات مع ما تخلقه من فجوةٍ مع الواقع المُعَاش ليس فقط في سوريا ولكن في العديد من الدول العربية، وعجز جميع النزاعات وعلى مستوى العالم من تحييد المدنيين من أن يكونوا ضحايا لها، بل وفي كثيرٍ من الأحيان كانوا في قلبها أو قالبها حتى، يطرح سؤالٌ نفسَه، هل أصبح الوضع الإنساني هامشياً وجانبياً في قرننا الحالي!؟
في سوريا، هناك تخوفٌ شديد من أن تعود الضرورات السياسية لتستبيح المحظورات الإنسانية، فمع استمرار تسجيل مزيدٍ من العجز في وضع اللاجئين، يلوحُ في الأفق خطرُ إمكانية إعادة سيناريو إراقة الدماء في الجنوب السوري
حديثُ الشيخة موزة عن السودان مدينةً وحرماً جامعياً، وذلك في مقر الأمم المتحدة في نيويورك وخلال مؤتمرٍ يُعنى بالتعليم، والتفاصيل الخاصة بالمكان والذكريات، التي غابت وغُيِبَت، في ظل ارتفاع أصوات الرصاص والاقتتال وأحقية أي من الأطراف في المعارك الدائرة هناك، ليتكشف لنا أنَ الدافع الرئيسي من الاقتتال بتحقيق حالٍ أفضل، هو نفسه السبب وراء هلاك الكثير ممن حلموا بذلك الواقع، دون القدرة على تجنيبهم تلك الأهوال، يطرحُ تساؤلاً عن مدى القدرة على حماية حق التعليم والحفاظ عليه لأبناء المنطقة العربية، عدا التربة الخصبة لكل أنواع الاضطرابات المستقبلية التي تعيش فيها أجيالٌ بأكملها، وتجعل المنطقة قنبلة موقوتة إن لم يتم معالجتها، إضافةً إلى ملفاتٍ كثيرة تحتاج إلى وضع الخطط لها والبحث عن حلول.
في سوريا، هناك تخوفٌ شديد من أن تعود الضرورات السياسية لتستبيح المحظورات الإنسانية، فمع استمرار تسجيل مزيدٍ من العجز في وضع اللاجئين، يلوحُ في الأفق خطرُ إمكانية إعادة سيناريو إراقة الدماء في الجنوب السوري، في ظل السكوت عن تهديداتٍ ضمنية من قِبل إعلام النظام بالجماعات الإسلامية المتطرفة، وعدم مبادرة الجامعة العربية لتقديم خطة لضمان حماية المدنيين وعدم السماح بالمساس بهم.
يُصرح الأردن بعدم إمكانية فتح معبرٍ لمحافظة السويداء واقتصار التعامل مع النظام الحاكم في سوريا، ويصرح وزراء الخارجية العرب في الإصرار على التوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة السورية وفق القرار 2254، ورغم أنَه المُتَفَق عليه كمرجعيةٍ نهائية للحل في سوريا، لكن متى وإلى متى؟ والوقت في سوريا يُخَط بالدم، وأي دعمٍ أو مساعدة، يحتاجُ إلى أذرعٍ حقيقية على الأرض تُنهي حالة الفقر الإنساني، فهل يستكملُ المشروع العربي نفسَه بأقدامٍ صلبة على الأرض، للمُضي قُدماً في حماية الإنسان العربي وصون حقوقه في التعليم والحياة والعيش الكريم؟