قتل المستشار في الحرس الثوري الإيراني سعيد أبيار في غارة جوية طالت ريف حلب، يوم الإثنين 3 حزيران/ يونيو 2024، لينضم لقافة من القتلى الإيرانيين في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط.
وفي يوم 19مايو/ أيار 2024، قتل رئيس الوزراء الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان بحادثة تحطم طائرة، وفي بداية شهر حزيران/ يونيو 2024 أعلن عن وفاة الجنرال وجيه الله مرادي أحد أبرز مستشاري قاسم سليماني في أحد المستشفيات في محافظة مازندران شمالي إيران.
بغض النظر إن كان وفاة تلك الشخصيات مدبرة، أو طبيعية، ولكنها بالتأكيد تطرح حالة جديدة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لأنها تستدعي إعادة تكليفات عسكرية وسياسية جديدة، ومن المؤكد أن التعيينات الجديدة سترسم سياسة طهران لسنين قادمة، من هنا قد تكون زيارة وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني لبيروت وسوريا ذات مؤشر قوي على التوجيهات التي يسعى مرشد الثورة الإيرانية لطرحها في شكل حكومته القادمة، وتحالفاتها الإقليمية، والدولية.
والتقى باقري مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في السفارة الإيرانية ببيروت، وطبعا اختيار السفارة كمقر للقاء هدفه توجيه رسالة للإسرائيليين بأنكم لن تتجرؤوا على قصف سفارة إيران في بيروت كما فعلتم في سوريا، خاصة أن حزب الله استخدم قبل هذا اللقاء عددا من صواريخ بركان القادرة على حمل رؤوس متفجرة يصل وزنها إلى 500 كليوغرام متفجرات، واستطاع أحد تلك الصواريخ يوم 2حزيران/ يونيو 2024 تحقيق إصابة مباشرة لللواء 769 في مستوطنة بكريات شمونة الإسرائيلية، رغم أن هذه الصواريخ معروفة بضعف دقتها في إصابة الأهداف، وهذا يدلل أن إيران طورت هذه الصواريخ لتصبح أكثر كفاءة وسلمتها لحزب الله، والمعروف عن هذه الصواريخ أنها امتداد لصواريخ شهاب الإيرانية الباليستية، وهي عند ميليشيا الحوثي، وحزب الله، والنظام السوري.
أيضا تزامن لقاء علي باقري كني مع قيادات فلسطينية وسورية في السفارة الإيرانية في دمشق يوم 4حزيران/ يونيو 2024، بقصف مكثف من حزب الله على مستوطنة كريات شمونة، وجبل أدير، وأميعاد، وصفد، مما تسبب باشتعال حرائق كبيرة وإصابة عدة مدنيين وعسكرين كانوا يسعون لإخماد الحرائق.
من هنا يتضح لنا أن زيارة علي باقري كني لسوريا ولبنان، هي رسالة تشدد من الحرس الثوري الإيراني مفادها، نحن مستمرون بالحرب البادرة بيننا وبين إسرائيل، ولن نقدم أية تنازلات، فمعركة الشمال لإسرائيل أكثر كلفة مالية وعسكرية من معركة غزة، وهذا التوجه لاقى الصدى عند بشار الأسد، حيث صرح في أثناء لقائه باقري كني يوم 4حزيران/ يونيو 2024.
"المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي بكل أشكالها، ستبقى مبدأ أساسيا وخيارا استراتيجيا، باعتبارها النهج الصحيح في مواجهة الأعداء، خاصة أن التساهل مع الإسرائيليين سيزيد من اعتدائهم ووحشيتهم".
هذا التصريح مهم، لأنه جاء بعد زيارة رئيس المخابرات الإيطالية الجنرال جاني كارفيللي لدمشق يوم 28 أيار/ مايو 2024، حيث التقى رئيس النظام بشار الأسد ومدير مخابراته حسام لوقا، ووفق تسريبات، عرض كارفيللي عليهما فرصة إعادة تقييم العقوبات على سوريا من مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي شريطة تأمين منطقة آمنة يعود لها اللاجئون السوريون.
بالتأكيد عرض كارفيللي قد يكسر وبشكل جزئي العزلة الاقتصادية والسياسية عن نظام الأسد، ولكن شروطه غير ممكنة التحقيق، فالأسد ونظامه الأمني غير مهتم باللاجئين السوريين، فوفق مقابلات أجرتها جريدة الشرق الأوسط مع أطراف لبنانية وسورية تبين عودة 1100 لاجئ سوري من لبنان نحو الحدود السورية، ولكن النظام لم يسمح إلا بمرور 400 شخص منهم لسوريا، وأعيد البقية للأراضي اللبنانية بحجة أنهم غير مرغوب بهم داخل الأراضي السورية، الأمر ذاته نراه عند اللاجئين السوريين المسجونين في السجون العراقية، والذين وصلت أوراقهم الرسمية للنظام السوري، ولكن النظام السوري رفض استقبالهم، واكتفى بجلب المطلوبين للتجنيد الالزامي بغية الاستفادة منهم في الجيش السوري.
أيضا فكرة إقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية، هي بمثابة اقتطاع جزء من الأراضي السورية تحت إشراف هيئات دولية، وهو أمر لا يحبذه النظام السوري، كما لا ترغب به قيادة الحرس الثوري الإيراني، لأن موقع المنطقة الآمنة المقترح في ريف حمص المجاور للبنان، مما يجعله قريبا من منطقة "القصير" والتي تعد منطقة تهريب رئيسية بين سوريا ولبنان، وهذه المنطقة تحت هيمنة حزب الله بشكل مطلق.
كما يبدو الأسد نقل أفكار كارفيللي لمرشد الثورة الإيرانية، خلال زيارته لطهران لأداء واجب العزاء بحق الرئيس إبراهيم رئيسي يوم 30 أيار/مايو 2024، فكان رد المرشد علي خامنئي واضحا عبر منصة X:
(يريدون إخراج سوريا من المعادلات الإقليمية، بما في ذلك الوعود التي لن يوفوا بها أبدًا).
طبعا أكد مرشد الثورة الإسلامية على استمرار دعمه للأسد، وضرورة عدم انصياعه للوعود الغربية والعربية، وهو ما دفع الأسد لتكرار دعمه لخطاب المقاومة، أمام وزير الخارجية بالإنابة علي باقري كني يوم 4 حزيران/ يونيو 2024، في رسالة تأكيد منه على التزام سوريا بالتوجيهات الإيرانية.
من هنا نرى النظام السوري أقرب للإيرانيين من المجتمع الغربي، خاصة أن قسما كبيرا من ضباطه خضعوا لدورات تدريبية في إيران، وبات لديهم صلات وثيقة مع عناصر من الحرس الثوري الإيراني.
وهؤلاء الضباط لديهم قناعة أن تلك العقوبات تؤثر سلبا على الحياة المدنية السورية، التي لا تعنيهم، في حين عززت تلك العقوبات من تدفق السلاح الإيراني لمخازن النظام السوري، وسمحت للضباط السوريين بتعزيز أرصدتهم المالية من خلال تكثيف خطوط التهريب بين سوريا ولبنان، وخلق خطوط تهريب جديدة لتجارة الكبتاغون، بين سوريا والعراق، وسوريا والأردن.